الوقت- لا يخفى على أحد، حجم الاستهداف الذي يتعرض إليه الفلسطينيون وبالأخص الأطفال الذين يواجهون تحديات كثيرة وخطرة على كافة المستويات، ما يجعل الطفل الفلسطينيّ أمام مغبات كارثيّة لحرمانه من أدنى حقوقه، وتتزامن هذه الأيام مع عيد الطفل الفلسطينيّ الواقع في 5 أبريل/ نيسان، في الوقت الذي يقبع فيه عشرات الأطفال الفلسطينيين في سجون الكيان الصهيونيّ المُجرم، ويعانون من ظروف قاسية، ويتعرضون لشتى أنواع العذاب داخل الزنازين وخارجها.
انتهاكات خطيرة وممنهجة
لم يمضِ شهر واحد على تصريح المندوب الدائم لفلسطين لدى الأمم المتحدة، السفير رياض منصور، الذي أوضح أنّ الكيان الصهيونيّ ينتهك حقوق الأطفال الفلسطينيين بشكل خطير وممنهج ودون عواقب، بما في ذلك هدم المنازل وعنف المستوطنين وإرهابهم والهجمات المتكررة على المدارس، ناهيك عن تأثير ذلك على سلامتهم ورفاههم وصحتهم العقليّة.
وتشير مواقع إخباريّة، إلى أنّ أزقّة شوارع قطاع غزة المحاصر يعِج بالأطفال الذين يبيعون بعض السلع البسيطة في إطار سعيهم لكسب قوت يومهم، من بين مئات الأطفال الذين انضموا للعمالة في سنّ مُبكر جداً، جرّاء الفقر المُدقع، الناتج عن عدوان الكيان الصهيونيّ على الفلسطينيين في أراضيهم، بالإضافة إلى الانقسام الفلسطينيّ الداخليّ، الذي يُعمق المشكلات على كافة المستويات أكثر فأكثر.
وفي هذا الصدد، يتوزع الكثير من الأطفال المتسوّلين، الذين يسألون الناس المال أو الطعام، في غياب شبه تام لحقوقهم في التعليم والعيش الكريم، فيما يعاني آخرون من غياب البنى الأساسيّة للتعليم الإلكترونيّ بعد لجوء الوزارة في غزة إلى التعليم الإلكترونيّ عن بعد منذ العام 2020، في ظل جائحة فيروس كورونا المُستجد، حيث إنّ بعض العائلات عاجزة بحسب شهادات ميدانيّة عن توفير خدمات الإنترنت، وجهاز اللاب توب أو الهاتف المحمول، ما يحرم الكثير من الأطفال من الوصول إلى المواد الدرسيّة ويؤثر بشكل خطير على تحصيلهم.
إضافة إلى ذلك، فإنّ حوالي 34.83 %، من إجمالي عدد الطلاب في المدارس، لم يتمكّنوا من الانضمام للصفوف الافتراضيّة، لأنّ التعليم عن بعد بحسب مُطلعين على الوضع، لم يكفل تكافؤ الفرص كما أنّه لم يحقق المساواة بين الجميع في الحصول على التعليم، لأنّ العائلات في غزة لا تتمكن من توفير متطلبات التعليم الإلكترونيّ، فهي بالكاد توفّر الضروريات الأساسيّة لأبنائها، ويحذر آخرون من إمكانية زيادة معدلات تسرّب الأطفال من المدارس، في ظل هذا الواقع الصعب، الأمر الذي قد يقود الأطفال لممارسة سلوكيات خطيرة، كالتسلل نحو الحدود مع الأراضي التي يحتلها الكيان الصهيونيّ الغاشم، حيث إنّ ما نسبته 71.4 %، من الأطفال الذين اجتازوا السياج الفاصل بين غزة والأراضي المُحتلة وتم اعتقالهم، هم من المتسرّبين من المدارس، ولم يتابعوا تعليمهم.
وبحسب تقارير إعلاميّة فإنّ قطاع غزة المحاصر من قوات الكيان الصهيونيّ الباغي منذ عام 2006، يأوي أكثر من مليونيّ فلسطيني، يعانون أوضاعاً اقتصاديّة ومعيشيّة مترديّة جداً، ووفقاً لإحصائيّة نشرها "الجهاز المركزيّ للإحصاء الفلسطينيّ" عام 2020، فإنّ ما يقارب نصف المجتمع الفلسطينيّ في غزة والضفة الغربيّة، هم من الأطفال الذين تبلغ أعمارهم أقل من 18 عاماً.
وعلى هذا الأساس، يواجّه الطفل الفلسطينيّ تحديات كثيرة في مختلف المجالات، الأمر الذي يقلل أكثر فأكثر من فرص حصوله على حقوقه الأساسيّة، ويقول محللون أنّ الكيان الصهيونيّ هو المسؤول الأول والأبرز عن تقويض فرص حصول الطفل الفلسطينيّ على حقوقه، خاصة فيما يتعلق بالتنقّل، والعلاج، والحياة، حيث إنّ الانتهاكات الإسرائيليّة الخطيرة تتصاعد يوماً بعد آخر بحق الأطفال سواء بغزة أو بالضفة الغربيّة، وذلك من خلال حملات الاعتقال، أو الإصابة، أو توجيه الأذى النفسيّ، أو منع الحركة.
ويؤكّد باحثون في مجال حقوق الإنسان أنّ حرمان الأطفال الفلسطينيين من حقّهم في التنقل خاصة المرضى، في سياق التحويلات الطبيّة اللازمة لانتقالهم من مدينة غزة إلى مستشفيات الضفة أو الأراضي المحتلة، للحصول على العلاج اللازم، يتسبب أحياناً في حرمانهم من العلاج اللازم بالموت، في ظل الانقسام الفلسطينيّ الداخليّ الذي ساهم أيضاً في تقليص مساحات الخدمات والحريّة التي يجب أن تُتاح للأطفال، ما يعيق تنفيذ اتفاقيّة حقوق الطفل ومنحه كامل حقوقه، التي نص عليها القانون الدوليّ.
حملة مسعورة
يستمر الكيان الصهيونيّ العنصريّ بحملته المسعورة ضد الفلسطينيين وأطفالهم، حيث قتل العدو الإرهابيّ طفلين في غزة خلال عام 2020 وحده، وأصاب 16 آخرين، واعتقلت قواته الباغية 7 أطفال قرب حدود القطاع، ناهيك عن 140 طفلاً يقبعون في السجون الإسرائيليّة، بينهم اثنان تم اعتقالهم إداريّاً بدون أيّ محاكمة، ويواجهون أوضاعاً قاسيّة، في "جريمة إنسانيّة" يندى لها الجبين بحق الطفل الفلسطينيّ، رغم أنّ القانون الدوليّ لحقوق الإنسان يمنع ذلك، ما يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدوليّ وحقوق الإنسان والأطفال على وجه التحديد.
وعلى ما يبدو فإنّ المجتمع الدوليّ شريك أساس في الحرب على الطفولة الفلسطينيّة، والدليل هو عدم وجود أيّ استجابة للرسائل المتطابقة الثلاث التي بعثها المندوب الدائم لفلسطين لدى الأمم المتحدة، السفير رياض منصور قبل أسابيع، إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن للشهر الماضي (الولايات المتحدة)، ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، حول انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيونيّ المُعتدي، من خلال القوة القائمة بالاحتلال، ضد الشعب الفلسطينيّ الأعزل.
وفي هذا الخصوص، لم تلق دعوة منصور إلى التحرك لوقف هذه الانتهاكات التي تسبب صدمة يومية للأسر الفلسطينيّة وتعمل على تمزيق آفاق الحل السلميّ، أيّ آذان صاغية، رغم قيام الكيان الصهيونيّ بهدم منازل الفلسطينيين، ما أدى إلى تدمير أو مصادرة أو هدم قسريّ لما يقرب من 227 مبنى، بما في ذلك 93 مبنى ممول من قبل المانحين، ما أدى إلى تشريد 367 فلسطينياً، بما في ذلك حوالي 200 طفل، وذلك في الأسابيع السبعة الأولى من عام 2021، إضافة إلى وجود ما لا يقل عن 53 مدرسة مهددة بالهدم.
وأشار المسؤول الفلسطينيّ حينها إلى أنّ محاولات الكيان تبرير تدميره لـ "خربة حمصة البقاع" ومناطق أخرى بذرائع فارغة بهدف ترسيخ احتلاله، وحذر من قيام تل أبيب بتكثيف سياسات الهدم، نظراً لسعيها لسلب المزيد من الأراضي الفلسطينية والقضاء على سكانها لتسهيل توسعها الاستيطانيّ غير القانونيّ المستمر، بينما يزعم الكيان المنافق أنّه علّق "خطط الضم" المتصاعدة بلا هوادة وبعلم المجتمع الدوليّ الكامل، دون أيّة عواقب، في الوقت الذي قامت فيه عدة دول عربيّة (الإمارات، البحرين، السودان، المغرب) بتطبيع علاقاتها مع الصهاينة وادعوا حينها أنّ ذلك سيصب في مصلحة الفلسطينيين، لكن وكما كان متوقع فإنّ ذلك عزز من سطوة المحتل الجائر وشكّل خنجراً مسموماً في ظهر فلسطين.
وقد ملّ الفلسطينيون من مناشدة المجتمع الدوليّ المتآمر على بلدهم، وبفضل الدعم الأمريكيّ المُطْلق، يُغيب الكيان الصهيونيّ القاتل، القرارات الدوليّة بفرضه سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين واستباحته للدم الفلسطينيّ والعربيّ وخرقه الفاضح لكل القوانيّن والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان، إضافة إلى مخطط الضم الذي يشكّل امتداداً لعمليّة التوسع على حساب الأرض والحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ الأعزل، في إصرار واضح من حكومة العدو على قتل آخر رمق للسلام الذي يتحدث عنه البعض وبالأخص الولايات المتحدة التي أدخلت العديد من الدول الخليجيّة والعربيّة في حظيرة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ.
وقد شدّد المندوب الفلسطينيّ الشهر الماضي، على أنّ تركيز المجتمع الدولي طاقاته وموارده الهائلة على قضية فلسطين منذ تأسيس الأمم المتحدة في 24 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1945، من دون اتخاذ تدابير ذات مصداقية من أجل إنهاء إفلات الكيان الصهيوني المنهجي من العقاب وحل الصراع بشكل عادل، الأمر الذي شجع تل أبيب وسمح لها بترسيخ احتلالها وإلحاق ضرر كبير بحل الدولتين، مع تهربها من المساءلة عن انتهاكاتها وجرائمها، مؤكّداً أنّ مسؤوليّة المجتمع الدوليّ بما في ذلك مجلس الأمن بهذا الخصوص واضحة للغاية.
يُذكر أنّ الولايات المتحدة تشكل رأس الحربة في انتهاك الكيان الغاصب للقرارات الدوليّة، بسبب التزام الإدارة الديمقراطيّة بتسليح كيان الاحتلال الصهيونيّ والدفاع عنه، دون أن توفر للفلسطينيين والعرب أيّ تغيير يذكر في هذا الشأن، ما يعرقل إحداث أيّ تغيير جوهريّ في هذه القضيّة، إلا عندما تحترم واشنطن القانون الدوليّ، وهذا لن يحث أبداً بالنظر إلى منطق أمريكا، الذي تخلى عن الشرعيّة الدوليّة وحقوق الشعوب باعتبارها مسائل غير هامة مقارنة بأمن العدو الصهيونيّ.
ومن المعروف أنّ الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، اعترف بالقدس عاصمة موحدة للكيان الغاصب في 6 ديسمبر/ كانون أول عام 2017، فيما أعلنت إدارته قطع كل المساعدات لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في 3 آب من العام 2018، بعد أن كانت على مدى سنوات طويلة المانح الأكبر للوكالة، وقد حصلت تل أبيب، وفق ما تقوله المعطيات، على دعم كبير من ترامب خلال 4 سنوات، من ضمنها مكاسب سياسية عديدة على حساب العرب والفلسطينيين تفوق ما حصلت عليه من أيّ رئيس آخر في تاريخ أمريكا، حيث أعلن ترامب في 28 يناير/ كانون الثاني عام 2020، ما تعرف بـ"صفقة القرن"، وهي خطة أمريكيّة لتسوية سياسيّة تتضمن تصفية القضية الفلسطينيّة.
طفولة على المذابح
“الطفولة على مذابح المعتقلات” عنوان دراسة أصدرتها "هيئة الأسرى"، ويجسد الواقع الذي يعيشه أطفال فلسطين، كما غيرهم من الأطفال الذين يدفعون الثمن الأكبر في أوقات الحروب ومناطق النزاع، موضحة أنّه بالرغم من المسؤولية القانونيّة للكيان الصهيونيّ عن حقوق الإنسان الفلسطينيّ عامة والطفل الفلسطينيّ خاصة، بما أقره المجتمع الدوليّ عليه بصفته دولة احتلال في أكثر من 27 اتفاقيّة، إلا أنه لم يؤد مسؤوليته بل ولم يتوقف يوماً واحداً عن إلحاق أكبر أذى جسديّ ونفسيّ بالأطفال الفلسطينيين بالذات الأسرى منهم، ولم يخصص لهم معاملة قانونيّة حقوقيّة تتوافق مع تصنيف أعمارهم.
وفي تشبيه دقيق لما يعانيه أطفال فلسطين هذه الأيام، كتبت المحامية عرين بدوان “أن تكون طفلا أسيراً لدى قوات الاحتلال الصهيونيّ، كأن تكون عوداً غضاً في قلب العاصفة، صفعات متتالية وانتهاكات لا تتوقف لأبسط حقوقك، حين يسكن الأطفال الزنازين وتصادر أبسط حقوقهم، ويدفعون ضريبة، لا ذنب لهم بها، من بواكير أعمارهم، ومن ذروة صحة أجسادهم، وتوّقد عقولهم، وتألق معنوياتهم، فلا يخرج أحدهم إلا وقد أصيب سوءاً في كل ما سبق".
وتشير الدراسة إلى أنّ حكايات أطفال الأسرى تتوزع بين احتجاز غير قانونيّ دون محاكمات عادلة، ودون ملفات قانونيّة تحمل لوائح اتهام، من خلال ما يعرف بالاعتقال الإداريّ، أو بين محاكمات صوريّة تستند ملفات الاتهام فيها إلى اعترافات منتزعة تحت التعذيب، أو بين أسلوب الحبس المنزليّ الذي يحمل من الأذى النفسيّ والمعنويّ كماً هائلاً على الأطفال وذويهم، حيث يتحول فيه الأب والأم إلى سجانين لأطفالهم، ولا يستطيع الأطفال تفهم هذه الحالة في كثير من الأحيان مما له أثر كبير في الصحة النفسيّة لهؤلاء الأطفال.
وفي ظل اختلاف صور الاحتجاز والاعتقال وحكاياته، يسعى الكيان الصهيونيّ إلى تحقيق أكبر ضرر نفسيّ وذهنيّ وجسديّ للأطفال الأسرى، عبر احتجازهم في أماكن تفتقر إلى الحد الأدنى مما تتطلبه حاجات القاصرين، في مساحات ضيقة، مكتظة، قذرة، مترافقة مع إهمال طبيّ متعمد لحاجاتهم، أو عبر وضعهم مع سجناء جنائيين وما يشكله ذلك كله من خطورة عاليّة على حياة الأطفال وصحتهم الجسديّة والنفسيّة.
وتشدد دراسة هيئة شؤون الأسرى والمحررين على ضرورة ألا يكون هؤلاء الأطفال أرقاماً عابرة في السجلات أو أسماء مجهولة في القوائم، وتؤكد أنّ لكل منهم حكاية ألم ومعاناة، خاصة عقب انتشار كورونا، الذي أعطى الكيان الغاصب غطاءاً للتستر على جرائمه والتمادي فيها، رغم النداءات التي أطلقتها المؤسسات الحقوقيّة من أجل إطلاق سراح الأطفال.
وقد واصلت سلطات العدو اعتقال الأطفال واستخدمت الوباء أداة للتنكيل بحقّهم، والضغط عليهم وترهيبهم، حيث يواجه الأطفال الأسرى ذات الإجراءات التي يتعرض لها الأسرى الكبار، من ناحية عدم توفر أقسام اعتقالهم للإجراءات الوقائيةّ اللازمة، حيث تعرضوا لعزل مضاعف كما كل الأسرى، وحرموا من زيارة العائلة والمحامين، لا سيما في الفترة الأولى من انتشار الفيروس، الأمر الذي تسبب لهم بأزمات وضغوط شديدة في المعتقلات.
وما ينبغي ذكره أنّ غالبية الأطفال الأسرى لا يزالون محرومين منذ عدة شهور من رؤية عائلاتهم بذريعة الوباء، وترفض إدارة السجون السماح للأطفال بالتواصل مع عائلاتهم عبر إجراء مكالمات هاتفية رغم مطالباتهم المتكررة، فيما لم يستثنوا من عمليات التصنيف التي يفرضها العدو الذي يُطبق القانون العسكريّ بحقّ الأطفال في الضفة، فيما يُطبق إجراءاته الاستثنائيّة في القانون المدنيّ الصهيونيّ على أطفال القدس، كجزء من سياسات التصنيف التي يحاول فرضها على الفلسطينيين، حيث إنّه لا يتوانى عن اعتقالهم إداريّاً، بزعم وجود “ملف سرّيّ".
في الختام، لا بد من التذكير ببيان وزارة الخارجيّة الفلسطينيّة الذي شدّد على حق الشعب الفلسطينيّ والأطفال في العيش بأمان وسلام أسوة بأطفال العالم، خاصة أنّ الطفل الفلسطينيّ لم يكن بمعزل عن الانتهاكات التي تمارسها سلطات العدو، بل كان في مقدمة من يستهدفهم عمداً، وقال البيان أنّ سلطات الاحتلال الصهيونيّ تفتقر إلى الحد الأدنى من معايير الإنسانيّة واحترام القانون الدوليّ، ولا تراعي أبداً حقوق الطفل في انتهاكاتها المتواصلة.