الوقت- بذلت حكومة السودان خلال السنوات الماضية الكثير من الجهود لرفع إسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب ولكنها كل مرة كان تصل إلى طريق مسدود وذلك بسبب رفض قادة البيت الابيض لجميع المطالب التي تقدمت بها الحكومة السودانية ولكن قبل عدة أشهر عقب الإطاحة بالرئيس السوداني السابق "عمر البشير"، ظهرت بارقة أمل لأبناء الشعب السوداني برفع أسم بلادهم من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وفي هذا السياق، ذكرت بعض المصادر الاخبارية أن الفريق أول ركن "عبد الفتاح البرهان" رئيس مجلس السيادة السوداني، بحث مع وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، ترتيبات رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وذكر مجلس السيادة السوداني، في بيان يوم أمس الاثنين، أن "البرهان" تلقى اتصالا هاتفيا من "بومبيو". ولفتت تلك المصادر إلى أن وزير خارجية الولايات المتحدة تناول مع الفريق "عبد الفتاح البرهان" ترتيبات رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والمساعدات الأمريكية للسودان في مجابهة جائحة "كورونا"، وموقف السودان من مشروع القرار المتوقع من مجلس الأمن الدولي بخصوص البعثة الجديدة إلى السودان، بجانب التعاون الأمني بين البلدين بالإضافة إلى الفترة الانتقالية والدعم المطلوب لها.
وعلى صعيد متصل، كشفت بعض وسائل الاعلام السودانية أن وزيرة خارجية السودان "أسماء عبد الله"، دعت في مارس الماضي، وزارة الخزانة الأمريكية إلى المساهمة في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو ما من شأنه حث البنوك والمؤسسات المالية على التعامل البنكي مع السودان وتسهيل التحويلات المالية، ما يسهم في دمج البلاد في النظام المالي الدولي وتسهيل الاستثمار. ولفتت تلك الوسائل الاعلامية إلى أن وزيرة الخارجية السودانية، استقبلت "مارشال بلينغيسا" مساعد وزير الخزانة الأمريكي المختص بالإرهاب والوفد المرافق له، حيث قدمت عرضا حول الأوضاع الاقتصادية بالسودان والإجراءات التي تتخذها الحكومة في سبيل الحد من معاناة المواطنين اليومية، كما استعرضت سير المفاوضات بين الحكومة والحركات المسلحة في جنوب السودان.
وعقب إنتهاء تلك الزيارة، ذكرت وزارة الخارجية السودانية أن مساعد وزير الخزانة الأمريكي لشئون الإرهاب، أشاد بالتغييرات الإيجابية التي شهدها السودان، ودوره في مكافحة الإرهاب، وأكد دعم الإدارة الأمريكية للفترة الانتقالية ونوه بأن الإدارة الأمريكية قامت فعلاً برفع العقوبات الإقتصادية المفروضة على السودان، ولكن وجود اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب هو الذي يحول دون تمكن السودان من إجراء التحويلات المالية مع المؤسسات المالية الدولية، معرباً عن أمله في أن يتم رفع إسم السودان من القائمة قريبا.
وعلى الصعيد نفسه، أكد "عمر قمر الدين" وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية، أن رئيس الوزراء السوداني "عبد الله حمدوك" التقى بوزير الخارجية الأميركي "مايك بومبيو"، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن في ألمانيا، الذي عقد قبل عدة أشهر ولفت "قمر الدين" أن هذا اللقاء يأتي ليعزز المؤشرات على قرب رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولا سيما بعد أيام من الكشف عن اتفاق قضى بدفع السودان تعويضات لمتضرري الهجوم على المدمرة الأمريكية "يو أس أس كول" وذكرت "قمر الدين"، أن موضوع شطب السودان من اللائحة كان الموضوع الرئيسي بين الرجلين.
أسباب إدراج أسم السودان في القائمة السوداء
الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة الأمريكية قامت بإدراج أسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب في عام 1993، ردا على استضافتها زعيم تنظيم القاعدة "أسامة بن لادن" عام 1991، قبل أن يغادر الخرطوم عام 1996، تحت وطأة ضغوط أمريكية على الحكومة السودانية. ويرى خبراء أن الدوافع التي تم الاستناد إليها في وضع الخرطوم بهذه القائمة سيئة السمعة، تتمثل في إيواء العديد من قادة التنظيم الإخواني الذين ورطوا السودان في العديد من العمليات الإرهابية والاغتيالات. ويقول مختصون بمجال مكافحة الإرهاب والتطرف، إن دوافع تصنيف الخرطوم كدولة راعية للإرهاب في منتصف التسعينات تتمثل في أن نظام "البشير" سن سياسة رحب بمقتضاها بالعناصر الراديكالية، وكذلك المطلوبين دوليا من قبل حكومات بلدانهم والمقاتلين الفارين من العدالة والملاحقين المتورطين في عمليات إرهابية.
وحول هذا السياق، يقول "الهادي الأمين" المتخصص في دراسات الإرهاب والتطرف، إن الدولة السودانية استقبلت "أسامة بن لادن" ومرافقيه المتطرفين وأوت المئات من الإرهابيين حول العالم وأصبحت وقتها الملاذ الآمن والحاضن لهؤلاء المتطرفين من جنسيات أسيوية وافريقية. ويشير "الأمين" إلى تحول السودان أيام حكم الإخوان إلى دولة مقر للإرهابيين وكذلك ممر لبلدان أخري كالصومال، إضافة لإقامته علاقات مريبة مع عدد من الفصائل المتطرفة في عدد من البلدان، الأمر الذي هدد الأمن والسلام العالمي.
إمكانية رفع أسم السودان من القائمة السوداء
لقد اكتسبت مساعي السودان للخروج من القائمة السوداء الراعية للإرهاب التي وضعتها الولايات المتحدة قبل عدة عقود، زخما كبيرا منذ الإطاحة بنظام "البشير"، وذلك عبر زيارات متبادلة بين الخرطوم وواشنطن، شملت وفودا رسمية أمريكية وأعضاء الكونغرس، وكبار المسؤولين السودانيين ورغم هذه الزيارات بقي السودان ضمن القائمة السوداء، ولم يحدث أي اختراق في هذه القضية حتى الآن ولكن كثير من الخبراء أرجعوا عقد لقاء بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق "عبد الفتاح البرهان" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، في العاصمة الأوغندية قبل عدة أشهر، لطموح السودان إلى رفع اسم بلاده من القائمة الأمريكية للإرهاب.
وفي هذا الصدد، ذكر الدبلوماسي الأمريكي "جون ناوث" أنه من الصعب تصور أن يزور رئيس وزراء دولة ما واشنطن، وأن يتواصل وزير الخارجية الأمريكي مع حاكم تلك الدول إذا كانت هناك نية لإبقاء تلك الدولة في قائمة الإرهاب الأمريكية. وأضاف "أنه يحق للرئيس أن يسمي دولة ما راعية للإرهاب، ويستطيع كذلك أن يشطب ويُخرج دولة من القائمة". وذكر "ناوث" أن هناك تريثا بواشنطن في قضية رفع اسم السودان من قائمة الدول الإرهابية، لكن التطورات الأخيرة ومنها رغبة السودان في تطبيع العلاقات مع إسرائيل قد تعجل هذه الخطوة. وأكد هذا الدبلوماسي الأمريكي على أن بعض الدول العربية التي لها مصالح واسعة في السودان مثل المملكة العربية السعودية، تضغط على البيت الأبيض للإسراع برفع السودان من القائمة، وبلا شك سهل اللقاء الأخير بين "البرهان" و"نتنياهو" مهمة هذه الضغوط.
ومن جهته، يرى "كاميرون هادسون" الخبير في الشؤون الأفريقية بالمجلس الأطلسي، أن هناك فرصة للحديث عن شطب السودان من القائمة. وذكر "هادسون" في تغريدة له أن "زيارة وزير الخارجية بومبيو هذا الشهر إلى السعودية وإثيوبيا تمثل فرصة للاستماع إلى جيران السودان المباشرين حول التطور الحادث في السودان". وفي الختام يمكن القول أن الولايات المتحدة سوف توافق على شطب أسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إذا قدمت هذه الاخيرة الكثير من التنازلات السياسية والاقتصادية وقامت بتطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني.