الوقت- في أعقاب الأزمة السياسية غير المسبوقة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتزامن الأحداث الأخيرة في أمريكا مع تأجيل محاكمة نتنياهو التي كان ينتظرها ويطالب بها سكان الأراضي المحتلة منذ سنوات، يشعر قادة الكيان الصهيوني بالقلق من وقوع أحداث مماثلة.
بدأت القضية عندما وافق مكتب المدعي العام الإسرائيلي على طلب من فريق محامي نتنياهو لتأجيل جلسة المحكمة يوم الأربعاء، وتأجيلها إلى أجل غير مسمى. هذا في حين أنه قبل يومين فقط، عارضت هيئة القضاة نفسها طلب محامي نتنياهو لتأجيل الجلسة، وقد رفع ذلك آمال معارضي نتنياهو الكثيرين في محاکمته وبالتالي تنحيه عن السلطة في الأراضي المحتلة.
هذه العملية تتطلب من النائب العام مراجعة تحقيق الشرطة ومن ثم إصدار لائحة اتهام ضد رئيس الوزراء، وبعد ذلك يجب على ثلاثة قضاة في محكمة القدس المركزية الاستماع إلى ملف رئيس الوزراء. وأخيراً، سيُجبر رئيس الوزراء على الاستقالة إذا وجدت المحكمة العليا أنه مدان بالتهم الموجهة إليه.
جادل محامو نتنياهو الآن أنه بينما أمضوا 20 يوماً في إعداد لائحة الاتهام، لم يكن أمامهم سوى سبعة أيام لدراستها وإعداد الدفاع، كما قالوا إن الحجر الصحي على نتنياهو وبعض محاميه منعه من تحضير الدفاع.
من ناحية أخرى، تشير التقارير إلى أن شاؤول وإيريس إيلوفيتش، المشتبه بهما الرئيسيين في قضية 4000، طلبا تأجيل المحاكمة. وقالا إن أربعة من محاميهم كانوا في الحجر الصحي.
بماذا يُتهم نتنياهو؟
هناك أربعة مزاعم بالفساد ضد نتنياهو، معروفة بـ 1000 و2000 و3000 و4000. وهو متهم بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة وإساءة استخدام الوظيفة الحکومية.
في قضية 1000، يُشتبه في أن نتنياهو قبل هدايا من السيجار والمجوهرات من المنتج الإسرائيلي "أرنون ميلشان" والممول التجاري "جيمس باكر". تقدَّر قيمة هذه الهدايا بمئات الآلاف من الشواكل (العملة الإسرائيلية). کما أن زوجته "سارة نتنياهو" متهمة أيضاً بطلب مجوهرات من ميلشان بقيمة 2700 دولار.
وفي قضية 2000، أفادت الشرطة عن شرائط تظهر محادثات بين نتنياهو وناشر يديعوت أحرونوت "أرنون موزيس"، لتقدم هذه الوسيلة الإعلامية تغطيةً إخباريةً يوميةً أكثر إيجابيةً من نتنياهو، مقابل استعادة ترتيب يديعوت في وسائل الإعلام الکيان الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن نتنياهو شهد بأنه لم يلعب دوراً في قضية 3000، إلا أن مساعديه المقربين متهمون بالرشوة والاحتيال في عملية شراء غواصات بقيمة ملياري دولار.
وترتبط قضية 4000 أيضاً بعلاقة نتنياهو بـ"شاؤول ألوفيتش" أحد المساهمين في شركة الاتصالات الإسرائيلية العملاقة "بيزك"، والتي تشبه إلى حد بعيد قضية 2000.
قضية بيزك هي أخطر قضية يواجهها نتنياهو. وشهد اثنان من مساعدي نتنياهو المقربين ضده، ويُعتقد أنهما قدَّما أدلةً جنائيةً للشرطة. ووفق وكالة فرانس برس، فقد جمع مكتب المدعي العام أكثر من 300 شاهد.
تقول الشرطة إنها وجدت أدلةً كافيةً على أن المقربين من نتنياهو يقدمون 280 مليون دولار في شكل تسهيلات إلى بيزك، وأن نتنياهو استخدم اتصالاته مع ألوفيتش للحصول على تغطية صحفية على موقع Beza Walla الإخباري الشهير.
حتى عام 2017، كان نتنياهو يسيطر على حقيبة الاتصالات الحكومية ويشرف على اللوائح في هذا المجال. وفقاً لهذا، تم الضغط على مراسلي "والا" الإخباريين السابقين للامتناع عن نقل أخبار سلبية عن نتنياهو.
على سبيل المثال، في 17-19 كانون الثاني (يناير) 2013، أقنع عضو تابع لنتنياهو "ألوفيتش" بنشر مواد إخبارية ضد زوجة "نفتالي بينيت" منافس نتنياهو.
وفي حالة أخرى، بناءً على طلب نتنياهو، أُمر "والا" بالتوقف عن البث المباشر لمسيرات خصوم نتنياهو خلال الحملة الانتخابية لعام 2015. كذلك تزعم هذه الدعاوى أن زوجة نتنياهو أساءت استخدام الأموال الحكومية لنفقتها الخاصة.
وفي قضية تُعرف باسم "أمر طلب الطعام"، قال المدعي العام إنه تم طلب طعاماً بقيمة 100 ألف دولار من 2009 إلى 2013 من مطاعم إسرائيلية فاخرة إلى منزل عائلة زوجة نتنياهو. كما قامت بتعيين طاهٍ خاص بشكل غير قانوني مقابل 10000 دولار، على الرغم من وجود طاهٍ حكومي.
تاريخ الفساد على أعلى مستويات السلطة
من العوامل التي أغضبت سكان الأراضي المحتلة وقلق السلطات الصهيونية من تأجيل محاكمة نتنياهو، هي تاريخ الفساد المنتشر في رأس هرم السلطة في الکيان الإسرائيلي.
يشار في هذا الصدد، أن رئيس الوزراء السابق "إيهود أولمرت" قد استقال في سبتمبر 2008، عقب تحقيق للشرطة أوصى بتوجيه الاتهام إليه بالفساد. وأدين عام 2014 بتلقيه رشى من مطوري العقارات، وحُكم عليه بالسجن 27 شهراً لكنه أمضى 16 شهراً فقط في السجن.
کما أُجبر الرئيس السابق "موشيه كتساب" على الاستقالة في عام 2007 بتهمة اغتصاب اثنتين من الموظفات لديه والتحرش بهما جنسياً، أدين كتساب وحكم عليه في 2011 بالسجن سبع سنوات، لکنه أمضى خمس سنوات في السجن.
وكانت هناك حالات أخرى تم فيها اتهام مسؤولين رفيعي المستوى في الکيان بالرشوة والتهريب وتهم أخرى.
وفقاً لذلك، حذَّر وزير العدل السابق في الحکومة الائتلافية "آفي نيسنكور"، والذي أطاح به غانتس مؤخراً لتركه حزب أزرق أبيض: "الديمقراطية في إسرائيل في وضع أكثر هشاشةً مما هي عليه في أمريكا، ومن المحتمل أن نرى أشياءً أسوأ هنا، أسوأ بكثير من أعمال الشغب".
وأشار إلى أن جهود تقويض الديمقراطية خلال فترة توليه منصب وزير العدل، شملت الضغط على النائب العام والمحكمة العليا، وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق ضد القضاة، ودعوات إلى حصانة رئيس الوزراء من الملاحقة القضائية، قائلاً "إننا في وضع يتم فيه اختبار الهيكل بأكمله".
في الواقع، مع زوال نوافذ الأمل الأخيرة في الإطاحة القانونية بنتنياهو في الکيان الصهيوني، من خلال تأجيل المحاكمة واحتمال فوز حزب الليكود مجدداً في انتخابات مارس، يتجه مشهد التغيير الاجتماعي في الأراضي المحتلة نحو عاصفة حادة.