الوقت - قبل حوالي 500 عام، فكر السلطان العثماني سليمان في بناء قناة بحرية لتجاوز مضيق البوسفور. وهذا الحلم، الذي يعدّ أحد أكبر المشاريع قيد الإنشاء في تركيا خلال رئاسة رجب طيب أردوغان، يتحقق الآن.
بدأ مشروع بناء ممر مائي بطول 25 ميلاً (40 كم) شمال اسطنبول لربط بحر مرمرة بالبحر الأسود في منتصف عام 2021. وكشف أردوغان النقاب عن هذا المشروع الضخم لأول مرة في عام 2011.
يجادل المسؤولون الأتراك بأن القناة الجديدة ضرورية للحد من الضغط المروري عبر مضيق البوسفور في اسطنبول، وهو طريق رئيسي للتجارة العالمية، والذي يمر عبره أكثر من 38 ألف سفينة سنويًا.
تم تصميم هذا المشروع، الذي سيكون أغلى مشروع بناء في تركيا المعاصرة، بزمن تقديري للبناء يبلغ سبع سنوات وبتكلفة تتراوح بين 9.3 مليارات دولار و 14.6 مليار دولار.
انتقادات جادة من المعارضين
على الرغم من حديث مسؤولي حكومة أردوغان عن الفوائد البعيدة المدى لمشروع قناة اسطنبول للاقتصاد التركي، لکن الكثيرين متشائمون.
قبل أسابيع قليلة، أصدر 104 من الأدميرالات المتقاعدين رسالةً مفتوحةً تحذر من وجود تهديد محتمل لمشروع قناة إسطنبول لاتفاقية مونترو فيما يتعلق باستخدام الممرات المائية التركية الرئيسية، واصفين إياه بأنه اتفاقية "تحمي مصالح تركيا على أفضل وجه". وقوبل هذا التحذير برد فعل قوي من حكومة أردوغان واعتقال بعض الموقِّعين.
من الناحية الجيوسياسية، يثير المشروع الشكوك حول التزام تركيا باتفاقية النقل الدولية في مضيق البوسفور والدردنيل.
تضمن اتفاقية مونترو حرية مرور السفن المدنية عبر مضيق البوسفور والدردنيل في أوقات السلم والحرب. كما تقيِّد استخدام السفن العسكرية من قبل الدول غير المطلة على البحر الأسود في المضيق.
ستسمح القناة الجديدة للسفن بالعبور بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، دون العبور من جزء من المضائق التي تشملها المعاهدة. ومن ناحية أخرى، انتقد المعارضون الآثار البيئية المدمرة للغاية التي توقعها بعض الخبراء.
يقول الكثير من الناس إن هذه القناة الجديدة ستسبب الكثير من الضرر للبيئة بسبب العبور من بعض البحيرات المحمية. کما يعبر مسار القناة البحيرات والأنهار التي تزود اسطنبول بالمياه، ما يهدد النظم البيئية البحرية والمياه العذبة.
وفي نقد آخر، وبالنظر إلى التكلفة العالية للخطة، يجادل المعارضون بأن دعوة المستثمرين الأجانب تجعل الاقتصاد التركي، الذي يعتمد بشكل كبير على الاستثمار الأجنبي، أكثر عرضةً لسلوك المستثمرين العالميين.
في السنوات الأخيرة، أصبحت هذه الصورة أكثر حزنًا. حيث انخفضت الليرة إلى النصف منذ أزمة العملة في 2018، لتصل إلى أدنى مستوى لها عند 8.52 مقابل الدولار الأمريكي في نوفمبر. وكان دور المستثمرين الأجانب واعتماد تركيا الاقتصادي على سلوك هؤلاء المستثمرين، واضحًا تمامًا في هذه الانخفاضات.
وكانت مثل هذه الصدمات الاقتصادية صعبةً على الشعب التركي. وفي الوقت الحاضر، بلغ معدل التضخم في الشهر الماضي 16.2 في المائة على أساس سنوي، وظلت البطالة مرتفعةً عند 13.4 في المائة في فبراير.
بالإضافة إلى ذلك، يشير الكثيرون إلى عدم تلبية التوقعات الطموحة في المشاريع الكبرى السابقة، ما أجبر الحكومة على تنفيذ ضمانات مالية للشركات المتعاقدة على حساب قطاع الخدمات العامة، وتقليص الالتزامات الحكومية في هذا المجال.
على سبيل المثال، قيل إن الحكومة دفعت أكثر من 515 مليون دولار في عام 2019 لمشغل جسر البوسفور الثالث، الذي افتتح قبل خمس سنوات، لتعويض العجز المتوقع في الإيرادات من الرسوم.
وبينما يشير المسؤولون الأتراك أيضًا إلى حوادث مثل انسداد قناة السويس لإبراز دور معبر إضافي لمساعدة النقل العالمي وكسب المال لتركيا، يقول المنتقدون إن حركة المرور في البوسفور قد انخفضت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وخاصةً أن خطوط أنابيب الطاقة الجديدة من آسيا الوسطى وروسيا إلى أوروبا تجعل نقل النفط والغاز أقل كفاءةً مما كان عليه في الماضي.
ووفقًا لوزارة النقل التركية، بين عامي 2008 و 2018، انخفض عدد السفن في مضيق البوسفور من 54400 إلى 41100 سنويًا. وبحسب خفر السواحل التركي، انخفضت حوادث المرور في المضيق بمقدار الثلث منذ عام 2003.
في الوقت الحاضر، يمكن للسفن عبور مضيق البوسفور مقابل رسوم رمزية، وليس هناك حافز كبير لاستخدام قناة بديلة.
کما يشير المنتقدون أيضًا إلى تزايد عدم المساواة والسعي وراء الريع في الاقتصاد التركي. وقد أدى الشراء الواسع النطاق والرخيص للأراضي الزراعية حول القناة من قبل الشركات الخاصة إلى إثارة التكهنات بأن المستفيدين الأكبر من هذا المشروع الكبير يمكن أن يكونوا مقاولين من القطاع الخاص، الذين يبنون "مدينة جديدة" على مساحة 8300 هكتار (20510 هكتار) حول القناة المقترحة.
ويشار إلی أن أسهم الشركات العقارية قد ارتفعت بنسبة 8.65٪ في بورصة اسطنبول، بعد الموافقة على خطط تقسيم القناة في 27 مارس.