الوقت- في الأيام الأخيرة، وردت تقارير عديدة كشفت عن جهود معادية أمريكية لتقويض اتفاقية التعاون الثنائي بين بغداد وبكين التي تم التوصل إليها بين الجانبين الصيني والعراقي خلال فترة رئاسة "عادل عبد المهدي" للحكومة في العراق والتي تقدر قيمة هذا الاتفاقية الثنائية بنحو 500 مليار دولار. يذكر أنه في سبتمبر 2019، غادر رئيس الوزراء العراقي السابق "عادل عبد المهدي" إلى الصين في زيارة استغرقت خمسة أيام. وخلال تلك الزيارة، التقى "عبد المهدي" بكبار المسؤولين الصينيين ووقع معهم عدداً من الاتفاقيات في مختلف المجالات بما في ذلك المالية والتجارة والأمن والهندسة المدنية والاتصالات والثقافة والتعليم. وبعد التوقيع على تلك الاتفاقات أصبح المسؤولون الأمريكيون على دراية تامة بأن بغداد كانت تتبع استراتيجية "الانعطاف والاستدارة نحو الشرق".
وخلال تلك الزيارة التي قام بها "عبد المهدي" للصين، قال رئيس مجلس الدولة الصيني ان للعراق مساهمات جلية في الحضارة الانسانية وسيقدم مساهمات للأمن والسلام والتنمية في العالم، وعلاقات البلدين عميقة وتعود الى اكثر من ستين عاما ولها مزايا كثيرة وتعاوننا المتواصل سيحقق مصالحنا المشتركة ويوفر فرصا كبيرة لإعمار العراق، والصين مساهمة في إعمار العراق وستواصل معكم هذا التعاون في جميع المحالات. واضاف قائلاً: ان "تعاوننا سيأتي بثمار ونتائج ايجابية"، مشيدا بالدور الذي يلعبه العراق في المنطقة وابعاد شبح الحرب عنها والتأكيد على اهمية اعتماد لغة الحوار والحلول السلمية". وبناءً على مقترح رئيس مجلس الوزراء رحب رئيس مجلس الدولة الصيني بتشكيل لجنة مشتركة لدفع التعاون وتحقيق نتائج عملية للاتفاقات الموقعة لتدخل حيز التنفيذ وتحقق اهدافها.
وعلى صعيد متصل، أكد رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية العراقية "أحمد سليم الكناني"، قبل عدة أسابيع، دخول الاتفاقية "النفط مقابل البناء" التي أبرمتها حكومة "عادل عبد المهدى" مع بكين حيز التنفيذ، واصفا إياها بأنها "جبارة وعملاقة ولا مثيل لها"، وقال "الكناني"، في بيان "إن اتفاقية العراق مع الصين دخلت قيد التنفيذ، وهى اتفاقية جبارة لا مثيل لها على مر الزمن في تاريخ العراق الاقتصادي والسياسي لم يحصل على مثل هذه الاتفاقية من قبل (النفط مقابل البناء)"، مشيدا في الوقت نفسه بالدور الهام الذى تبذله الصين تجاه الاقتصاد العالمي. وأشار، إلى أن هذه الاتفاقية تضمنت بنودا كثيرة في معالجة جميع القطاعات وبالأخص البنى التحتية والخدمية في مشاريع شبكات تصريف المياه الكبيرة والطرق والجسور وأيضا في مجال الصحة في إنشاء مستشفيات كبيرة وحديثة ومستشفيات تعليمية وفي مجال التربية والتعليم بإنشاء مدارس وجامعات ومعاهد تعليمية وفي مجال الاتصالات والتكنولوجيا للقضاء على الفساد والبيروقراطية، وفي مجال تطوير الزراعة وتفعيل القطاع الصناعي.
الجدير بالذكر أن أهم اتفاق تم التوقيع عليه بين الطرفين الصيني والعراقي، كان الاتفاق الذي وقعته وزارة المالية العراقية ووزارة التجارة الصينية وهناك بنود مهمة في هذه الاتفاقية حظيت بتأييد قوي من قبل أعضاء البرلمان العراقي. ولقد ذكر الممثلون العراقيون في ذلك الوقت صراحة أن اتفاق "بغداد – بكين" يعتبر تطوّر جديد في مجال التنمية والبناء في العراق وأنه ينبغي دعمه. وتتضمن الاتفاقية بين بغداد وبكين فقرات مثل دراسة مشاكل جميع القطاعات، وخاصة البنية التحتية والخدمات في مشاريع شبكة المياه العراقية، والطرق والجسور، وإنشاء مستشفيات ومراكز تدريب كبيرة، وإنشاء مدارس وجامعات، وتعزيز الاتصالات والتكنولوجيا للقضاء على الفساد، كما تغطي الاتفاقية مجالات أخرى، بما في ذلك الزراعة والصناعة.
ومن ناحية أخرى، تعهدت بغداد بتقديم كافة الخدمات التي طالب الجانب الصيني تقديمها. وبناء على ذلك، تم فتح حساب مشترك بين بغداد وبكين في بنك صيني وذلك لكي يتمكن العراق من خلاله بيع 100 ألف برميل من النفط يوميا لشركات صينية. وبعد زيارة "عبد المهدي" إلى بكين، أصدرت اللجنة الاقتصادية والاستثمارية في البرلمان العراقي بيانا وصف الاتفاق المشترك بين الجانبين بأنه فريد من نوعه. وعلى الرغم من أنه منذ ذلك الحين، بدأت سلسلة من الضغوط الأمريكية واسعة النطاق على العراق للانسحاب من اتفاقية بكين، إلا أنها وصلت ذروتها خلال الايام الماضية. وتعتقد القيادة الأمريكية إن العراق الجديد بقيادة "مصطفى الكاظمي" سيمهد الطريق لبغداد للانسحاب من الاتفاقية مع بكين. وفي وقتنا الحالي تسعى واشنطن، التي رأت أن جهودها لإثناء بغداد عن الصفقة كانت غير مثمرة في عهد "عبد المهدي"، لتجربة حظها في عهد "الكاظمي".
إن السبب الرئيسي لسلسلة الجهود الأمريكية المعادية لإجبار بغداد على الانسحاب من الاتفاقية مع بكين، هو أنهم يعرفون جيداً أن بقاء هذه الاتفاقية سوف يحد من نفوذهم الاقتصادي داخل العراق. في الواقع، توقيع العراقيون على مثل هذا الاتفاق، يهدف إلى تحويل الصين إلى واحدة من أكبر الشركاء الاقتصاديين للعراق في العالم بدلاً من الولايات المتحدة، وهذا الامر تدركه واشنطن جيدًا ولهذا فلقد بذل مسؤولي البيت الأبيض خلال الفترة الماضية الكثير من الجهود لتقويض وتعطيل اتفاق "بغداد – بكين". وفي هذا السياق، قال "فاضل الجابر" ممثل ائتلاف حركة "الفتح" في البرلمان العراقي إن "واشنطن تعارض تنفيذ الاتفاقية الاقتصادية بين العراق والصين في سياق الحرب الباردة مع بكين". وأضاف: "منذ اليوم الأول لتوقيع هذه الاتفاقية الاقتصادية في الإدارة السابقة، أبدى الأمريكيون غضبهم ويعتقدون أن تنفيذ هذا الاتفاق عار على المنطقة".
لقد جعل المسؤولون الأميركيون بغداد على رأس اولوياتهم، وقاموا باستخدام استراتيجيتين رئيسيتين لاستهداف اتفاقيات "بغداد – بكين". وتتمثل الإستراتيجية الأولى في إثارة بعض العناصر السياسية المحلية في العراق لشن هجمات علنية على الاتفاقية الثنائية مع الصين، وبالتالي التأثير على الرأي العام لمعارضة هذه الاتفاقية. والاستراتيجية الثانية للأمريكيين هي إطلاق حملة إعلامية كبيرة ضد الاتفاقية الثنائية بين الصين والعراق. في الواقع، لقد لجأ الأمريكيون إلى "إمبراطوريتهم الإعلامية" في المنطقة والعالم من أجل تصوير اتفاقية "بكين – بغداد" كما لو كانت جميع بنودها تستهدف مصالح الشعب العراقي. في الواقع، من خلال كلتا الإستراتيجيتين، تسعى الولايات المتحدة إلى تحريض الرأي العام العراقي ضد الاتفاقية الإستراتيجية مع الصين.
ولكن هذا لا يعني أن الأمريكيين لم يبذلوا أي محاولة مباشرة لضرب اتفاق "بكين – بغداد". وفي هذا السياق، قال عضو مجلس النواب العراقي "حسن الخلاطي" في وقت سابق، " أن واشنطن دعت عادل عبد المهدي في رسالة رسمية إلى إلغاء تلك الاتفاقية الموقعة مع الصين استاداً إلى بعض الأسباب القانونية، لكن عبد المهدي لم يقبل مثل هذا الطلب". واستناداً إلى ما قيل، فإن الأمريكيين مصممون الآن على إلغاء الاتفاق الاقتصادي الكبير بين بغداد وبكين باستخدام الأدوات المذكورة سابقاً. ونظراً إلى أنه على الجانب الأول من هذه الاتفاقية تقف الحكومة الصينية، التي تعد أكبر منافس اقتصادي لواشنطن في العالم، وعلى الجانب الآخر العراق، التي كانت تعتبر واحدة من أكبر مكاسب واشنطن الاقتصادية والتجارية في العالم، لذلك من الطبيعي أن يكون الأمريكيون قد شنوا مثل هذا الهجوم على الاتفاقية الاستراتيجية بين بغداد وبكين.