الوقت- من المعروف أنّ فرنسا تتصدر ذيل قائمة الدول الأوروبيّة، في مستوى قدرتها على التعايش مع الديانات والثقافات والأعراق واحترام الأقليات بما فيهم المسلمون البالغ عددهم قرابة 10 ملايين فرنسيّ، في ظل السياسات الحكوميّة التي تُوصف بالعدائيّة تجاه الإسلام ورموزه، ومؤخراً أشارت صحيفة "إندبندنت" البريطانيّة، إلى الحملة الحالية لحظر ارتداء الحجاب في فرنسا على أيّ فتاة دون سن 18 عاماً ضمن ما يُسمى "مشروع قانون الانفصاليّة" المناهض للانفصالية وبشكل خاص "الإسلام السياسي" وأي مشروع منظم على هامش الجمهورية وضدها، بأنها أحدث مظاهر علاقة فرنسا المتوترة بالزي الإسلاميّ، وهي الحملات التي اكتسبت زخما متواصلا منذ أحداث 11 أيلول 2001 التي استهدفت الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي ترفض فيه فرنسا التعايش مع القيم الإسلاميّة ولا تسمح بممارسة القيم الإسلاميّة وتستفز مشاعر مواطنيها المسلمين أولاً، ذكرت الصحيفة البريطانية، في تقرير لها قبل أيام، أنّ محاولات حظر النقاب والحجاب تتناقض تماماً مع ما يدّعيه الفرنسيون حول تمكين المرأة، وهي خطوة ترتكز أساساً على الخطاب المعادي للإسلام الذي تنتهجه باريس، والذي يتبنى فكرة أن جميع النساء المسلمات مضطهدات ويلبسن الحجاب دون رغبة منهن، وأنهن بحاجة إلى المساعدة لمواجهة السلطة الذكوريّة.
ولا يخفى على أحد أنّ فرنسا على المستوى الرسميّ لا تطيق شيئاً اسمه الإسلام حتى و إنْ سمحت ببناء المساجد، حيث إنّ حكومة باريس لا تحترم قيم الإسلام التي يمارسها مواطنوها المسلمون كقيمة الحجاب و قيمة وجود الله، بيد أنّها لا تعترض على القيم اليهوديّة، وقد أوضحت صحيفة الإندبندنت أنّ حملات فرنسا ضد الحجاب بدأت فعلياً في شباط عام 2004، حين أطلقت الجمعية الوطنية الفرنسيّة سلسلة نقاشات لسنّ قانون يهدف إلى حظر الرموز الدينيّة في المدارس، بما في ذلك الحجاب الإسلاميّ والقلنسوة اليهوديّة والصلبان المسيحيّة، وسبقها إلى تلك الخطوة عدد من الولايات الألمانيّة التي حظرت على المعلمات ارتداء الحجاب في أيلول عام 2003.
ولا تكف فرنسا عن حديثها بصريح العبارة عن معاداتها و استفزازها لقيم المسلمين، وتوقد صدور مواطنيها المسلمين أكثر فأكثر، ففي العام 2011، أصبحت فرنسا أول دولة في العالم تحظر على النساء ارتداء أيّ نوع من غطاء الوجه في الأماكن العامة، وأثار حظر النقاب حينذاك كثيراً من علامات الاستفهام حول موقف فرنسا من مواطنيها المسلمين، وأطلقت أحزاب اليمين المتطرف في تلك الفترة - بما في ذلك "الجمهوريون" بقيادة الرئيس السابق "نيكولا ساركوزي" وحزب الجبهة الوطنية بقيادة "مارين لوبانط"، حواراً وطنيّاً يتمحور حول وضع المسلمين في فرنسا، وفي العام 2014، صادقت المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان على القانون الفرنسيّ الخاص بحظر النقاب، مؤكدة أن فرنسا لا تنتهك بذلك القانون خصوصية مواطنيها المسلمين وحريتهم في التعبير والمعتقد، وفي العام 2016، فرضت العديد من المدن الفرنسيّة الساحليّة حظراً على لباس "البوركيني على الشواطئ، وهي بدلة سباحة تغطي كامل الجسم ما عدا الوجه واليدين والقدمين، وهي مطاطية بما يكفي للمساعدة في السباحة، وقد لاقت رواجاً كبيراً لدى مسلمات.
وبما أنّ الدول الغربيّة -وبالأخص فرنسا- لا تكل من التلويح بشعارات الحرية، اعتبرت الصحيفة أنّ المقترح الجديد لحظر ارتداء الحجاب يعدّ حلقة أخرى من هذه السياسات العنصريّة التي تستهدف المسلمين بشكل عام، والمسلمات بشكل خاص، وتسلبهنّ حقوقهن بدعوى احترام قيم الجمهورية الفرنسيّة وغيرها من المبررات التي تهاوت بشدة خلال السنوات الأخيرة حين أصبحت باريس تقود حملات منظمة ضد كل ما له صلة بالإسلام.
وأواخر العام المنصرم، أساء الرئيس الفرنسيّ، إمانويل ماكرون، لأهم رمز إسلاميّ ألا وهو النبي محمد (ص)، وانتفض العالم الإسلاميّ ضد الإهانات الفرنسيّة، فيما ضجّت وسائل التواصل الاجتماعيّ بعبارات التجليل للرسول الأكرم إضافة إلى حملات لمقاطعة المنتجات الفرنسيّة، واتخاذ مواقف عربيّة وإسلاميّة رادعة للهجمة الفرنسيّة العنصريّة ضد الإسلام، وقد لاقت دعوات المقاطعة استجابة كبيرة في الأوساط الإسلاميّة.
خلاصة القول، ووفقاً لما نشرته الصحيفة، فإنّ جزءاً كبيراً من هذه العقليّة الفرنسيّة العنصريّة يعود إلى إرث فرنسا الإمبرياليّ (سعي دولة لتوسيع سلطتها وتأثيرها عبر الاستعمار العسكريّ والثقافيّ والسياسيّ، باستخدام القوة العسكريّة ووسائل أخرى)، حيث احتلت فرنسا العديد من الدول المسلمة في افريقيا والشرق الأوسط خلال القرن العشرين، وعملت على فصل الدين واللغة العربيّة عن الشأن العام، ولم تضمحل تلك العقلية الاستعماريّة بمرور الزمن، بل شكلت جذور "الإسلاموفوبيا" التي تعني كراهية شديدة أو خوفاً من الإسلام، أو عداءاً و تحيزاً ضد المسلمين، التي تميّز توجهات الدولة الفرنسيّة في الفترة الحاليّة.