الوقت- بعد أن كان أحد ثلاثة عملاء حضروا حفل إطلاق ما يُعرف بـ "صفقة القرن"، خرج اليوم يوسف العتيبة سفير دولة الإمارات بمقالٍ نشرته صحيفة يدعوت أحرنوت العبرية، ليشتم قوى المقاومة منها حزب الله وحماس، وكأنّ هذين الفصيلين ليسا هما الوحيدين الباقيين على الأرض العربية يُدافع عمّا بقي من كرامةٍ أهدرتها الإمارات وبعض الدول التي تدور فلكها من خلال تطبيعهم العلني والفجّ مع الكيان الإسرائيلي، ضاربين بكلِّ الاتفاقات العربية المُشتركة، أو حتى بالمبادرات التي أطلقوها هم أنفسهم، كالمبادرة العربية التي أطلقتها السعودية قبل ثمانية عشر عاماً في القمة العربية التي عُقدت في بيروت حينها.
المقاومة في مرمى الإمارات
يأبى هذا العتيبة إلّا أن يكون ذليلاً، فعلى الرغم من أنّ مقالته شملت الإشارة إلى مشاريع الضّم؛ إلّا أنّها كانت في الصميم هجوماً مُباشراً على حركات المقاومة في المنطقة، ولا سيما حركة حماس وحزب الله اللبناني، مُتفاخراً بأنّ دولته وضعت حزب الله على القائمة السوداء، وأنّها أدانت عمليات "التحريض" التي تُمارسها حركة حماس حسب ادعائه.
حركة حماس لم تنتظر كثيراً للرّد على تُرّهات العتيبة وتفاخره بإدانة حركات المُقاومة، حيث وصفت الحركة في بيانٍ لها "محاولات سفير الإمارات في واشنطن البحث عن مشتركات بين دولته مع الكيان الصهيوني، بأنها استجداء للتطبيع معه، عدا عمّا تؤشّر عليه هذه المحاولات من قلّة إدراك لطبيعة الكيان الصهيوني العدوانية التوسعية"، لافتةً إلى أن وصف السفير الإماراتي لرّد الفعل الفلسطيني على خطوة الضمّ بأنّه عنف، وأنّ هذه الخطوة ستحرّك المتطرفين، هو اتهام لكل النضال الوطني الفلسطيني، وتجريم لتضحيات شعبنا العظيمة النبيلة.
غزل إماراتي للكيان
وبالعودة إلى ما كتبه العُتيبة فإن مقالته لا تُشير ولو لمجرد الإشارة إلى جرائم الكيان الإسرائيلي، وناهيك عن عمليات الضمّ التي ينوب الكيان الإسرائيلي القيام بها في الضفة الغربية، لم يتطرّق العُتيبة إلى الاحتلال السابق للقدس الشرقية والحروب المتعددة التي فرضها الكيان على غزة والتي خلّفت آلاف الشهداء من الفلسطينيين خلال الاثني عشر عاماً الماضية.
أكثر من ذلك؛ وما يُثير الدهشة فإنّ افتتاحية العتيبة في الصحيفة العبرية لم تستخدم كلمة "احتلال" ولو لمرّة واحدة، كما أنّه يمكن اعتبار هذه الافتتاحية أكثر من أيّ شيء آخر "رسالة حب" للكيان الإسرائيلي، كما ويتدافع العتيبة حول كيف أنّ "الكيان الإسرائيلي يُعتبر فرصةً وليست عدوّاً!، كما أنّ الإمكانات الموجودة في الكيان يُمكن أنّ تؤسّس لعلاقات كبيرة ودافئة".
كما أنّ الافتتاحيّة التي كتبها العُتيبة استخدمت المصطلح المفضّل لدى الكيان الإسرائيلي وهي "النزاع"، ربما لم يعلم العُتيبة أنّ المنطقة المعنية ليست "محل نزاع"، إنها محتلة، ولا يحق للكيان الإسرائيلي وبموجب القانون الدولي البقاء بها، وهنا يجب الإشارة إلى أنّ الكيان الإسرائيلي حاول ومنذ عقود أن يزرع في العقل الجميعي للعالم بأسره أنّ يُشير إلى الأرض الفلسطينية المحتلة على أنّها مجرد "مناطق متنازع عليها"، وذلك لمحو حقيقة الاحتلال العسكري وللإشارة إلى أنّ الكيان الإسرائيلي لديه مطالبة محقّة بها، وهو ما فشل به دائماً، غير أنّ العُتيبة اختار أن يُثبت تلك الأكذوبة على أنّها حقيقة واقعة.
الجيشان الأكثر قوّة!
أكثر ما يُثير الضحك في مقالة العتيبة ما قاله حول وجود أكثر جيشين قوّة وقدرة في منطقة الشرق الأوسط وهما حسب رأيه (جيش الإمارات وجيش الكيان الإسرائيلي) وأنّ مخاوفاً مشتركة تجمع بينهما وهي مخاوف تخصُّ محاربة الإرهاب، بالإضافة إلى العلاقة العميقة والطويلة التي تجمعهما مع أمريكا، وعلى هذا الأساس فإن الإمارات والكيان الإسرائيلي يمكن أن يُشكّلا تعاوناً أمنياً أوثق وأكثر فعاليّة، حسب ما يدّعي العتيبة، وهنا لا أُريد ذكر الجيش الإيراني ولا الجيش التركي، ولكن ماذا عن الجيش الجزائري والجيش المصري؟، كيف لهذا العتيبة أن يدّعي أنّ جيش الإمارات (لا أعلم إن كان يوجد في الإمارات جيش) هو أقوى من الجيش المصري، أمّا فيما يخصُّ الإرهاب، فإنّ ما كتبه العتيبة ذاته في مقالته المشؤومة التي تحدّث فيها عن مشاريع الضمّ التي ينوي الكيان الإسرائيلي القيام بها تُعتبر إرهاب دولة أو إرهاب عصابة مُنظمة، ناهيك عن قتل آلاف الفلسطينيين، وإن لم يكن العتيبة يعتبر ذلك إرهاباً فما هو الإرهاب؟، لكن بالطبع هو يقصد بذلك حزب الله اللبناني وحركة المُقاومة الإسلامية حماس اللذان أذاقا الكيان الإسرائيلي ما أذاقه للعرب طوال سنين، ورفضا الانصياع للأوامر الإماراتية التي تُطالب بإنهاء كل أشكال المقاومة والركون إلى المُهادنة.