الوقت- انتقد الموقع الاستقصائيّ الفرنسيّ “ميديابارت”، انطلاق النسخة الجديدة من سباق "رالي باريس داكار" لمنافسة السیارات على أشد الطرق وعورة والتي تنظمه منظمة ASO الشهير مجدداً من السعودية، وفي مقال بعنوان “رالي داكار في خدمة الديكتاتوريّة السعودية”، أشار الموقع إلى أنّ منظمي السابق لم يبيعوا المملكة تنظيمه من أجل الترويج لرياضة السيارات في الشرق الأوسط، ولكن لمساعدة النظام الديكتاتوريّ السعودي لتحسين صورته الدوليّة، بمباركة من الرئاسة ووزارة الخارجية الفرنسيتين، المصممتين على صرف النظر عن الطغاة والديكتاتوريين عندما يكونون زبائن جيدين لصناعات الأسلحة الفرنسية.
طابع استبداديّ
اعتبر الموقع الاستقصائيّ الفرنسيّ أن المتسابقين الـ322 الذين يشاركون في الدورة الـ43 لسباق رالي داكار المقامة في السعودية، يعتقدون أنهم يشاركون في مسابقة رياضية لاختبار قدرتهم على التنقل في الصحراء ومهاراتهم في التعامل مع الرمال ومقاومتهم للإرهاق، لكنهم مخطئون، معتبراً أن هذه المسابقة ما هي في الواقع إلا دعاية سياسية ضخمة تهدف إلى جعل العالم ينسى الطابع الاستبداديّ للنظام السعوديّ.
في محاولة سعوديّة لتخفيف سخط المجتمع الدوليّ بسبب الجرائم التي يرتكبها حكام المملكة، يسعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومستشاروه في مجال الاتصال بكل قوة حجب الرعب والبغضاء اللذين تسببت بهما على وجه الخصوص جريمة تقطيع الصحافي السعودي جمال خاشقجي، داخل سفارة بلاده في اسطنبول لدى الرأي العام الدولي.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الرياض لتلميع سجلها "المُشين" في حقوق الإنسان، والتي أنفقت مليارات الدولارات على استضافة فعاليات ترفيهيّة وثقافيّة ورياضيّة كبرى، واعتمدتها كاستراتيجيّة مقصودة لحرف الأنظار عن جرائمها المتفشيّة، أشار الموقع الفرنسي إلى أنّ الرالي العملاق بدا مهددا بسبب الأزمة الاقتصادية الأمريكية – اللاتينية، وهو موقف استفاد منه السعوديون بمهارة من خلال عرض صفقة يصعب على المجموعة الفرنسية رفضها، بحيث تسمح لهم بإنقاذ الرالي مع تغيير مكان الحدث تماما، مقابل حصولها على مبلغ كبير هي بأمس الحاجة إليه في هذا التوقيت.
ووفقاً لوثيقة صدرت العام المنصرم عن الرابطة والاتحاد الدوليّ لحقوق الإنسان، عشية انطلاق أول رالي داكار بالسعودية، فإن العقد بين الرياض والمنظم الفرنسي للسباق، يمتد لخمس سنوات، وبلغت قيمته 80 مليون يورو، وهو استثمار يعد مهماً للمجموعة الفرنسية، بسبب حجم راليها العملاق، الذي امتد من 1979 إلى 2007 بين باريس وداكار عبر أوروبا وأفريقيا، ثم انتقل بعد ذلك، بسبب انعدام الأمن في منطقة الساحل، إلى أمريكا اللاتينية.
زبائن جيدون
لم يخف الموقع الفرنسيّ حقيقة السياسة الفرنسيّة، حيث اعتبر أنّه عندما يتعلق الأمر بالتسامح مع الاستبداد، فإن المثال السيء يأتي من الأعلى في إشارة إلى "قصر الإليزيه"، حيث اعتاد الرئيس الفرنسيّ، إيمانويل ماكرون، التعامل مع الطغاة والديكتاتوريين، وخاصة عندما يكونون زبائن جيدين لصناعات الأسلحة الفرنسيّة.
وحول هذا الموضوع، منح ماكرون مؤخراً وسام جوقة الشرف إلى الرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسي، الذي اشترى 24 طائرة مقاتلة من طراز رافال في فبراير 2015، ودفع ثمنها أصدقاؤه في الدول الخليجية، ويشير الموقع إلى أنّ ماكرون لم يستنكر جريمة اغتيال جمال خاشقجي إلا بعد شهرين من حصولها.
وتقام الدورة الـ43 لرالي داكار في السعودية، وفي ظل النظام الملكيّ المستبد في بلاد الحرمين، والذي يعتبر الصديق الرسميّ لفرنسا، رغم أن السعودية شهدت في العام 2009 نحو 180 عملية إعدام بقطع الرأس أو الصلب أو الرجم، علاوة على غياب حريات تعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، بحيث إنّ الترويج للديمقراطية جريمة يعاقب عليها بالإعدام، ويُعامل المدافعون عن حقوق الإنسان والصحافيون والنشطاء والمعارضون السياسيون والكتاب، كأعداء للدولة، حيث يتعرضون للاختفاء القسريّ والاعتقال التعسفيّ.
وما ينبغي ذكره أنّ الرئيس الفرنسيّ ووزير خارجيته يرفضون رؤية الواقع الاستبداديّ الدمويّ لنظام ما لأنه يشتري أسلحة فرنسيّة، ويصمتون في وجه جرائم ديكتاتور لكنه زبون جيد، فكيف يستغرب الشخص من كون المنظمين والناقلين والمتنافسين بالنسبة لرالي داكار السعودي، قد أعموا بدورهم عن نفس الواقع القاتم؟
في الختام، لا يخفى على أحد أنّ السعوديّة بحاجة ماسة لتحسين صورتها القبيحة دوليّاً، حيث تواجه الرياض مشاكل دوليّة كبيرة بينها جريمة تقطيع خاشقجي، وقضية سجناء الرأيّ والمدافعات عن حقوق الإنسان في البلاد، ناهيك عن حرب اليمن ومسألة المصير المريع للمهاجرين الإثيوبيين والناشطين والمدونين السعوديين المحتجزين في سجون النظام السعوديّ، إضافة إلى قضية الاحتجاز التعسفيّ من خلال قيام سلطات بن سلمان بتنفيذ حملات كبيرة من الاعتقالات التعسفيّة بحق المعارضين، والناشطين، والمثقفين، إضافة إلى المنافسين من العائلة الحاكمة.
وهذا يعني أن السعودية تسعى بكل ما أوتيت من قوة لشراء المواقف الدوليّة والتغطية على جرائم محمد بن سلمان بحق مواطنيه، رغم صعوبة أن تخفي السعودية صورتها الوحشيّة عن الرأي العام العالميّ وخلق "صورة مختلفة" لها على الصعيد الدوليّ، بعد الفضائح الكبيرة التي وثقت المنهج الدمويّ الذي يتبعه حكام السعودية للبقاء في سدة الحكم.