الوقت- تدعي الولايات المتحدة الأمريكية أنها رمز للديمقراطية والحرية واحترام سيادة دول العالم، ولكنها في الحقيقة تأتي في المرتبة الأخيرة من حيث التزامها بما تدعيه، وما يحدث اليوم في أمريكا بعد قتل المواطن فلويد على يد مجموعة من عناصر الشرطة "البيض" كان مثالا حياً على مدى ديمقراطية واشنطن ودفاعها عن حقوق الانسان والحريات، وبعد كل هذا تأتي السفيرة الأمريكية دوروثي شيا للتدخل في الشؤون الداخلية للبنان بما يخالف جميع الاعراف الدبلوماسية، وتقدم نصائحها للحكومة اللبنانية والشعب اللبناني وتتحدث عن ضرورة الاصلاح ومعاقبة الفاسدين وفي الوقت نفسه لا تدخر ادارة بلادها اي جهد لمعاقبة الشعب اللبناني تحت حجج واهية منها دعم المقاومة وغيرها من الحجج، ولكن يجب ألا نستغرب أن يأتي هذا الكلام من سفيرة رئيسها دونالد ترامب.
دونالد ترامب الذي خلط اوراق الولايات المتحدة الامريكية وفشل في ادارة الازمات المتعاقبة التي عصفت بالولايات المتحدة، لن يستطع اتباعه الذين نصبهم هنا وهناك بتقديم اي حل حقيقي لاي من الدول التي تستضيفهم، والاهم انه ليس من حقهم التدخل في شؤون دولة ثانية دون السماح لهم بذلك، لكن دوروثي فعلتها عبر قناة "او تي في" اللبنانية، وخرجت على اللبنانيين لتوضح لهم ما عليهم فعله، وتوجه تهديدَا مباشرًا لـ"حزب الله"، وتتحدث عن عقوبات ستوجهها الادارة الامريكية لحزب الله وداعميه، معتبرة أن "الاساس هو أن هذه العقوبات (الأميركية) لا تتيح لهذه الجهات المخرّبة بالتسلّل إلى النظام المالي اللبناني، لقد طعن "حزب الله" بسمعة لبنان الماليّة ومصداقيّته. لماذا قد يرغب المستثمر الدولي في أن يرتبط اسمه بأموال فاسدة تابعة لمنظمة إرهابية أو متورّطة بغسل الأموال الناتجة عن عائدات تهريب المخدرات؟ هذه ليست سوى أمثلة قليلة. لذا فمن مصلحة شعب لبنان أن يكون لديه اقتصاد نظيف وهذا ما سيجذب المستثمرين الدوليين".
هذه العبقرية الامريكية لم نجدها حققت شيئا يذكر في العراق او افغانستان، لماذا لم تمارس واشنطن عبقريتها في ادارة شؤون الدول هناك وأظهرت للعالم نموذجا مثاليا لكيفية ادارة الازمات لكي تحصل على نوع من المصداقية، عوضا عن الدمار الذي ألحقته بدول الشرق الاوسط، والخراب الذي خيم على بلادنا، وفوق كل هذا تأتي مجددا لتبدء تنفيذ "قانون قيصر" على سوريا على امل محاصرة سوريا وتجويع الشعب السوري، ولكن وبما انها تخاف على لبنان واوضاعه الداخلية، ألا تعلم الادارة الامريكية ان دخول مثل هذا القرار حيز التنفيذ سيعقد الاوضاع اكثر في الداخل اللبناني ويحدث شرخا كبيرا داخل الحكومة اللبنانية ويضعها امام خيارين اما القبول بالقرار لكسب الرضى الامريكي او رفضه للحفاظ على عقودها التجارية مع سوريا.
السفيرة الامريكية وخلال لقائها التلفزيوني، أشارت أنه ليس هناك من أي حصار اقتصادي أو مالي على لبنان، لافتة إلى أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية تستهدف المنظمات الإرهابية ومن يدعمها ماديا، وأعلنت شيا عن وجود سلة أخرى من العقوبات التي ستطال المتورطين بالفساد، ولكن هذه العقوبات لا تحرم لبنان من التجارة والاستثمار، لأن الأساس هو أن هذه العقوبات لا تتيح للجهات المخرّبة بالتسلّل إلى النظام المالي.
وأكدت أن العقوبات تستهدف "حزب الله"، وقد تشمل أيضاً أولئك الذين يساعدون حزب الله ويدعمونه، كذلك سيكون هناك فئة جديدة من العقوبات التي ستدخل حيّز التنفيذ في الأول من يونيو وستطال قتلة المدنيين في سوريا، قد تكون هناك بعض الأطراف هنا متورطة في سلة العقوبات هذه أيضًا.
السفيرة تلعب على نقاط الضعف في لبنان لزيادة الشرخ فهي من جهة تصف الخطة المالية التي وضعتها حكومة حسان دياب بالطموحة، وبدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بالخطوة الأولى الضرورية والمرحب بها، وفي الوقت نفسه تدافع عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتعتبر ان الاقتراب منه "خط احمر".
ورداً على سؤال عما اذا كانت الولايات المتحدة لا تزال تدعم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ولاسيما بعد البلبلة التي حدثت في لبنان اخيرا حول امكان اقالته من منصبه، رأت شيا أنه "من الخطأ شيطنة أي شخص أو مؤسّسة أو جعلهم كبش فداء للانهيار الاقتصادي في لبنان، لأنّ ذلك نتيجة عقود من الفساد وسوء الإدارة المالية".
وأضافت: "قد يكون البنك المركزي هو الذي سمح بتراكم الديون الكبيرة على البلاد، لكنّني لا اجد انه المسبب لها. أولئك الذين لديهم مصالح راسخة في غنائم النظام السياسي، وأولئك الذين سمحوا باستنزاف أموال البلاد، سواء في قطاع الكهرباء مثلا، أو من خلال حرمان الحكومة من حقّها في الإيرادات نتيجة التهرب الجمركي، هم المسؤولون عن الكارثة الاقتصادية التي نواجهها اليوم".
وأكّدت شيا أنّ "تعيينات المركزي قرار يعود للحكومة اللبنانية"، موضحة أن "الولايات المتحدة لطالما عملت بشكل وثيق مع سلامة على مر السنوات"، مؤكدة أنّ "الأخير يحظى بثقة كبيرة في المجتمع المالي الدولي واذا لم يكن لدى هذا المجتمع ثقة في قيادة المؤسسات المالية الكبرى بالبلاد، فأعتقد أنّه لن يكون هناك أي تدفق للاستثمار أو النقد الذي يحتاجه اقتصاد لبنان".
في المقابل كشفت صحيفة لبنانية، مطلع الاسبوع الحالي عن وجود غطاء أمريكي لحماية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وذلك بعد تراجع المدعي العام المالي عن استدعائه إلى التحقيق.
وذكرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية نقلا عن مصادرها أن قرار المدعي العام المالي، القاضي علي إبراهيم، بعدم استدعاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى التحقيق، لم يصدر لأسباب محض شخصية متصلة بالقاضي نفسه، ولا بسبب الغطاء الداخلي الذي يحظى به سلامة، وحسب، بل إن تدخلاً واضحاً قامت به السفيرة الأمريكية في بيروت، دوروثي شيا، ساهم في حماية حاكم مصرف لبنان.
وبحسب المصادر، اتصلت السفيرة شيا بمسؤولين حكوميين، وأبلغتهم بوضوح أن "أي انتقام سياسي من سلامة، بذريعة التحقيقات"، ستكون له تبعات كبيرة.
وتأتي هذه التدخلات الأمريكية بعد تحقيقات تثبت تورط حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بقضية التلاعب بالدولار في البلاد.