الوقت- تشهد فرنسا منذ أشهر، حملة عداء واسعة ضد الإسلام والمسلمين، على جميع الأصعدة السياسية و الاعلامية، حيث قامت السلطات الفرنسية بإغلاق العديد من الجمعيات والمؤسسات الإسلامية مؤخرا فقد شملَ الإغلاق حتى الآن 328 مسجداً ومدرسة. وكان البروفسور الفرنسي أوليفييه لو كورغراندمايسون أستاذ العلوم السياسية بجامعة "إيفري فال ديسون" الفرنسية، قد صرح مؤخراً بأن عداء بلاده للإسلام مرتبط بماضيها الاستعماري، حيث لا يمكن فهم موقف باريس المعادي للإسلام اليوم دون فهم هذا الماضي.
التصعيد الفرنسي ضد الاسلام والمسلمين
عندما يخرج وزير الخارجية الفرنسي (جان إيف لودريان) بتصريحات معادية للإسلام تؤدي إلى مزيد من الاضطهاد والاتهامات للمسلمين. فمن الطبيعي حينها أن تفرد وسائل الإعلام الفرنسية مساحة في برامجها لمعاداة الإسلام بنفس مساحة تغطيتها لمشكلة عالمية كبيرة مثل جائحة كورونا، حيث سيجد الصحفيون المعادون للإسلام أن لديهم الحق في قول ما هو أكثر من ذلك دون رادع.
ليس ذلك فحسب حيث إن تصريحات المسؤولين في الاليزيه ليست الأولى من نوعها و لن تكون الأخيرة فتصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون و دعمه لمجلة شارلي ايبدو و صورها الكاريكاتيرية لن ينقطع يوماً، حيث إن سياسة ساكن الايليزيه تكشفت منذ صعوده للسلطة و كانت من أكثر التصريحات التي تهدف لزيادة العداء تجاه المسلمين تلك التي في شباط 2018 عندما قال" إن جزءاً من المجتمع يرغب في استحداث مشروع سياسي باسم الاسلام" مستخدمًا في غير مناسبة مصطلح "المجتمع المضاد"، وهي بطبيعة الحال امتداد لسياسة سابقيه مثل نيكولا ساركوزي وغيره التي تستهدف المسلمين بشكل مباشر.
وكانت الجمعية الوطنية الفرنسية فی فبرایر الماضي قد صوتت لمصلحة مشروع قانون مكافحة “الانفصالية”، الذي يستهدف المسلمين علی الخصوص، كما يراه كثيرون. وبموجب مشروع القانون هذا الذي أعدته حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، سيتم تعزيز الرقابة على الجمعيات الاسلامية و مصادر تمويل أنشطتها الدينية. في محاولة لتجديد الادعاءات التي تقول إن الاسلام يشكل تهديداً في فرنسا و كل ذلك ينصب في سعي ماكرون و حلفائه لتبرير موقفهم المعادي للاسلام على الرغم من أن هذا القانون يشكل انتهاكاً واضحاً للحقوق و الحريات الأساسية للمسلمين بإجماع من المجتمع الدولي. من الجدير بالذكر أن مسلمي فرنسا يقدر عددهم بستة ملايين تقريبا.
الأمر المثير للقلق أن الطرح الذي يروج إليه إيمانويل ماكرون المتمثل في "النزعة الانفصالية الإسلامية"، والذي يعتبر مزاعم لم تقدر "دولة الحريات" على إثباتها إلى الحد الآن عبر أدلة حقيقية، يحمل خلطًا مريبًا وغير بريء يُساوي فيه الإيليزيه بين الإسلام كدين سماوي وبين تنظيمات جهادية ونزعات انكفائية لم تلق القبول في أي مجتمع أو دين في جميع أنحاء العالم. فالمراكز الرسمية الإسلامية كلها تتبنى خطاباً مسالماً ومعتدلاً، لا علاقة له بالتطرف أو الإرهاب؛ بل تنبذه وتشجبه، كما أن المتطرفين لا علاقة لهم بالمراكز الإسلامية الرسمية والمساجد، بل تجدهم الدولة دائماً أشخاصاً ذوي ماض مرتبط بالمخدرات والتشرد.
من ناحية أخرى يُعد الانسداد الاقتصادي والأمني وضيق الآفاق الإستراتيجية المستقبلية لباريس، من أهم الأسباب التي تدفع الساسة الفرنسيين لاستعمال شماعة الإسلام والتهديدات، وخاصة في معركة كسر العظام التي تخوضها باريس مع تركيا على أكثر من ساحة بدءًا من الملف الليبي إلى سوريا ومؤخرًا قضية الأرمن وأذربيجان وصولًا إلى غاز المتوسط. وهو أمر أفصح عنه عالم الاجتماع الفرنسي فنسون جيسير صراحة بقوله: "اليوم، المسلم هو كبش الفداء لإخفاء إخفاقات الديمقراطية الغربية، المسلم ليس هو الضحية المذنب، وإنما هو الضحية الذي من الممكن التضحية به لتبرير مشاكل أوروبا الاقتصادية والاجتماعية"
العداء الفرنسي للمسلمين عبر التاريخ
لا يمكن لأحد أن يدرك الموقف الفرنسي المتشدد تجاه الاسلام دون قراءة لماضيها الاستعماري المتأصل. و يتضح ذلك جلياً في الغزو الفرنسي للجزائر الذي كان هدفه الأصلي القضاء على الدين الاسلامي و سلب أموال المسلمين و أرواحهم، فإلى جانب المليون شهيد الذين سقطوا بآلة الحرب الفرنسية عمل المستعمر الفرنسي على تحويل المساجد إلى كنائس و كاتدرائيات بهدف طمس الهوية الاسلامية في البلاد.
القرآن أقوى من فرنسا
كان الرئيس الفرنسي «ماكرون» قد عاش صدمة قوية العام المنصرم عندما كان منتشياً باستقبال الرهينة الفرنسية التي كانت مختطفة في مالي، باعتبار أنه تم تحرير آخر رهينة فرنسية في العالم من يد مختطفيها. حيث عمل ماكرون على تحرير 200 شخص في مالي و دفع دية مالية كبيرة لجماعة جهادية تنشط في شمال مالي ولكنه تلقى صفعة قوية عندما قالت الرهينة المحررة إنها أسلمت وأصبح اسمها «مريم» ما دفع ماكرون لمغادرة المطار غاضباً ملغياً خطاباً كان قد حضره لإلقائه أمام الرهينة المحررة قبل إعلان إسلامها في وجهه، وأمام مختلف وسائل الإعلام الغربية والفرنسية، الذين تجمدوا مما كان يحدث في مطار باريس، وهم الذين واصلوا شحذ أقلامهم ضد الإسلام والمسلمين على مدى أربع سنوات. ولكن هذا ليس إلا بتاريخ يعيد نفسه حيث عاشت فرنسا فيما سبق صدمة أخرى من هذا النوع عندما قامت السلطات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر باختيار عشر فتيات جزائريات مسلمات و ألحقتهم بالمدارس الباريسية وعملت على تلقينهم الثقافة الفرنسية و قامت بإلباسهم اللباس الفرنسي و بعد مرور أكثر من عشر سنوات من العمل الدؤوب على طمس هوية تلك الفتيات الجزائريات التي تم اختيارهن بعناية و بث الفكر الفرنسي بعقولهن قامت الدولة الفرنسية عام 1930 بإعداد حفلة تخرج لهن و كان يحضر الحفل العديد من المسؤولون و الشخصيات الفرنسية المهمة بالإضافة للعديد من الصحفيين و وكالات الأنباء آنذاك. ولكن كانت المفاجأة عندما بدأ الحفل و وطُلب من الطالبات الخروج أمام الحضور، ولكن الفتيات الجزائريات قمن بارتداء اللباس الجزائري التقليدي حفاظاً على الموروث الجزائري الاسلامي. وكان ذلك بمثابة بركان ثار في وجه الصحافة الفرنسية التي وجهت سؤالاً لوزير المستعمرات الفرنسي "لاكوست": ماذا كانت تفعل فرنسا في الجزائر طيلة مائة و عشرون عاماً من الاستعمار؟
كان جواب وزير المستعمرات الفرنسي حينها: و ماذا عساي أن أفعل، إن كان القران أقوى من فرنسا !
و سيبقى القرآن و الإسلام أقوى من كل محاولات التشويه و التضليل و سيجبر كل قوى العالم المستبدة على قول تلك العبارة التي قالها "لاكوست" ولكن هل يأخذ ماكرون و أمثاله العبرة مما قاله التاريخ أم إنهم سيظلون يحاولون تشويه الاسلام و العبث في حرية الأديان و الاعتداء على الشعائر الدينية ؟؟