الوقت - في خضم المحادثات النووية المكثفة في فيينا بين إيران ودول P4 + 1 على المستوى الإقليمي، يبدو أن طهران اتبعت نهجًا ديناميكيًا في مجال الدبلوماسية.
وفي هذا الصدد، نرى أن وزير خارجية جمهورية إيران الإسلامية، محمد جواد ظريف، سافر إلى قطر والعراق في إطار جولة إقليمية.
إضافة إلى الأهمية الخاصة لزيارة ظريف للدوحة، يمكن اعتبار البعد الأهم للجولة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني، هو زيارته إلى بغداد.
العراق في قلب المنافسة الإقليمية وعبر الإقليمية
نظرًا لموقعه الجيوسياسي ومکانته الخاصة في العالم العربي، لطالما اعتُبر العراق مركزًا للدبلوماسية ومحط اهتمام مختلف الجهات الفاعلة على المستوى الإقليمي وفوق الإقليمي، لكن في السنوات التي تلت عام 2003، والتي تزامنت مع الاحتلال العسكري الأمريكي لهذا البلد، تقلص هذا الدور إلى حد ما.
ومع ذلك، فقد شهدنا في السنوات الأخيرة أن العراق أصبح مرةً أخرى محط تركيز الجهات الفاعلة الإقليمية وعبر الإقليمية. في هذه الأثناء، في السنوات الأخيرة، كان أحد الجهود الجادة للدول العربية بقيادة السعودية هو إعادة العراق إلى البيت العربي، وبالتالي إبعاد بغداد عن القرب المتزايد من إيران.
وعلى وجه الخصوص، اتسع هذا الاتجاه بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وخاصةً بعد تعيين مصطفى الكاظمي رئيسًا للوزراء في 7 مايو 2020، حيث نشهد لقاءات دبلوماسية بين دبلوماسيين عراقيين وسياسيين من دول عربية على مختلف المستويات.
ومن أهم زيارات المسؤولين العرب إلى العراق کانت زيارة نايف فلاح الحجرف، الأمين العام لمجلس التعاون، إلى العراق في 1 فبراير 2021، ونوقشت خلال هذه الزيارة خطة ربط شبكة الكهرباء العراقية بمجلس التعاون.
كما قام الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيث، بزيارة إلى العراق لمدة يومين، في 10 أبريل 2021 .
وإضافة إلى الدول العربية، بذلت الولايات المتحدة جهودًا مكثفةً في السنوات الأخيرة لتهيئة الظروف اللازمة لبقاء قواتها في هذا البلد، على عكس قرار البرلمان العراقي في 5 كانون الثاني/يناير 2020 بطرد القوات الأجنبية. کذلك، اتبعت واشنطن دومًا، إلى جانب الدول العربية، سياسة إبعاد إيران عن العراق.
بالنظر إلى هذا المستوى من الضغوط وهذه السياسات، تشير زيارة محمد جواد ظريف إلى بغداد في السياق الحالي، إلى تركيز طهران على تعميق العلاقات الجيدة مع العراق في ظل الوضع الجديد.
کما أصبح تنسيق وصمود الشعبين في الحرب ضد الجماعات الإرهابية في السنوات التي تلت 2014، أرضيةً جديدةً للتحالف الاستراتيجي والتقارب الأوثق بين البلدين، وهو أمر يحتاج إلى الارتقاء والإحياء في المستقبل.
وساطة بغداد بين القوى الإقليمية
القضية المهمة الأخرى فيما يتعلق بزيارة ظريف إلى بغداد، هي إمكانية الوساطة العراقية بين إيران والدول العربية.
في الأسبوع الماضي، انتشرت أنباء عن اجتماع بين ممثلين عن إيران والسعودية في بغداد. وعلى الرغم من أن هذا الخبر لم يتم تأكيده من قبل طهران والرياض، إلا أن السياسيين العراقيين أعلنوا عن استعدادهم للعب دور الوساطة.
وحتى في أعقاب انتشار هذا النبأ، أعلن المسؤولون العراقيون عن استعدادهم لنزع فتيل التوترات بين إيران ومصر، إضافةً إلى التوسط بين طهران والرياض.
ولذلك، بناءً على هذه القاعدة، يمكن اعتبار زيارة محمد جواد ظريف إلى بغداد تأكيدًا على رغبة طهران في السلام ونزع فتيل التوترات مع جيرانها الإقليميين.
يواجه العراق تراكماً من الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية، ودور الخصومات الإقليمية في تفاقم هذه الأزمات لا يمكن إنكاره بالتأكيد.
ومنذ صعود الشيعة في عام 2003 على وجه الخصوص، تدخلت الدول الخليجية في خلق الأزمة السياسية والطائفية والإرهاب في العراق، لمواجهة تحالف طهران وبغداد. لذلك، فإن إخراج العراق من موجة التوترات الإقليمية أصبح مبدأً مهماً في السياسة الخارجية لهذا البلد.
وبطبيعة الحال، فإن محادثات ظريف مع المسؤولين العراقيين حول سماع توقعات الجانب السعودي وإعلان شروط دفع المحادثات ومواقف طهران، كانت أحد أهداف هذه الزيارة. وتؤيد الجمهورية الإسلامية دور العراق في هذه القضية.
ديناميكية الدبلوماسية الإقليمية الإيرانية لفترة ما بعد العقوبات
على صعيد آخر، يمكن ربط زيارة محمد جواد ظريف للعراق بمحادثات فيينا وإمكانية إنهاء العقوبات الأمريكية الأحادية على إيران. وهذا يعني أن طهران تحاول بالفعل خلق الأرضية لزيادة العلاقات الاقتصادية مع الدول المختلفة في حقبة ما بعد العقوبات.
کما أن القدرات الاقتصادية الخاصة لإيران والعراق، وخاصةً تمهيد الطريق لتنفيذ آفاق زيادة مستوى التجارة بين الجانبين إلى 20 مليار دولار، لها أهمية خاصة.
بشكل عام، تمتلك إيران والعراق إمكانات اقتصادية خاصة لمرحلة ما بعد العقوبات وانسحاب قوات الاحتلال الأجنبية وانتهاء جائحة كورونا. وخاصةً أنه يمكن أن تكون زيارة ظريف فعالةً للغاية في إنشاء منصة وإزالة العقبات أمام السياحة الطبية الدينية بين البلدين بعد انتهاء وباء كورونا.