الوقت - في خضم أزمة كورونا على مستوى العالم والتي أوجدت نطاقاً واسعاً من الركود والضغوط النفسية والسياسية ، بدأ تنظيم داعش الإرهابي تحركات جديدة على الحدود العراقية السورية، والتي يمكن وصفها بأنها حقبة جديدة من رد الفعل السياسي لهذا التنظيم. على الرغم من أنه في بداية الأمر يبدو ان تنظيم داعش يخطط لاستغلال أزمة كورونا كفرصة لإحياء نفسه ، لكن الحقيقة هي ضرورة متابعة فرضيات جديدة وراء عودة هذا التنظيم.
مؤامرة واشنطن الجديدة في العراق
لقد أعلن الأمريكيون مؤخرا بضجة كبيرة عن الإخلاء والانسحاب من عدة قواعد صغيرة في العراق. وجرى لاحقًا الاعلان أن الغرض من إخلاء القواعد كان تجميع قوات ما يسمى التحالف ضد داعش في قواعد عين الأسد العسكرية في محافظة الأنبار وناحية الحرير في محافظة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق.
واستمراراً للعملية الدعائية لوسائل الإعلام اعلن الامريكيون أن أمريكا لديها أهداف عدوانية في العراق وتعتزم زيادة قدراتها العسكرية في قاعدتي عين الأسد والحرير العسكريتين لإبقاء نفسها بعيدة عن المخاطر من جهة. ومن جهة أخرى لتتمكن من استهداف مقار الحشد الشعبي. كما نشر الأمريكيون منظومة باتريوت ومنظومة سيرام C-RAM في هاتين القاعدتين العسكريتين.
تم اعادة عرض كل هذه الأحداث بطريقة تجعل أمريكا تتبع نهجاً عدوانياً، لكن ترتيب قُطع المواقف السياسية لقادة هذا البلد على مدى السنوات القليلة الماضية يظهر أن هناك محاولة تبذل للحفاظ على الوجود العسكري في العراق والتأثير على تطورات هذا البلد المهمة في المنطقة الذي لعب دور جسر اتصال محور المقاومة. على وجه الخصوص ، ربط طهران عن طريق البر بدمشق. إن أهمية قطع محور الاتصال هذا هو أمر استراتيجي للغاية بالنسبة للبيت الأبيض لدرجة أن القوات الأمريكية قصفت مراراً وتكراراً مواقع محور المقاومة والجيش السوري في البوكمال ومنطقة القائم الحدودية اثناء جهودها للقضاء على داعش في الحدود العراقية السورية، وحتى في والوضع الحالي تتم معظم الهجمات الأمريكية على فصائل المقاومة العراقية في هذه المناطق.
من المؤكد أن عودة ظهور داعش وتصاعد انعدام الأمن في العراق سيزيد ، أولاً وقبل كل شيء ، من موقف البيت الأبيض لتبرير وجوده في العراق ، ومن ناحية أخرى ، يمكن لمسألة طرد القوات الأمريكية ان تخرج لبعض الوقت من اهداف فصائل المقاومة والشعب العراقي من خلال اشغال الحشد الشعبي بمحاربة داعش.
أمريكا المتهم الرئيس بإحياء داعش
على مستوى آخر، في المرحلة الراهنة على المستوى السياسي العراقي ، اتجهت أغلبية الانظار ووجهت الاتهامات نحو الأمريكيين، ويعتقد الجميع أن واشنطن تبحث عن استراتيجية إحياء داعش بعد الفشل المتكرر في مشهد المعادلات الميدانية. وفي هذا الصدد ، أعلن قصي الأنباري ، رئيس مكتب منظمة بدر في محافظة الأنبار ، عن تحركات أمريكية جديدة على الحدود العراقية السورية ، ولفت الى تفعيل دوريات أمريكية على الحدود السورية العراقية في الأيام القليلة الماضية. والتحرك في مناطق "البوكمال" السورية و"الربيعة" العراقية.
وأشار الأنباري إلى أن هذه التحركات تتماشى مع محاولة أمريكا خلق انعدام الأمن على الحدود ، وكذلك توفير الفرص لأنشطة داعش الإرهابية في الأنبار.
كما قال مهند العقابي مدير المكتب الإعلامي للحشد الشعبي لقناة "الميادين": "بعد ارتكاب جريمة اغتيال الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس تشعر واشنطن بضرر كبير، ويبدو أنها اعطت هذه التعليمات الى الجماعات الإرهابية إلى البدء بالتحرك في المشهد العراقي".
الجميع يقول "كلا" لواشنطن
يظهر الوضع الميداني في التطورات السياسية العراقية بوضوح أن الأجواء المعادية جداً لأمريكا طغت على المشهد السياسي والحكم في العراق. وفي هذا الشأن ، نرى أن اخراج القوات الأمريكية تحوّل الى شرط مسبق لجميع الذين يكلفون من قبل الرئيس برهم صالح لتشكيل الحكومة. وفي هذا الصدد ، أكد سعد السعدي ، أحد قادة تحالف فتح ، أن إحدى أهم مهام رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي ، بعد حصوله على الثقة ، هي تنفيذ قرار البرلمان بطرد جميع القوات الأجنبية من العراق. في الواقع ان قرار البرلمان هو أحد أهم الشروط التي ينبغي للكاظمي ان ينفذها لانتخابه رئيساً للوزراء.
في الحقيقة ، تعتقد الفصائل السياسية العراقية الآن أن قرار البرلمان العراقي بطرد القوات الأمريكية ملزم ، وأنه لا يمكن لأي رئيس وزراء سواء أكان الكاظمي أم أي شخص آخر ، بأن لا يطبقه. هذا القرار مُلزم للحكومة العراقية ، خاصة وأنه يحظى بتأييد شعبي واسع النطاق.
ماذا تريد أمريكا؟
تحدث التحركات الأمريكية المشبوهة على الحدود العراقية السورية بعد ان اتهمت روسيا وسوريا في وقت سابق أمريكا بإرسال معدات حربية للإرهابيين في هذه المنطقة بحجة ارسال المساعدة الإنسانية لمخيم الركبان على الحدود السورية العراقية. يقترب ادعاء موسكو من الواقع في الوقت الذي شهد فيه الأسبوعان الماضيان تكثيف قوات داعش هجومها ضد القوات العسكرية العراقية وحتى انها الحقت بها خسائر على عدة جبهات.
ونظرا الى ما سبق ، يمكن تحديد ثلاثة أهداف رئيسة فيما يتعلق بأسباب أمريكا لإحياء داعش:
1. في البداية يريد الأمريكيون استمرار الأزمة السياسية والأمنية في العراق. مع اقتراب الفصائل السياسية العراقية من تعيين رئيس وزراء جديد ، يبدو أن واشنطن واثقة من أنه سيُطلب منها قريباً مغادرة العراق. لذلك ، فإن الأزمة الوحيدة التي يمكن أن تؤخر هذا الطلب في هذه المرحلة هي إعادة تنشيط الجماعات الإرهابية وعلى رأسها داعش.
2. ينوي الأمريكيون البقاء في العراق لفترة أطول بحجة إحياء داعش في العراق. ويمكن أن تظل ذريعة مواجهة داعش ، كما كانت في الماضي ذريعة لواشنطن، وأداة عملية في المرحلة الجديدة.
3. إن الهدف الأمريكي الأكبر من إحياء داعش مرتبط بنطاق أبعد من العراق ، وهذا يعني أن واشنطن تسعى لإبقاء منطقة غرب آسيا في أزمة من خلال إعادة دعم الجماعات الإرهابية من جهة ، ومن جهة أخرى، استخدم هذه المجموعات للضغط على اعدائها ومنافسيها في المنطقة.