الوقت- لم يأت رئيس أمريكي واحد لم يدعم الصهيونية، كيف لا وامريكا هي الحامي الأول والأخير لهذه الحركة الاستعمارية، والأمر غير مرتبط بشخص الرئيس، فهو مرتبط بالمؤسسات الأمريكية الداعم الأول للصهيونية، وبالتالي ما يدعونه هؤلاء الرؤساء من ديمقراطيين وجمهورين فيما يخص دعمهم لحرية التعبير هو محض افتراء.
الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، وقبل وصوله للحكم، تعهد بحماية حرية التعبير في ما يتعلق بالمقاطعة الاقتصادية لإسرائيل. والآن، هل سيحقق ما قاله، أم كان الأمر مجرد "دعاية انتخابية" وحديث غير مجد عن "حرية التعبير". وهل سيتراجع بايدن عن جهود إدارة ترامب لفرض عقوبات على المنظمات التي تناهض التجارة مع إسرائيل أو مستوطناتها غير الشرعية؟.
مؤخراً حضت منظمة "هيومان رايتس ووتش" بايدن إلى "الدفاع عن حقوق حرية التعبير" في الولايات المتحدة، بما في ذلك الحق في المشاركة في حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) التي يقودها الفلسطينيون.
وحملة BDS هي مبادرة غير عنيفة تشجّع الأفراد والدول والمنظمات على إدانة انتهاكات "إسرائيل" المستمرة للقانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان من خلال المقاطعات المختلفة.
وخلال السنوات الأربع الأخيرة، قلبت إدارة ترامب السياسة العالمية فيما يخص القضية الإسرائيلية-الفلسطينية. وفي 19 تشرين الثاني2020 ، أصبح مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي الأول الذي يزور مستوطنة إسرائيلية بصفة رسمية، بعد عام من إعلانه أن المستوطنات في الضفة الغربية لا تنتهك القانون الدولي. في اليوم نفسه، تعهد بأن يعدّ قائمة بالمنظمات غير الحكومية التي تدعم مقاطعة إسرائيل ويقطع التمويل عنها – هذا الدعم يجعل منها، برأي إدارة ترامب، معادية للسامية.
لم يُصدر بومبيو هذه القائمة لأسباب غير معروفة. لكن تولي جو بايدن الرئاسة ليس من المتوقَّع أن ينهي المساعي الحكومية لشيطنة "حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها" (حركة المقاطعة)، بطرق منها ما يهدد حرية التعبير. تدعو حركة المقاطعة إلى مقاطعة إسرائيل سلميا حتى تنهي احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة، وتمنح المواطنين الفلسطينيين حقوقا متساوية، وتسمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين.
لم يوصم بومبيو حركة المقاطعة بأنها بطبيعتها معادية للسامية فحسب، إنما جمع معها مجموعات دولية تعتمد القانون الدولي لتحفيز الشركات على قطع علاقاتها مع المستوطنات في الضفة الغربية، وهي غير قانونية بموجب "اتفاقية جنيف الرابعة".
"هيومن رايتس ووتش" إحدى هذه المجموعات. وهي لا تتخذ موقفا مع مقاطعة إسرائيل أو ضدها، لكنها تحثّ الشركات، تماشيا مع مسؤولياتها المتعلقة بحقوق الإنسان، أن تبتعد عن المستوطنات تجنّبا للانتهاكات الحقوقية المؤكَّدة بسبب تعقيدات المستوطنات.
دأبت الهيئات التشريعية في الولايات، قبل تولّي ترامب منصبه بمدة طويلة، على سنّ قوانين تحظر تعاقد الدولة مع شركات أو أفراد يدعمون مقاطعة إسرائيل. طبّقتها 25 ولاية على الأقل حتى الآن؛ غالبيتها تجرم حتّى الجهات التي تقاطع المستوطنات فقط. وقد أوشك "الكونغرس" الاتحادي على إقرار قوانين تعاقب الشركات والمجموعات غير الربحية التي تقاطع إسرائيل أو مجرد المستوطنات.
بايدن، عندما كان مرشحا، ندد بحركة المقاطعة لأنها "تستفرد إسرائيل" و"تنزع الشرعية" عنها، لكنه لم يوصفها بأنها بطبيعتها معادية للسامية.
تعهد بعض المسؤولين الذين اختارهم بايدن في حكومته بمكافحة حركة المقاطعة، إذ أعلنت السفيرة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، بشكل مقلق، أنّ الحركة "لامست معاداة السامية". لكن وزير الخارجية أنطوني بلينكن، الذي جاهر خلال جلسة تعيينه بمناهضته حركة المقاطعة، في السياق نفسه، أضاف، "نحن نحترم تماما، وسنحترم دائما، التعديل الدستوري الأول الذي يعطي الأمريكيين الحق بقول ما يعتقدون ويفكرون".
على بايدن أيضا الدفاع عن حرية التعبير، التي تتضمن الحق بالدعوة إلى المقاطعة السلمية، حتى لو كان مناهضا لحركة المقاطعة. كما عليه التصدي للقوانين التي تجرم الشركات الساعية إلى النأي بنفسها عن انتهاكات حقوق الإنسان المتأصلة في المستوطنات الإسرائيلية. وينبغي أن ينبذ، علنا، إرث ترامب المتمثل بالوصف الزائف لأي انتقاد لإسرائيل بأنه معاداة للسامية.
لكن بايدن داعمٌ قوي لإسرائيل، ويشير إلى نفسه بأنه صهيوني. وقد قاوم من قبلُ دعواتٍ لفرض شروط متعلقة بحقوق الإنسان على الدعم الموجه لإسرائيل، وتعهد بأن تبقى المساعدات تتدفق إليها بغض النظر عما تفعله، يقول موقع Middle East Eye البريطاني.
وأي تحرك للتراجع عن سياسات ترامب الموالية لإسرائيل سيواجِه مقاومة على الأرجح، من الجمهوريين ومن أنصار إسرائيل داخل حزب بايدن.
وقال الناشط الحقوق الفلسطيني أحمد أبو زنيد، إن الآراء تتغير في أوساط الديمقراطيين، حيث ترى القاعدة اليسارية المتنامية داخل الحزب تحرير فلسطين قضية من قضايا التقدميين.
لكن بغض النظر عن السياسة، ينبغي لبايدن أن يفعل الأمر الصحيح، وفقاً لأبو زنيد. وقال: "إن كنت تقدم نفسك على أنك نزيه وشريف وأخلاقي ومناصر للمساواة والعدل، فلن أستمع إليك بعد الآن إن تخليت عن هذه القيم عندما يتعلق الأمر بفلسطين".
تجدر الإشارة إلى أن حركة مقاطعة إسرائيل تقول على صفحتها الإلكترونية إنها "حركة فلسطينية المنشأ عالمية الامتداد، تسعى إلى مقاومة الاحتلال والاستعمار- الاستيطاني الإسرائيلي، من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين".
حققت حركة المقاطعة خلال السنوات الماضية العديد من الإنجازات على الصعيد العالمي، وهو ما دفع "إسرائيل" إلى إصدار قوانين تمنع نشطاء الحركة من الدخول إليها.
إذ إن من إنجازاتها خلال العام الماضي دعم أكثر من 452 منظمة مدنية بالعالم للنداء الفلسطيني الذي يطالب الأمم المتحدة بالتحقيق في الفصل العنصري الإسرائيلي، مؤكدة أن هدفها في العام الحالي "إنهاء نظام الاحتلال والاستعمار- الاستيطاني الإسرائيلي".