الوقت – أذكر فيما أذكر أنّ أحد الهنود ممن كانوا يدرسون معي كان شغله الشاغل وحديثه الشّيِق -بالنسبة له- هو التغنّي بالديمقراطية التي تتحلّى بها بلاده على الرغم من كل المشكلات التي تُعانيها، غير أنّي وعندما سألته عن وضع المسلمين القاطنين في منطقة جامو وكشمير؛ تغيّرت ملامحه مُحاولاً تغيير الموضوع، غير أنّ إصراري أجبره على البوح بما يختلج في صدره، ويُخرج حقداً عَرِفْتُ لاحقاً أنّه مُتجذرٌ في نفوس الحكومات التي تعاقبت على حكم الهند، ورُبّما كان القاسم المشترك بينهم جميعاً حقدهم على المسلمين.
الكيل بمكيالين
الصراع على جامو وكشمير ربما هو الصّراع الأطول في التاريخ الحديث، فهو مُستمر منذ العام 1948، أي منذ احتلال فلسطين، ولا يزال مُستمراً حتى يومنا هذا، غير أنّ ارتقاء الشهداء على أرض كشمير مُستمر منذ العام 1931 إبّان مقارعة الاستعمار البريطاني، لكنّ المُضحك في الأمر أنّه وبعد استقلال الهند وباكستان بقيت ثلاث إمارات تُرك لأهلها تقرير مصيرهم، وهي ولايات (جوناغاد، حيدر أباد وكشمير)، وفي الوقت الذي كان يحكم كلّاً من (جوناغاد، حيدر أباد) حُكّام مسلمون، وحاولوا الانضمام إلى باكستان، غير أنّ أغلبية السكّان الذين كانوا من الهندوس رفضوا ذلك، معللين الأمر بأنهم هم الأغلبية ويجب أن ينضمّوا إلى الهند، وتدخلت القوّات الهندية لتنفيذ هذا الأمر بقوّة السلاح، غير أنّ الطّامّة الكبرى كانت في كشمير ذات الأغلبية المُسلمة التي يحكمها الهندوسي هاري سينغ، الذي فضّل الانضمام إلى الهند وهو ما أيّدته به الهند، غير آبهةٍ برأي السكّان وانتمائهم العرقي والديني، وأدخلت قوّاتها العسكرية إلى كمشير مُعلنةً احتلالها وضاربةً بجميع القوانين الدوليّة والإنسانية عرض الحائط.
ومنذ خروج الاحتلال البريطاني في العام 1947؛ شهدت المنطقة ثلاثة حروب طاحنة بين الكشميريين الذين تُساندهم الباكستان، وبين الجيش الهندي، غير أنّ مأساة الكشميريين لم تكن في الحرب أبداً؛ بل كانت خلال فترات الهدوء، حيث أعمل الهندوس القتل في المسلمين الكشميريين تحت أساسٍ طائفي، وأكثر من ذلك؛ تعرّضت الآلاف من النسوة الكشميريّات لعمليات اغتصاب جماعيّة على أيدي الجيش الهندي وعصابات الهندوس الطائفيّة، ناهيك عن الاعتقالات المُمنهجة التي أجبرت مئات الآلاف على الفرار من المنطقية في عملية تغيير ديموغرافي أدانها العالم أجمع، وبالطبع الهدف هو تحويل الأغلبية الكشميريّة إلى أقليّة في أراضيهم.
مأساة مُتجدّدة
على الرغم من كلّ الجهود التي بذلها المجتمع الدولي، وجهود الوساطة الدولية لإنهاء معاناة الكشميريين؛ غير أنّ التعنّت الهندي أفشل كلّ تلك الجهود، بل زاد من اضطهاده للكشميريين، أكثر، حيث إن الأزمة الإنسانية في كشمير المحتلة ما زالت مستمرة، كما وتنتهك قوّات الاحتلال الهندية وبشكل صارخ جميع الاتفاقيات والقوانين الدولية لحقوق الإنسان مع الإفلات المُستمر من العقاب نتيجة ارتباطها بعلاقات قوية مع رأس الشرّ في العالم، وبناءً عليه؛ باتت تتحدّى ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن كشمير.
وعلى الرغم من التعنّت الهندي؛ غير أنّ المحاولات الكشميرية للاستقلال لم تتوقف، الأمر الذي جابهته الهند بعنفٍ شديد، ويقول رئيس المنطقة الحرة في كشمير "مسعود خان" أنّ الضغط ازداد على شعب كشمير في المنطقة التي تحتلها الهند زيادة كبيرة، مُشيراً إلى أنّ الجيش الهندي سجن الناس في منازلهم، ومنعهم من التجوّل، ويؤكّد خان أنّه وخلال السبعين عاماً الماضية قُتِلَ أكثر من 500 ألف مسلم كشميري في منطقة كشمير الهندية على يد الجيش الهندي.
واليوم؛ تظاهر آلاف اللاجئين الكشميريين والقاطنين في مدينة مُظفر آباد -عاصمة الجزء الذي تسيطر عليه باكستان من كشمير- وتعهدوا بمواصلة كفاحهم من أجل الحصول على حق تقرير المصير وفقاً لما تنصُّ عليه قرارات الأمم المتحدة.
وفي النهاية؛ فإنّ المُقاومة وحدها هي من ستُجبر الهنود الطائفيين على التراجع عن إجراءاتهم التعسفيّة بحق الكشميريين المُسلمين، ومع أنّ كافة قرارات الأمم المُتحدة كان تصب في صالح الكشميريين؛ غير أنّ الهند كانت ترفض تنفيذ أيًّ من تلك القرارات، بل إنّها ذهبت أبعد من ذلك وصنّفت مجموعات المُقاومة الكشميرية كجماعات إرهابية!، وباتت تُلاحقها المُخابرات الهندية في كلّ دول العالم بهدف تصفيتها واغتيالها، وعلى الرغم من جميع المآسي التي يُعانيها الكشميريون؛ غير أنّ العديد من العرب وربما المسلمين لا يعلمون بحقيقة الوضع هناك؛ وكمّ المُعاناة التي يعانيها سُكّان كشمير.