الوقت- يعاني الجيش الأمريكي منذ فترة طويلة من مشاكل عديدة، وأحد التحديات الرئيسية التي تواجه الجيش الأمريكي هو إتساع نطاق الإبتذال والإنحطاط الأخلاقي في صفوف قوات الجيش. حيث باتت مشكلة السلامة النفسية والجسدية للجنود الأمريكيين، وخاصة الجنديات الأمريكيات، من أكثر القضايا إثارة للجدل فيما يتعلق بأمن الجنود الأمريكيين في وسائل الاعلام ومحاكم الولايات المتحدة، وخاصة الجنود المتواجدين في العراق.
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاغون، عن وجود 500 حالة اغتصاب حتى الآن في صفوف الجيش الأمريكي، بما في ذلك القوات الأمريكية المتمركزة في العراق وأفغانستان، لكن المسؤولين يعتقدون أن الرقم أعلى بكثير من هذا. وقال روجر كابلان المتحدث باسم البنتاغون ان "الاغتصاب الجنسي هو أكبر جريمة في الولايات المتحدة لا يتم الكشف عنها، وهذه الجريمة موجودة بين صفوف الجيش بالتأكيد".
نقطة ضعف الجيش الأمريكي
أصبح الجيش الأمريكي، الذي دخل الحرب مع بريطانيا العظمى عام 1775 من أجل كسب الاستقلال عن هذه البلاد، أداة رئيسية في فرض هيمنة البيت الأبيض بعد الحرب. وفي تاريخ الجيش الأمريكي البالغ 224 عامًا، أعدّت هذه المؤسسة العسكرية نفسها بمُعدات عسكرية كبيرة اضافة الى تقويم عناصرها العسكرية، حيث يخدم حاليًا حوالي 4 ملايين شخص في الجيش الأمريكي. ولهذا السبب فإن النفقات العسكرية لأكبر جيش في العالم هائلة جدًا بالتناسب مع حجمها الكبير، ولا يمكن مقارنتها بالدول الأخرى. ووفقًا لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام، زادت الميزانية العسكرية الأمريكية لعام 2018 بنسبة 4٪ مقارنة بالعام السابق، 2017، لتصل إلى 649 مليار دولار. هذا المبلغ مثير للإهتمام مقارنة بتكلفة البلدان الأخرى، حيث شكلت الولايات المتحدة وحدها 36 ٪ من الإنفاق العالمي في عام 2018.
للوهلة الأولى، يُتوقع أنه بالتوازي مع زيادة الإنفاق العسكري الأمريكي، أن يكون جنود أقوى دولة في العالم في ذروة صحتهم البدنية والعقلية. ومن المتوقع ايضا أن يكون للخدمات التي يتلقاها الجنود الأمريكيون، بما في ذلك خدمات الرعاية الاجتماعية والطبية والصحية، وما إلى ذلك، نتائج جيدة على رشاقة وتأهب القوات العسكرية الأمريكية واستعدادها للدخول في معارك صعبة، ولكن التقارير الرسمية الصادرة عن مؤسسات رسمية تشير الى وجود مشاكل تتعلق بالجيش الأمريكي، وهي ذات تأثير خطير على جسد القوات المسلحة الأمريكية.
إن قضية الفساد الأخلاقي بين الجيش الأمريكي لا تبدو غريبة بالنظر إلى انتشار هذه المشكلة في المجتمع الأمريكي، ولكن مع ذلك هناك قوانين معينة في هذا الصدد بين جميع جيوش العالم، بما في ذلك الجيش الأمريكي، وخاصة في مجال التعدي الجنسي، حيث تعُد جريمة في الأوساط المدنية والعسكرية. والنقطة هي أنه بالنظر إلى الابتذال الجامح الذي ينتشر في الثقافة اليانكية، فإن قضية الاغتصاب لا تقتصر على النساء، بل كانت هناك أيضًا تقارير عديدة عن حالات تعرض جنسي على الرجال من قبل حراس الأمن الأمريكيين.
وفي أواخر عام 2018، أفادت صحيفة الإندبندنت أن ثلثي النساء في الجيش الأمريكي قالوا إنهم تعرضوا لاعتداء أو تحرش جنسي أو مضايقة أثناء خدمتهم. وقال 68 بالمائة من النساء المشاركات بالاستطلاع، إنهن تعرضن للتحرش الجنسي و 66 بالمائة من حالات التحرش حصلت أثناء فترة عملهن. وقالت الصحيفة ان حوالي 6٪ من الرجال ايضا تعرضوا للتحرش الجنسي. وهذا أعلى بكثير من الأرقام الرسمية للبنتاغون، الذي يفيد ان 27 في المائة فقط من النساء يتعرضن للتحرش الجنسي أثناء خدمتهن العسكرية.
وفي تقريرها السنوي الصادر في أبريل 2018، أقر البنتاغون بأن التحرش الجنسي في الجيش الأمريكي زاد بنسبة 10 بالمائة تقريبًا في عام 2017، بينما يعتقد الخبراء الاجتماعيون أن إحصائيات البنتاغون أقل بكثير من التقارير الواقعية.
إن عمق هذه المأساة اخترق الساحة السياسية حيث عبّر عدد المشرعين الأمريكيين عن شجبهم لهذه الحالات. حيث اعترفت السناتور مارثا مكسالي، التي عملت في القوات الجوية لمدة 26 عامًا من 1984 إلى 2010 وتقاعدت برتبة عقيد، بأنها أثناء وجودها في القوات الجوية، تم اغتصابها من قبل ضابط عسكري كبير. وصرحت هذه المشرّعة أن سبب صمتها هو عدم الثقة بالنظام والشعور بالخجل والارتباك!
التقارير الرسمية عن الاغتصاب
في عام 2016 أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية، واحدة من أهم الإحصائيات الرسمية حول موضوع الاغتصاب في الجيش الأمريكي، اذ أصدر البنتاغون بيانا في ذلك الوقت أعلن فيه عن تجاوز حالات الاغتصاب أكثر من 6 آلاف حالة في صفوف الجيش الأمريكي. كما اعترف البنتاغون في بيان أنه في عام 2015 وحده، تم تسجيل أكثر من 6 آلاف حالة اغتصاب للجنود الأمريكيين في الجيش الأمريكي رسميًا. وقالت وزارة الدفاع في بيان لها إن عدد حالات الاغتصاب التي رصدتها الوزارة في عام 2016، مقارنة بالفترة 2012-2014 ، ارتفع إلى أكثر من 3،604 وهي إحصائية مثيرة للجدل.
وقال نت غلبرز، المستشار التنفيذي لمكتب البنتاغون لمكافحة الاغتصاب، خلال حديثه لوسائل الإعلام أنه "لا يتم إنزال عقوبات بحق المتحرشين في صفوف الجيش، ولهذا السبب تزداد احصائيات الاغتصاب في الجيش الأمريكي يومًا بعد يوم، لكن رغم ذلك سيتم التعامل مع الموضوع بلا شك.
وأضاف غلبرز أن أكثر من 40٪ من النساء في الجيش الأمريكي يقعن ضحايا للاغتصاب من قبل زملائهن، في حين بلغت حالات الاغتصاب التي تعرض لها الرجال في الجيش الأمريكي 10٪ ، ولكن في عام 2016 ارتفع هذا الرقم إلى 19٪ من إجمالي الحالات. وقالت وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاغون، في بيان لها إن 68 في المائة من حالات الاغتصاب في العام ارتكبت من قبل أصدقاء وزملاء في الجيش، وأن 38 في المائة منها ارتكبت بدافع الإنتقام.
من ناحية أخرى، تشير تقارير نُشرت عام 2019 تتعلق بالاغتصاب، إلى تزايد حالات الاغتصاب مقارنة بالفترة نفسها من عام 2018. وتشير التقديرات إلى أنه في عام 2019، كان هناك 6236 حالة اغتصاب في الجيش الأمريكي، في حين بلغت حالات الاغتصاب في عام 2018، 6 الاف و53 حالة. ورداً على هذه التقارير، قالت وزارة الدفاع الأمريكية إن زيادة 3٪ هذه لا تشير إلى ان جذور هذه المشكلة متعلقة بالجيش، وفي الوقت ذاته وصفت الاغتصاب بأنه جريمة.
وفي وقت سابق، شهدت أعوام 2016 إلى 2018 ، زيادة بنسبة 38 بالمائة في عدد حالات الاغتصاب، وتمكن البنتاغون من تقليل هذه النسبة الى 3 بالمائة بعد سنوات من الجهد والسعي. ووصف قائد الجيش الأمريكي رايان مكارثي في بيان له، ان حالات الاغتصاب التي تحدث في مختلف الفئات في الجيش هي بمثابة "حالات قتل" التي من شأنها أن تقوض أسس مؤسسة البنتاغون وتؤثر سلبا على استعداد البلاد لمواجهة الهجمات والعدوان.
وقالت معاون وزير الدفاع الأمريكي، اليزابيث فان وينكل في بيان "نحن ندرك بشكل جيد أن تكاليفنا العسكرية أخفقت في تحقيق الكثير، ليس فقط في استعداد المؤسسة العسكرية في أمور الدفاع، بل أيضا أخفقت بحق أمال كل أمريكي يتطوع لخدمة الوطن."
ويظهر تقرير صدر عام 2019، أن 20 ألف و500 حالة تحرش جنسي قد حدثت العام الماضي، وأكثر من 14 ألف و900 حالة في عام 2016. وفي الوقت نفسه، فإن الجنود الإناث الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و 24 عامًا هم الضحايا الأكثر عرضة للاغتصاب في الجيش الأمريكي، وأكثر من 85 بالمائة من الضحايا يعرفون المعتدين عليهم. فيما لعب استهلاك الكحول دورًا رئيسيًا في 62٪ من حالات الاغتصاب هذه.
وعلى جانب آخر، يشهد الوضع الأخلاقي في مؤسسات التدريب العسكري الأعلى في البلاد، إنحطاطا أخلاقيا أسوأ بكثير. وبحسب تقرير آخر صدر العام الماضي، ازدادت حالات الاغتصاب في الكليات العسكرية بنسبة 50 بالمائة. ووفقًا للإحصاءات، تم الإبلاغ عن 747 حالة تحرش جنسي في العام الدراسي 2017-2018، بزيادة قدرها 507 حالة مقارنةً بالعام 2015-2016. يأتي هذا في وقت تُضاعف فيه البنتاجون الإنفاق المالي لمواجهة حالات الاغتصاب في صفوف الجيش بنسبة أربع اضعاف.
تجاهل المسؤولين الأمريكيين
على الرغم من حالات الاغتصاب الواسعة النطاق في الجيش الأمريكي، يتجاهل المسؤولون الأمريكيون هذه العاهة الأخلاقية رغم إطلاعهم التام. وذكرت صحيفة ديلي ميل في وقت سابق، أن العديد من الإناث في صفوف العسكريين الأمريكيين اشتكوا من تعرضهن للاغتصاب الجنسي. ووفقًا للصحيفة، فقد رفعت النساء العسكريات دعاوى قضائية في المحكمة الأمريكية، متهمين البنتاغون بتجاهل الإحصائيات الصادمة لاغتصاب النساء في الجيش الأمريكي. ووفقا للصحيفة، تم اتهام إبرت غيتس ودونالد رامسفيلد، وزيري الدفاع الأمريكيين السابقين بتجاهل هذه الشكاوى، وأن هذه المؤسسة ارتضت العنف والاغتصاب ضد النساء، واكتفوا بمراقبة ومشاهدة التقارير. كما اعترفت صحيفة لوس أنجلوس تايمز في مقال بعنوان "الاغتصاب في الجيش الأمريكي" بأن الجيش الأمريكي يتجاهل شكاوى الاغتصاب والتحرش الجنسي ضد النساء.
كما كتب موقع شبكة سي بي اس الإخبارية في بيان بعنوان "ضحايا الاغتصاب في الجيش الأمريكي" ان الضحايا ليس لديهم أمل في متابعة قضاياهم، حيث يتم تجاهل معظم الحالات. وقال الموقع في أخر تقرير له حول التعرض الجنسي في الجيش الأمريكي أنه "على مدى السنوات العشر الماضية، تم تشكيل لجنة خاصة في الجيش الأمريكي لمعالجة هذه الادعاءات بالتحرش الجنسي". وأضاف أنه "كل عام يتعرض 26 ألف شخص للاعتداء الجنسي في الجيش الأمريكي".
تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من الإحصائيات التي نشرها البنتاغون حول التحرش الجنسي في الجيش الأمريكي ، يمكن التكهن أن الأرقام الواقعية ستمثل صدمة كبيرة فيما لو اُعلن عنها في المستقبل، حيث تستند الأرقام المعلنة فقط على تصريحات أولئك الذين تعرضوا للاغتصاب.