الوقت- على مر الصراع الحاصل في الشرق الأوسط، يمكن القول إننا وصلنا الى واقعٍ يتمثل بوجود عددٍ من المصالح التي تتعارض فيما بينها جذرياً. مما يعني أن الإختلافات لم تعد على الآليات السياسية أو العسکرية أو الأمنية من نواحيها التنفيذية فقط، بل هي اختلافات عميقة تطال المبادئ والأيديولوجيات التي تقوم عليها الأطراف والقوى المتصارعة تحولت الى صراعاتٍ عسكرية. فكيف يمكن قراءة المشهد الشرق أوسطي اليوم في ظل تعدد الصراعات والحروب؟
قراءة موجزة تمهيدية:
إن العسكرة أو الصراعات العسكرية التي تشهدها المنطقة تعود حقيقةً لأسبابٍ جذرية، سببها الإستعمار الغربي وما نجم عنه من آثار نتيجةً لذلك. فالحدود الجغرافية التي وضعها المستعمر الغربي والتي لم تكن حدوداً حقيقية، كانت تتناسب مع مصالحه الظرفية حينها، دون الأخذ بعين الإعتبار التعدديات الفكرية والدينية والثقافية والتي يمكن تلخيصها بمفهوم التعدديات الإجتماعية. ليأتي بعدها حكم الأنظمة العربية المستبد الذي فشل في إدارة التعددية وجمعه بالغرب مصالحه في تأمين استمرارية حكمه، فاستخدم التسلط ونظام الحكم الموروث.
لكن سقوط الأنظمة السريع وبداية ما سُمي بالثورات، والتي دعمتها واشنطن والغرب بل كانت السبب في تأجيجها، أظهرت على الساحة مكبوتات العالم العربي، وفشل العديد من الدول في إدارة أزماتها. فيما لم تستطع أمريكا براغماتية السياسة، أن تساهم في حفظ ما ادعته أو تحقيق ما دعمته. بل كانت السباقة الى استغلال ما صنعته، عبر أذرعها الخليجية، لتصبح المنطقة أرضيةً لصراعٍ بينها وبين العديد من الدول الكبرى المجابهة لها وتحديداً روسيا وإيران.
لكننا نُشير الى أن هذا الصراع، كان أمراً واقعاً مفروضاً على الجميع، فيما الفرق أن واشنطن ساهمت في تأجيجه على عكس الدول الأخرى، والتي غالباً ما سعت لمساعدة الشعوب ومناصرتها. لكن الأرضية الهشة سياسياً وإجتماعياً في المنطقة والعالم العربي، لم تساعد الأطراف الباحثة عن تعزيز الشراكة الإقليمية بين الدول. وهو ما سعت اليه مراراً كلٌ من طهران وموسكو. فيما ساهمت هذه الأرضية الهشة مع وجود أنظمة بعيدة عن الهم الأممي ساعية لتأمين استمرار حكمها، في تعزيز المصلحة الأمريكية، وهو ما استغلته واشنطن في صراعها الندي مع موسكو والتاريخي مع طهران.
حينها دخلت مصالح الصغار في لعبة الكبار. فالأطراف الفاعلة الإقليمية، لم تستطع الخروج من أزمة ثورات ما سُمي بالربيع العربي دون أن تُدخل المنطقة في أزمات أخرى. فالنماذج التي تدل على الفشل عديدة، لا سيما الخليجية. فالسعودية التي سعت لبسط سيطرتها على العالم العربي، وكانت دائماً تُرهب الدول بما يُسمى بالهلال الإيراني الشيعي، أدخلت نفسها والدول الخليجية الأخرى في نفق الأزمة السورية وتصدير الإرهاب. لتضع هذه الدول سياساتٍ عسكرية تعكس توجهاتها السياسية. لكنها كانت بعيدةً كل البعد عن مصلحة الشعب السوري. ولم تكتف الدول بذلك، بل وبعد فشلها في سوريا، قررت العمل على جبهة أخرى مغايرة الأهداف والوسائل، فكان العدوان العسكري السعودي على اليمن. لتدخل المنطقة في نفقٍ جديد من الأزمات.
وهنا ولأننا لا نريد الحديث عن الدور الأمريكي أو الغربي المعروف، نحاول تسليط الضوء على أدوار الدول الإقليمية في تأجيج الصراعات العسكرية. وتعتبر تركيا نموذجاً آخر يمكن إضافته على النموذج الخليجي. فإلى جانب العلاقة الأمريكية السعودية كانت العلاقة الأمريكية التركية حميميةً أيضاً. لكن العلاقة هذه لم تكن تتسم بالرضا التام لدى الطرفين، نتيجة اختلاف الرؤى التطبيقية للسياسات الإستراتيجية. وهو ما لا يمكن استغرابه في واشنطن، والتي تتعامل مع الجميع بحسب مصالحها فيما دفعت المنطقة الثمن وما تزال. فاليوم نجد أمامنا ثوراتٍ تقوم بها الأقليات في المنطقة ومنها ثورة الأكراد الساعية للإستقلال والحكم الذاتي. وهنا لسنا بصدد مناقشة أحقية الأطراف فيما يخص هذا الحراك. إلا أننا نُشير الى هذا النموذج، كمثال يُبين حجم الخلاف بين الأطراف التي كانت حليفة الظروف الراهنة. فدعم واشنطن للأكراد معروف، وهو ما شكل سخطاً تركياً في الفترة السابقة. لكن نتائج ذلك نشهدها اليوم، فيما يتعلق بالمشاكل الداخلية التركية أو العراقية مع الأكراد. لنخلص الى أن أسس التحالفات التي حصلت لم تكن إلا سبباً لتأجيج الصراعات العسكرية.
بين الماضي القريب والحاضر:
عاشت المنطقة حتى المستقبل القريب حالةً من الصراعات الناتجة عن الواقع السياسي والأمني والعسكري الذي طالما ساهمت الدول الغربية في صناعته. فيما ساهمت قلة الحكمة العربية والمصالح المشتركة، في تنفيذ هذه المخططات. فالساحة الشرق أوسطية كانت وما تزال مستعمرةً بالنسبة لأمريكا. فيما لم تسع الدول العربية حتى اليوم للخروج من ذلك، بل قامت بتأجيج العداء لمن ينادي بنصرة الشعوب ومحاربة أمريكا. وهو ما تُبيِّنه اليوم طبيعة الصراعات لا سيما ضد طهران والتي تقود حلف المقاومة. فيما يبقى المسخ الإسرائيلي، ورقة الضغط الأمريكية على الجميع.
أما اليوم فقد تغيرت الموازين وأصبحت الأمور تميل لمصلحة الشعوب. فالنفوذ الأمريكي أصبح من الماضي، بعد فشل أدواته التنفيذية وتحديداً الخليجية. فيما تغرق الأنظمة والدول العربية كافة في مشاكلها الداخلية بالإضافة الى تركيا. لتطفو على المشهد الإقليمي والدولي، إيران التي أجبرت العالم على الرضوخ لها في اتفاقٍ نوويٍ تاريخي. لنقول إن الأمل ما يزال موجوداً طالما أن هناك من يعرف تشخيص مصلحة الشعوب. لكن هذا لا ينفي وجود أزمات جذرية تحتاج الى حلول. فيما يبقى الرهان على شعوب الأمة العربية وليس أنظمتها.