الوقت- كثيراً ما انتظر الفلسطينيون فرصةً مناسبةً لرد الجميل اللبناني في قبول عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين اختاروا لبنان مكاناً للعيش ومنطلقاً لعملياتهم المقاوِمة؛ لكن للأسف؛ ومع أن حادثة انفجار مرفأ بيروت كانت مأساوية لأبعد الحدود؛ غير أنها كانت الفرصة الأفضل للفلسطينيين للعمل مع إخوتهم اللبنانيين جنباً إلى جنب للحد من آثار الكارثة، وللتأكيد على أن الأخوّة الفلسطينية اللبنانيّة لا يمكن لبعض المغرضين أو العُملاء الذين يعتاشون على إثارة النعرات العنصرية أن يُشوِّهوا ومهما حاولوا الارتباط التاريخي بين القضية الفلسطينية والقضيّة اللبنانيّة من جهة مُجابهة الكيان الإسرائيلي.
من المخيم سلام لبيروت
ما إن وقع الانفجار العظيم حتى تداعى سُكان المُخيّمات الفلسطينية المُنتشرة في لبنان، وفي بيروت على وجه الخصوص إلى مدِّ يد العون والمُساعدة، وبدا تأثيرهم في إزاحة آثار ذلك الانفجار واضحاً للغاية، فمع توقّف دوي صوت الانفجار وانقشاع غُباره، استنفرت المُخيّمات الفلسطينية هناك وهبّ بنوها لتقديم أيّ دعمٍ يستطيعون إنّ كان بالتبرع بالدم أو تهيئة المستوصفات والمشافي الموجودة في المخيمات لمداواة الجرحى.
أكثر من ذلك؛ وجّه رجال أعمال فلسطينيين نداءً لأشقائهم اللبنانيين ممن لا يجدون مأوىً، مُؤكدين استعدادهم لاستضافة أيّ عائلةٍ لبنانية تضررت جرّاء ذلك التفجير، ومن رجال الأعمال هؤلاء عدنان أبو سيدو الذي أعلن استعداده لاستضافة عدد من العائلات المتضررة في شقق سكنية يملكها هو في منطقة شرحيبل بن حسنة بمدينة صيدا، ناهيك عن إعلان الكثير من الفلسطينيين الفقراء استعدادهم لاستقبال العائلات اللبنانيّة التي شرّدتها الكارثة وفي منازلهم التي تضيق بهم.
حركة الفلسطينيين ونشاطهم كان واضحاً خلال أعمال رفع الركام والأنقاض وإخماد الحرائق رغم الإمكانيات المتواضعة، ساهموا بإسعاف الجرحى ونقل المصابين، حيث انطلقت الطواقم الطبية والتمريضية العاملة في المخيمات لتلبية احتياجات مصابي التفجير، وذلك تأكيداً على أنّ الفلسطينيين في لبنان ليسوا منعزلين عن واقع إخوتهم اللبنانيين الذين قدموا الكثير من التضحيات في سبيل القضية الفلسطينية.
وأهل فلسطين
فلسطينيو الداخل في (الضفة الغربية وقطاع غزّة) هم أيضاً كانوا على مستوى الحدث، حيث نظّمت لجنة المتابعة في القوى الوطنية والإسلامية والتي تضم كلّ الفصائل الفلسطينية وقفة تضامنية مع لبنان، رفع خلالها المشاركون الأعلام اللبنانية، مرددين شعارات داعمة لبيروت وسكانها، كما أضاء آخرون الشموع حداداً على أرواح شهداء كارثة المرفأ، كما شارك مئات الفلسطينيين في غزة بحملة واسعة للتبرع بالدم لتقديمه للبنانيين، ليختلط الدّم الفلسطيني بالدّم اللبناني.
وبالإضافة إلى ذلك؛ أعلنت السّلطة الفلسطينية أنّها مُستعدة لتقديم كلّ أنواع المُساعدة من خلال طواقمها الموجودة في لبنان، أو إرسال طواقم من الهلال الأحمر الفلسطيني للمساعدة برفع الأنقاض والبحث عن المفقودين، أو حتى إرسال المُساعدات الطبيّة للمشافي اللبنانيّة.
تاريخ من التضامن
حالة التضامن التي عاشتها بيروت أعادت للأذهان تاريخ علاقات الأخوّة بين الفلسطينيين واللبنانيين وهي المُستمرّة منذ أوّل الهجرات قبل 70 عاماً بين الشعبين، وكانت ذروتها في الحرب الأهليّة اللبنانية، مرورا باجتياح الكيان الإسرائيلي للبنان في العام 1982، حيث وقف الفلسطينيون بوجه الآلة العسكرية للكيان الإسرائيلي مُقدمين أرواحهم في سبيل حماية أشقائهم اللبنانيين.
ومع وصول اللبنانيين إلى اتفاق الطائف الذي أنهى حربهم الأهليّة؛ كان الفلسطينيون أوّل من التزم بهذا الاتفاق وعادوا بأسلحتهم إلى المُخيّمات تاركين خيار السّلام هو المُرجّح بين الفرقاء اللبنانيين، ليؤكدوا أنّ وجودهم في لبنان ليس أكثر من مؤقت إلى حين عودتهم إلى ديارهم.
أمّا اللبنانيّون فكان موقفهم الرسمي والشعبي وعلى طول الخط داعماً للنضال الفلسطينيين وحقّه باسترجاع أرضه المُحتلّة، وعلى هذا الأساس كان احتضان كافة حركات المُقاومة الفلسطينيّة على أرضه.
وفي النهاية؛ فإنّ شظايا الانفجار التي لم تُفرّق بين لبناني أو فلسطيني وعلى عكس ما تمنّاه بعض العنصريين زادت من أواصر العلاقات بين الفلسطينيين واللبنانيين، وأجبرتهم أيضاً على التكاتف فيما بينهم لإزالة آثار هذه الكارثة التي أكّدت وحدة المصير والمسير ووحّدت الفلسطينيين واللبنانيين ليكونوا يداً واحدة في مواجهة آثار الكارثة، كما أكّدت أنه من غير المُمكن لأيٍّ من الشعبين أن يعيش بمعزلٍ عن الآخر، فالفلسطينيين سيقون في لبنان حتى عودتهم إلى ديارهم، وبعكس ما يُروّجه بعض سياسيي لبنان من أنّهم يرغبون في التوطين في لبنان، غير أنّهم يؤكدون وفي كلِّ مناسبةٍ أنّهم ضيوفٌ في لبنان حتى يعودوا لأرضهم التي هُجِّروا منها.