الوقت- بعد مرور ثلاث سنوات على الأزمة الخليجية والحصار الجائر الذي فرضته السعودية والإمارات وعدد من الدول العربية على دولة قطر، وفشل جميع المحاولات الدبلوماسية والسياسية لحل هذه الأزمة، أعلن وزير الخارجية الكويتي، الشيخ "أحمد ناصر المحمد الصباح"، قبل عدة أسابيع عن إجراء مباحثات مثمرة لحل الأزمة الخليجية، بعد جهود كويتية واقليمية. وقبل عدة أيام أعلنت العاصمة القطرية، أن الشيخ "تميم بن حمد" أمير البلاد سوف يشارك في اجتماع دول مجلس التعاون الخليجية الذي عُقد يوم الثلاثاء الماضي في مدينة العُلا السعودية وهذا الأمر أكد على ذوبان الجليد بين الرياض والدوحة وأن طرفي النزاع وافقا أخيراً على المصالحة وفتح الحدود بين البلدين ورفع الحظر الجوي والبري الذي فرضته السعودية وعدد من الدول العربية على قطر. ولكن رغم تلك المؤشرات الإيجابية، هناك الكثير من الأسباب التي تدعو إلى عدم المبالغة في التفاؤل، وتدفع للنظر إلى التطورات الحالية بقدر أكبر من الحذر. فكما هو معلوم، فإن هذه ليست المرة الأولى التي تنجح فيها جهود الوساطة في إحداث اختراقات محدودة في جدار الأزمة الصلب. وقد وقع أبرز هذه الاختراقات خلال النصف الأخير من العام الماضي 2019 الذي شهد مؤشرات إيجابية غير مسبوقة حول قرب الوصول إلى تفاهم خليجي، في مقدمتها حضور رئيس الوزراء القطري السابق "عبد الله بن ناصر آل ثاني" اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي الطارئ في مكة، في أيار للعام المذكور، لمناقشة المخاوف الأمنية الجماعية لدول الخليج عقب الهجمات على ناقلات النفط وخطوط أنابيب النفط السعودية، في زيارة هي الأولى لمسؤول قطري إلى المملكة منذ بدء الحصار.
وحول هذا السياق، هاجم "حمد العامري" الدبلوماسي البحريني، ووكيل وزارة الخارجية للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون السابق، المصالحة الخليجية في يوم انعقادها، وكال الاتهامات لقطر، زاعما أن الدوحة وكل الأراضي القطرية تتبع لمملكة البحرين تاريخيا. وفي مقال له بصحيفة الأيام البحرينية، تحت عنوان: "إللي في الجدر.. يطلعه الملاس"، تساءل "العامري": "ماذا يجري حولنا؟ إلى أين نسير ونمضي؟ أيعقل أن ما نشهده واقع من انهيار للقيم والعادات والأصول الإسلامية العربية الخليجية الأصيلة؟ هل يمكن أن تُباع روابط التاريخ والأخوة والمستقبل الواحد مقابل المصالح الذاتية؟". وهاجم "العامر" الوجود التركي العسكري على الأراضي القطرية قائلا: "كيف ستتم المصالحة في ظل الوجود العسكري التركي وما هو مستقبل قناة الجزيرة التي قامت بأشرس حملة إعلامية ضد السعودية وضد البحرين والإمارات وضد مصر؟".
وعلى الصعيد نفسه، بعثت قطر قبل عدة أيام برسالة إلى مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة، حول قيام زوارق بحرية عسكرية بحرينية باختراق مياهها الإقليمية، مطالبة الأمم المتحدة باتخاذ ما يلزم بموجب الميثاق لحفظ السلم والأمن الدوليين ووضع حد للانتهاكات البحرينية المغرضة. ونقلت الخارجية القطرية فحوى الرسالة التي وجهتها السفيرة "علياء أحمد بن سيف آل ثاني"، المندوبة الدائمة لدولة قطر لدى الأمم المتحدة، والتي أكدت على أن "دخول الزوارق العسكرية التابعة للبحرين إلى المياه الإقليمية لدولة قطر بشكل غير قانوني وبدون تصريح يشكل انتهاكاً لسيادة دولة قطر وسلامتها الإقليمية وتهديداً لأمنها". وتابعت أن "وقوع هذا الخرق البحري والخرق الجوي للمجال الجوي القطري يوم الأربعاء الموافق ٩ ديسمبر ٢٠٢٠ خلال فترة متقاربة يزيد من حدة التوتر، قائلة إنه: "يدل على استهتار مملكة البحرين بالتزاماتها بموجب القانون الدولي ومحاولة افتعال حوادث من شأنها زعزعة الاستقرار وزيادة التوتر في المنطقة وتهديد السلم والأمن الإقليمي والدولي". وأشارت الرسالة إلى "حكم محكمة العدل الدولية الصادر بشأن الخلاف الحدودي بين دولة قطر والبحرين في عام ٢٠٠١ الذي يتعين الالتزام به وعدم مخالفته"، مؤكدة على أن "قطر تنفذ هذا الحكم وتمارس حقوقها السيادية وفقا لما تضمنه هذا الحكم من حقوق بشأن الحدود الإقليمية".
وهنا يرى العديد من المراقبين، أنه منذ أن بدأ الحديث عن تقدم في ملف المصالحة الخليجية، لم توفر البحرين فرصة في التعبير عن عدم ارتياحها من المضي قدماً في هذا المجال، وهو قلق عبّرت عنه عناوين الصحف والمقالات البحرينية المدعومة من قبل الحكومة البحرينية بشكل مباشر، محذرةً من مصالحة لا تضع في الحسبان مصالح المنامة. ويعتقد اولئك المراقبون أن هذه الاراء ليست أراء الشارع البحريني وإنما أراء النظام الحاكم في مملكة البحرين الذي لا يريد تتم المصالحة الخليجية بين دول المنطقة وفي الحقيقة، إن ما يجري هو سياسة عضّ الأصابع جاءت قبل قمة المصالحة، ولذلك أبعاده التاريخية وسياقات موضوعية لأحداث وقعت خلال السنوات الماضية، ولا يمكن فهم ما يجري الآن من دون الرجوع إلى تلك الأبعاد التاريخية التي تعود إلى العام 1937، عندما قامت قوات قطرية بمهاجمة منطقة "الزبارة" التي كانت تابعة للبحرين، وهي منطقة واقعة في شمال غرب قطر، إضافةً إلى محاولة السيطرة على "فشت الديبل" وجزر "حوار" التي كانت تشكل ثلث مساحة البحرين آنذاك، ما دفع بريطانيا إلى التدخل لحل النزاع وترسيم الحدود بين البلدين.
ولقد قفز الخلاف البحريني القطري إلى الواجهة مجدداً في العام 1986، عندما قامت قطر بعملية إنزال على جزيرة فشت الديبل، محتجزة عمال المنطقة وموظفيها، وكاد الأمر يتحول إلى مواجهة عسكرية، ما دفع السعودية إلى التدخل سريعاً لاحتواء الخلاف بين البلدين، إلا أنه ظل قائماً حتى العام 1990. وخلال انعقاد القمة الخليجية في الدوحة إبان غزو العراق للكويت، ضغطت الدوحة على المجلس الذي ضغط بدوره على المنامة للموافقة على رفع النزاع على الجزر إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي في هولندا. كما أن المنامة تقول إن الدوحة تقدّم دعماً إعلامياً للمعارضة في البحرين، وتفتح لها قنواتها الإعلامية، وتعمل على تشويه سمعتها عبر هذه الوسائل، وتقول أيضاً إنها تقوم "بتجنيس أفراد بعض العوائل البحرينية، من خلال إغرائهم بالحصول على بعض المزايا، وإنها تستهدف عوائل محددة وفئة معينة دون الفئات الأخرى، من دون مراعاة القوانين المنظمة لذلك في البحرين".
وعلى نفس هذا المنوال، يقول "جواد عبد الوهاب" الباحث في الشؤون الخليجية، "أن البحرين غير راغبة في التصالح مع قطر"، مرجعاً ذلك إلى "ما أفرزته الأزمة من تعقيدات طوال السنوات الماضية". ويرى أن سلطات البحرين حولت الاختلاف السياسي "إلى حالة عدائية مع قطر، وهو ما يمنع اليوم الرجوع إلى الأوضاع التي كانت عليها الحالة قبل الأزمة". وفي حديثه يعتقد أن "الأزمة بين قطر والبحرين تختلف عن الأزمة بين السعودية وقطر"، موضحاً بقوله: "هناك تجذر للخلافات بين البلدين، خاصة المنامة التي وجهت اتهامات خطيرة لقطر؛ من ضمنها دعم انقلاب كانت المعارضة البحرينية تخطط له، واتهام أحد رموز المعارضة بالتخابر مع قطر وحكمت عليه بالمؤبد". وبالتزامن مع ذلك كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أن الإمارات أيضا قاومت المصالحة مع قطر واختلفت مع السعودية حول ما إذا كان ينبغي إنهاء المقاطعة، لكن الرياض أرادت إنهاء المقاطعة، وعدم بقاء الأزمة على طاولتها مع قرب دخول إدارة "جو بايدن" البيت الأبيض. وعلى الرغم من المحاولات الإماراتية لعرقلة المصالحة إلا أنها رحبت بها بشكل شبه رسمي، حيث قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، "أنور قرقاش"، ، إننا "أمام قمة تاريخية نعيد من خلالها اللحمة الخليجية".
وفي الختام يمكن القول إن الحلف البحريني الإماراتي لا يرغب في ردم الهوة مع قطر، رغم أن السعودية صعدت من جهودها في الفترة الأخيرة من خلال تراجعها عن مواقفها السابقة لحل أزمتها المستمرة مع قطر منذ أكثر من ثلاث سنوات، بالتزامن مع خسارة الرئيس الأمريكي، "دونالد ترامب" في الانتخابات الأخيرة، والذي كان يعرف بمدى تقاربه مع "آل سعود"، وترغب السعودية في إنهاء القطيعة مع الدوحة في محاولة من ولي العهد السعودي، "محمد بن سلمان"، لكسب ود الإدارة القادمة للرئيس الجديد "جو بايدن" من جهة، وتقديم ذكرى الوداع إلى "ترامب" الذي حول المملكة إلى "بقرة حلوب" لواشنطن في عهده، من جهة أخرى. ولهذا يمكن القول أيضا إن هذه المصالحة الخليجية التي تم التوقيع عليها قبل عدة أيام سوف تظل حبراً على ورق وأن الفشل سوف يكون حليفها في المستقبل القريب.