الوقت- كشفت وكالة "فرانس برس" الأخبارية أن أمريكا تعتزم الإعلان من جانب واحد عن عودة عقوبات الأمم المتحدة ضد إيران، وهي خطوة سوف تضيف المزيد من العزلة الدبلوماسية على واشنطن، وستهدد بزيادة التوترات الدولية. وزعم "إليوت أبرامز"، المبعوث الخاص لإدارة "ترامب" بشأن إيران، أن جميع عقوبات الأمم المتحدة تقريبًا ضد إيران ستعود في الساعة 8 مساء يوم السبت 19 سبتمر (منتصف الليل بتوقيت جرينتش) من هذا الأسبوع. ووفقاً لوكالة "فرانس برس" الأخبارية أن أمريكا في هذه الحالة، سوف تكون وحيدة تقريبًا في العالم وذلك لأن جميع القوى الكبرى الأخرى، مثل الصين وروسيا، فضلاً عن حلفاء أمريكا الأوروبيين، طعنوا في هذا الادعاء ولم يقبلوا بإعادة العقوبات على طهران.
وحول هذا السياق، يطرح هذا السؤال نفسه، كيف عرفت الأمم المتحدة بحدوث هذا المأزق بين أمريكا وبقية العالم ولماذا تراجعت عن إيجاد حلول مرضية؟
في منتصف آب الماضي، عانت إدارة "دونالد ترامب" من انتكاسة كبيرة في مجلس الأمن الدولي عندما حاولت تمديد حظر الأسلحة المفروض على طهران، والذي ينتهي في أكتوبر المقبل. وعقب ذلك الاجتماع، هاجم وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" بشدة الحلفاء الأوروبيين لأمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، متهمًا إياهم بدعم إيران. وأخيرًا، وفي 20 آب الماضي، استخدمت أمريكا آلية الزناد المثيرة للجدل لإعادة جميع العقوبات ضد طهران التي رفعت عام 2015 بعد التوقيع على الاتفاق النووي. لكن "ترامب" زعم أن الاتفاقية الموقعة في عهد إدارة "باراك أوباما" لم تكن كافية ولهذا فلقد قام في عام 2018 بالانسحاب من تلك الاتفاقية النووية ثم أعاد فرض عقوبات واشنطن أحادية الجانب ضد إيران ووسعها.
وتدعي أمريكا الآن أنها مشاركة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وذلك من أجل أن تتمكن من استخدام خيار "إسنب باك". ولقد شكك جميع أعضاء مجلس الأمن تقريبًا في قدرة واشنطن على تنفيذ هذه الدورة القانونية، ولكن هذا المجلس لم يتخذ أي إجراء آخر ضد واشنطن. لكن وفقًا لوكالة "فرانس برس"، فإن أمريكا ليست مدينة لأحد في العالم وإدارة "ترامب" تتصرف كما لو كانت العقوبات عادة ومن ناحية أخرى، يتظاهر المجتمع الدولي بأنه لم يحدث شيء.
وردا على سؤال "هل هذه خطوة رمزية تهدف إلى تذكير واشنطن بموقفها المتشدد تجاه إيران أم إن هناك المزيد من الإجراءات الملموسة ضد إيران في المستقبل؟"، قال دبلوماسي من الأمم المتحدة، "سيتظاهر الأمريكيون بأنهم فعّلوا آلية إسنب باك وبالتالي سوف يتم إعادة فرض العقوبات مرة أخرى ضد طهران. وأكد هذا الدبلوماسي الأممي، قائلاً: "لكن هذا الإجراء لن يكون له أساس قانوني وبالتالي لا يمكن أن يكون له تبعات قانونية". وعلى صعيد متصل، قال دبلوماسي آخر: "لا أعتقد أن شيئا سيحدث. سيكون مجرد بيان. إنه مثل سحب الزناد وعدم إخراج رصاصة منه". وأعرب دبلوماسي آخر في الأمم المتحدة عن أسفه لخطوة الولايات المتحدة، قائلا إن "روسيا والصين تجلسان سعيدتان وتتناولان الفشار وتراقبان الانعكاسات المزعزعة للاستقرار بين واشنطن وشركائها الأوروبيين".
ويرى العديد من الخبراء السياسيين أن واشنطن وجدت نفسها في عزلة جديدة بمجلس الأمن الدولي بعد معارضة جل الدول بمن فيهم حلفاؤها، المساعي الأمريكية لإعادة فرض عقوبات دولية على إيران، لكن أمريكا واثقة أن شروط استمرار العقوبات على طهران موجودة. حيث عارض 13 من بين 15 بلدا عضوا بمجلس الأمن الدولي المسعى الأمريكي لإعادة فرض عقوبات دولية على إيران، بدعوى بطلانه نظرا لاستعانة واشنطن بعملية متفق عليها بموجب الاتفاق النووي الذي انسحبت منه قبل عامين. وكتب الحلفاء القدامى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وكذلك الصين وروسيا وفيتنام والنيجر وسانت فنسنت وجزر جرينادين وجنوب إفريقيا وإندونيسيا وإستونيا وتونس رسائل اعتراض مباشرة بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" إطلاقه العد التنازلي ومدته 30 يوما لعودة عقوبات الأمم المتحدة على إيران، بما في ذلك حظر الأسلحة.
وتحركت الولايات المتحدة قبل عدة أيام بعد رفض مجلس الأمن بشكل قاطع محاولتها في الأسبوع الماضي تمديد حظر الأسلحة على إيران بعد انتهاء أجله في أكتوبر تشرين الأول. ولم يؤيد واشنطن في التصويت سوى جمهورية الدومينيكان. واتهمت واشنطن الجمعة الماضية بكين ولندن وباريس بأنها "أخلت بواجبها"، وقال المبعوث الأمريكي لإيران "براين هوك" لصحافيين "لسنا بحاجة لإذن من أحد لإطلاق اسنب باك". وأضاف زاعماً، "إيران تنتهك التزاماتها في المجال النووي، والشروط من أجل إطلاق اسنب باك متوافرة". واعتبر "هوك" أن الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن الدولي فشلوا منذ أسبوع عندما لم يمددوا الحظر على تسليم إيران أسلحة الذي ينتهي قريباً، كما طلب مجلس التعاون الخليجي، مضيفا: "قررت الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا تجاهل رأي مجلس التعاون الخليجي الذي يضمّ الدول الأقرب إلى الخطر".
ومع ذلك، دعت الولايات المتحدة إلى تمديد العقوبات على إيران إلى أجل غير مسمى، ويقول "بومبيو" إن الولايات المتحدة تتوقع أن تمتثل جميع الدول للعقوبات. ووفق تقرير وكالة "فرانس برس" الأخبارية، قد يؤدي ذلك إلى زيادة التوترات الدولية. وعلى الرغم من عدم موافقة أحد على خطوة الولايات المتحدة هذه، إلا أنه يمكنها فرض عقوبات ثانوية لمعاقبة أي دولة أو كيان ينتهك هذه العقوبات ويمنعها من الوصول إلى الأسواق والأنظمة المالية الأمريكية. وأتى تصريح الوزير الأمريكي ردا على إعلان فرنسا وبريطانيا وألمانيا أن الولايات المتحدة لا تملك الحق القانوني لإطلاق ما يسمى بآلية "إسنب باك" لإعادة فرض العقوبات الأممية على الجمهورية الإسلامية لأنها انسحبت عام 2018 من الاتفاق النووي. وقالت الدول الثلاث في بيان مشترك إن "فرنسا وألمانيا وبريطانيا تشير إلى أن الولايات المتحدة لم تَعد مشاركة في خطة العمل الشاملة المشتركة بعد انسحابها من الاتفاقية" في 2018 وبالتالي لا يمكنها "أن تدعم هذه المبادرة التي تتعارض مع جهودنا الحالية الرامية لدعم خطة العمل الشاملة المشتركة".
وحول هذا السياق، قال "ريتشارد جوان"، عضو مجموعة الأزمات الدولية: "بعد ستة أسابيع من فوز ترامب في الجولة الثانية، يمكن للرئيس الأمريكي استخدام منبر الجمعية العامة للإضرار بالآخرين وإعلان عقوبات مالية ضد الأمم المتحدة لعدم رضاها عن هذه العملية وسوف يقوم بتطبيق آلية إسنب باك".
الجدير بالذكر أن الدول الثلاث ذكرت أنها لا تزال ملتزمة "بخطة العمل الشاملة المشتركة على الرغم من التحديات الرئيسة التي يمثلها انسحاب الولايات المتحدة" من هذه الاتفاقية و"نحن مقتنعون بأن قضية عدم احترام الإيرانيين باستمرار لالتزاماتهم المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة يجب أن نعالجها في إطار حوار بين المشاركين في الاتفاقية". وشددت الدول الثلاث على أنها "تحض إيران على إعادة النظر في جميع أعمالها التي تتعارض مع التزاماتها النووية والعودة دون تأخير إلى احترامها بالكامل".
ويتصاعد التوتر بشأن الملف الإيراني منذ اتخذ الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في العام 2018 قرار انسحاب بلاده من الاتفاق النووي المبرم بين طهران والدول الكبرى الذي جمّد البرنامج النووي الإيراني، وإعادة فرضه عقوبات اقتصادية خانقة على الجمهورية الإسلامية. وتتيح آلية "سنابّاك" المنصوص عليها في الاتفاق النووي المبرم مع الجمهورية الإسلامية في 2015 إعادة فرض كل العقوبات الأممية على إيران إذا ما طلبت دولة طرف في الاتفاق ذلك بدعوى انتهاك طهران للتعهدات المنصوص عليها في الاتفاق. لكن سائر أعضاء مجلس الأمن الدولي يشككون في إمكانية لجوء الولايات المتحدة إلى مثل هكذا خطوة لأن واشنطن انسحبت من الاتفاق في أيار 2018 بقرار من ترامب نفسه.