الوقت – إنّه زمن القدس.. زمن الفتوحات الجديدة.. والصلاة في المسجد الأقصى باتت قاب قوسين أو أدنى، وكما عهدناه دائمًا صادقًا بوعده ووعيده، خرج السيد حسن نصر الله بيوم القدس العالمي في خطابٍ مؤكدًا خلاله أنّ القضّية الفلسطينية ومهما تكالب عليها صهاينة العرب، ستبقى قضية المسلمين الأولى، ولا يحقُّ لا للفلسطينيين ولا للعرب ولا لأيٍّ كان أن يتنازل عنها أو يُسلّم صك مُلكيتها لليهود، كان السيد نصر الله واضحًا صريحًا ومباشرًا.. "الحق لا يسقط بتقادم الزمن.. والمقاومة هي السبيل للتحرير"، وبهذه الكلمات رسم طريق المُقاومة القادم وحدد بوصلتها واتجاهها.
تصحيح البوصلة
من الواضح أنّ السيّد نصر الله أراد من خطابه ذلك تصحيح البوصلة بعد كميّة اللغط التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة التطبيع المفضوح بين الكيان الإسرائيلي وعدد من الدول العربية على رأسها مملكة آل سعود ودولة الإمارات، ليؤكد أن كُلّ مبادرات التطبيع لن تكون أكثر من حبرٍ على ورق، حيث أنّ شعوب تلك الدول هي من ترفض مُبادرات التطبيع، على الرغم من انصياع قادتها.
أكثر من ذلك؛ كان من الواضح تأكيد نصر الله على أنّ العسكري لتحالف العدوان على اليمن كان له أثر كبير على صفقة العار أو ما بات يُعرف بـ "صفقة القرن"، حيث أنّ صمود أنصار الله هناك أعطى دروسًا وعِبر لدول العدوان وعلى رأسهم أمريكا التي تُسيرّهم، وبات واضحًا لهم أنّ فشلهم الذريع في اليمن انعكس على القضيّة الفلسطينية وتلك الصفقة المشؤومة، فاجتماع دول عدّة على شعب فقير مُحاصر ولم يستطيعوا هزيمته، فكيف بهم بشعب فلسطين الذي يلقى الدعم من كافة شعوب الأرض ولو معنويًا كونه شعب يُدافع عن حقّه المُغتصب.
اليوم؛ وبعد أن رأى الكيان الإسرائيلي وبأمِّ عينه تعاظم قوّة محور المُقاومة، بدأ يُدرك الفشل الذريع الذي وصل إليه بعد محاولاته العديدة لضرب قوّة هذا المحور، ليتفاجأ أنّ كلّ غاراته على سوريا أتت بردّة فعلٍ عكسية وبدل أن يتراجع أو ينكفئ المحور إلى الخلف زادت قوّته وتوسّع انتشاره.
أمريكا أولًا
يعلم السيد نصر الله أنّ الشيطان الأكبر أمريكا هي العدو الأساسي لشعوب المنطقة، وأنّها الراعي الأساسي للكيان الإسرائيلي، وإنّه لولا أمريكا لما استطاع الاستمرار إلى الآن، ولهذا كان خطاب السيد نصر الله موجّهًا الشعوب العربية والإسلامية أن اعلموا من هو عدوّكم، وأنّ ما يُعرف بـ "إسرائيل" ليس أكثر من فزّاعة رعتها أمريكا لتخوّف بها شعوب المنطقة وحُكّامها.
ويبدو أنّ السّيد نصر الله أراد إيصال رسالة ليس فقط للعرب والمُسلمين، بل كانت رسالته الأوضح لمجاميع القوّات الأمريكية الموجودة في المنطقة، وتقول الرسالة التي فهمها الأمريكيون وبوضوح ارحلوا فنحن قادمون، وإنّ بقائكم في أرضنا لن يطول، خصوصًا بعد أن ارتكبتم أبشع جرائمكم باستهداف قادة المُقاومة وعلى رأسهم الشهيدان قاسم سلیمانی و أبو مهدي المهندس.
أما ماذا سيحدث في قادم الأيام؟، هنا السؤال الذي يدور في أذهان الكثيرين، والجواب أنّ الأمريكيون الذين خبِروا شعوب المنطقة جيدًا، يعلمون جيّدًا أنّهم لن يستطيعوا شحن توابيت قتلاهم إلى بلادهم، وإن فعلوا ذلك فهذا يعني سقوط أيَّ إدارة تحكم البيت الأبيض، كما وما تزال تجارب حرب المقاومة العراقية وحرب أفغانستان ومن قبلها الهزيمة النكراء في فيتنام حاضرةً في أذهان الشعب والقيادة الأمريكية، وبالطبع ما مِن أحدٍ هناك لا يُريد تكرار التجربة.
رهان الكيان الخاطئ
بنى الكيان في الفترة الأخيرة كافة خياراته على حربٍ مُحتملة بين إيران وأمريكا، لكن ساسة الكيان لم يتوقّعوا أنّ حربًا كهذه من المُستبعد قيامها، فلا مصلحة للراعي الأمريكي بحربٍ كهذه وهو الذي يعلم أن هذه الحرب أوّل ما ستأكله هو الاقتصاد الأمريكي، ولن يُقدم على حرب كهذه كُرما لعيون الكيان.
إذن؛ وكما يقول السيد نصر الله فإنّ الكيان الإسرائيلي وبعد أنّ علم أنّ لا طائل من انتظار حربٍ أمريكية إيرانية، لذلك بات يُحاول اللعب في الوقت الضائع؛ والاستفادة قدر الإمكان من وجود الحكومة اليمينة المُتطرفة في البيت الأبيض، وهو الذي يعلم أن ترامب لن يتمكن من البقاء في البيت الأبيض، وإنّ قدوم حكومة أخرى أيًّ كان شكلها أو رئيسها؛ فإنّ ذلك من شأنه إيقاف كافة مشاريعه الاستيطانية والتوسعيّة، وعندها ستتحول صفقة القرن إلى مُجردِ حبرٍ على ورق لا تساوي ثمن الحبر الذي كُتبت به.