الوقت- تظهر تصريحات بعض المسؤولين السياسيين والأمنيين الأتراك، أن أنقرة والقاهرة تقتربان من تطبيع العلاقات الثنائية، ومن المرجح أن نشهد في الأيام والأسابيع القادمة توقيع اتفاقية جديدة بين الدولتين الإسلاميتين.
كما يتضح، أن هذه المرة أيضًا الشخصيات الأمنية والدفاعية هي التي بدأت المفاوضات الجديدة، ومن المثير للاهتمام ملاحظة أنه تم إحراز تقدم أولي في مجالٍ لم يكن بهذه الأهمية من قبل.
وهذا يعني أن نهج مصر تجاه شرق البحر المتوسط كان من النوع الذي أخذ في الاعتبار حساسيات الجرف القاري لتركيا، ما أدى إلى ارتياح أنقرة.
تركيا ومصر هما الدولتان اللتان لديهما أطول خط ساحلي في شرق البحر الأبيض المتوسط، وإضافة إلى خلفيتهما التاريخية، فإن الوضع الجيوسياسي الخاص للبلدين يؤثر في موازين الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط وإفريقيا.
ونتيجةً لذلك، فإن انتهاء التوترات بين مصر وتركيا سيؤثر في توازنات شرق المتوسط، إضافة إلى قضايا أخری مثل کيفية علاقة أردوغان بالتيارات الإخوانية.
المبادرة بيد العسكريين
تظهر الأدلة الإعلامية أن من يدير المحادثات الحالية بين القاهرة وأنقرة هم رجال الجيش والأمن، وليس السفراء أو وزراء الخارجية. وقبل أيام قليلة، اکتفی وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" بالقول: "نظرًا للتطورات في علاقاتنا مع مصر، يمكننا توقيع اتفاقية حول الأراضي البحرية مع هذا البلد، مصر تحترم الجرف القاري لبلدنا ونحن نرحب بهذا الأمر".
وبعد جاويش أوغلو، كان وزير الدفاع التركي "خلوصي أكار" هو ثاني عضو في فريق أردوغان يعلق على المرحلة الجديدة من محادثات أنقرة والقاهرة.
حيث قال إن "التخطيط والعمل المصري للتنقيب عن الهيدروكربون بشرق البحر المتوسط واحترام مصر للجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة لتركيا خطوة مهمة. نأمل أن تستمر مثل هذه الأعمال. لدينا قيم تاريخية وثقافية مشتركة مع مصر، ومن المرجح أن تشهد هذه القيم تطورات مختلفة في الأيام المقبلة. وزارة خارجية بلادنا وبالتنسيق مع المؤسسات والمنظمات والوزارات ذات الصلة، تواصل العمل اللازم. هذه الدراسات والاستشارات مستمرة ونتوقع ان تسفر عن نتائج ايجابية".
ولكن لماذا خلوصي أكار؟ ألم يكن من المتوقع أن يكون للجهاز الدبلوماسي التركي ووزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، القول الفصل في هذا الأمر؟ رداً على ذلك، يجب ذكر عدة أسباب مهمة کما يلي:
1. يتمتع خلوصي أكار بمكانة خاصة في الدائرة الأولى لفريق أردوغان، والعديد من الملفات الدبلوماسية والدفاعية المهمة في حوزته.
2. بالنظر إلى الطابع العسكري لشخصية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ودوره الذي لا يمكن إنكاره ودور جهاز المخابرات المصرية، فمن الطبيعي أن يلعب خلوصي أکار وزير الدفاع و"حقان فيدان" رئيس جهاز المخابرات التركي دورًا أكثر بروزًا في هذا المجال.
3. بما أن مصر قد خطت الخطوة الأولى في البحر، ولوَّحت بالتفاعل في مكان يعدّ مجال عمل قادة البحرية التركية، فستكون المرحلة الأولى من هذه المحادثات بيد العسكريين، وإذا وصلوا إلى نتائج أولية، سيأتي بعدها دور جاويش أوغلو ونظيره المصري "سامح شكري".
وفي هذا الصدد، قال الدكتور "إيلهان ساغسن" الأكاديمي والمحلل التركي: إن "تحرك مصر في شرق البحر المتوسط كان حكيماً للغاية. في الحقيقة، الاتفاقية البحرية بين أثينا والقاهرة كانت خدعةً، وقد استطاع اليونانيون خداع مصر. ومن مصلحة مصر أن تكون لها علاقات طيبة مع تركيا في هذه المنطقة، وأن نكون في تفاعل وحوار دائمين في شرق البحر المتوسط".
والقضية الإقليمية الأخرى هي أن جامعة الدول العربية، متأثرةً بمطالب مصر والسعودية والإمارات، قد اتخذت موقفًا ضد تركيا ودعت إلى انسحاب القوات التركية من العراق وسوريا وليبيا.
لكن إذا توصلت مصر وتركيا إلى اتفاق، فإن العلاقة بين أنقرة والرياض وأبو ظبي قد تتغير تدريجياً، ونتيجةً لذلك فإن جامعة الدول العربية سوف تصمت عملياً حيال تركيا.
مقاربات السيسي الجديدة
يرتبط جزء من المحادثات الجديدة بين القاهرة وأنقرة ارتباطًا مباشرًا بقرارات مصر الخارجية الرئيسة، وهذا ليس من اهتمامات الحكومة فحسب، بل هو أيضًا قضية مهمة للمثقفين والناشطين السياسيين المصريين.
قبل أيام قليلة فقط، اقترح "محمد البرادعي" السياسي والدبلوماسي المصري الشهير، في مقال له، على الأجهزة الدبلوماسية في بلاده، أنه في القرارات والإجراءات السياسية لمصر وجامعة الدول العربية، يجب أن تولي اهتمامًا خاصًا بالعلاقة مع إيران وتركيا، وأن تدرك أن إيران وتركيا قوتان مهمتان في المنطقة والعالم الإسلامي لا يمكن تجاهلهما بسهولة.
الرئيس المصري الفريق عبد الفتاح السيسي مصمم على أن يكون أكثر ديناميكيةً في مجال الدبلوماسية. وفي الخرطوم بالسودان، التقى مؤخرًا نظيره اللواء "عبد الفتاح البرهان" لمناقشة بناء سد النهضة على نهر النيل. هذا في حين أن الوفدين القطري والمصري قد التقيا في الكويت بعد فترة طويلة، وکان تطبيع العلاقات بين القاهرة والدوحة على جدول الأعمال أيضاً.
التغيير في توازنات عبور الطاقة
لطالما احتجَّت القاهرة على نهج تركيا المتحيز تجاه جماعة الإخوان المسلمين المصرية وغيرهم من الإخوانيين في جميع أنحاء العالم، وقد دعا المسؤولون الأمنيون المصريون تركيا إلى إنهاء أنشطة وسائل الإعلام وجمعيات الإخوان المسلمين في تركيا.
لكن الآن، أصبحت الخلافات في عالم الطاقة مهمةً للغاية، لدرجة أنها طغت على قضية المقاربات المختلفة تجاه الإخوان المسلمين وفلسطين.
فإذا توصلت تركيا ومصر إلى اتفاق في هذا المجال، فمن المتوقع حدوث تطورات جديدة فيما يتعلق بتصدير الغاز الإسرائيلي والمصري إلى أوروبا، وأن يرکز هذان اللاعبان على تركيا بدلاً من قبرص واليونان، وإضافة إلى ذلك من المرجح أن تنضم تركيا إلى منتدى غاز شرق المتوسط.
وفي الختام، يجب القول إن التغييرات الجديدة في العلاقات بين أنقرة والقاهرة قد تؤدي إلى سلسلة من التطورات الإقليمية الجديدة على المدى المتوسط. ونتيجةً لذلك، يمكن أن تكون الإدارة السليمة للمفاوضات مثمرةً.
لكن في غضون ذلك، ثمة عوامل مهمة في هذه المفاوضات خارجة عن إرادة الطرفين، وبعض الجهات الفاعلة مثل الکيان الصهيوني والسعودية واليونان والولايات المتحدة وأوروبا لديها الإمکانية للتأثير على عملية التفاوض.