الوقت-تستمر السياسة الخارجية الأمريكية في ممارسة سياستها حول فرض العقوبات على الرغم من الأزمة العالمية لتفشي فيروس كورونا، التي أثرت على جزء كبير من العالم، بما في ذلك أمريكا، لكن ما زالت الأخيرة تواصل فرض ضغوط سياسية واقتصادية على الدول المعارضة لأمريكا، وخاصة إيران.
وفي أحدث إجراء لوزارة الخارجية الأمريكية، تم فرض عقوبات على العديد من الكيانات والشركات في جنوب إفريقيا وهونغ كونغ والإمارات وثلاثة مواطنين إيرانيين ضمن قائمة العقوبات الأمريكية المعادية لإيران. وزعم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في نفس اليوم الذي اُعلن فيه عن ارتفاع عدد المصابين بفيروس كورونا في البلاد الى اكثر من 5000 حالة، ان ثلاثة مواطنين إيرانيين، إلى جانب عدة شركات في بعض البلدان، تم ضمهم لقائمة العقوبات بسبب علاقتهم ببيع منتجات بتروكيماوية إيرانية.
المواطنون الأمريكيون ضحايا السياسات العدائية لإيران
يُظهر إعلان واشنطن عن عقوبات معادية لإيران تزامنا مع تفشي فيروس كورونا في أمريكا، أنه حتى المواطنون الأمريكيون باتوا ضحية لسياسات ترامب العدائية لإيران. وفي الواقع، في ظل الظروف التي أصبح المواطنون الأمريكيون بأمس الحاجة الى اهتمام والتفات الحكومة الى أزمة تفشي وانتشار الفيروس، يغض البيت الأبيض النظر عن الوضع الداخلي المتأزم ويقوم تارة أخرى بفرض عقوبات جديدة تتعلق بالملف الإيراني.
في حين تَكَهّن العديد من الخبراء ان تفشي كورونا في أمريكا قد يكون أشد سوءاً وضراوة قياسا بالعديد من الدول الأخرى. حيث نقلت صحيفة فايس عن خبراء الصحة الأمريكيين قولهم ان تفشي هذا الفيروس في أمريكا قد يكون أشد ضررا من ايطاليا.
وصرّح التدريسي في مجال معالجة بيانات الكمبيوتر البيولوجية في جامعة كولدج في لندن لهذه الصحيفة: ان حالة أمريكا حالة استثنائية ولهذا السبب من الممكن ان يزداد الأمر سوءا في أمريكا، كما أن امريكا متأخرة جدا في مجال أخذ فحوصات كورونا للمصابين. لهذا السبب لا نعلم كثيرا عن مدى تفشي هذا الفيروس في البلاد، لأن فحوصات الفيروس لم تأخذ دورها بشكل واسع ولا نعلم ان كان التفشي على مستوى مناطق ومدن محدودة، ام على مدى جغرافي واسع بحيث لا يجدي معها حجر مدينة او منطقة بالكامل. والعامل الآخر من وجهة نظر هذا التدريسي الجامعي، هو عدم توفر تأمين صحي لكثير من المواطنين.
وفي أمريكا، لا ينعم العديد من الموظفين والعمال بإجازات صحية دون انقطاع المرتب الشهري. قد يمنح بعض أرباب العمل بشكل طوعي إجازة لموظفيهم ولكن لا يوجد في قانون العمل في أمريكا ما ينص على ذلك. كما لا يتضمن قانون العمل الأمريكي إجازة قبل الوضع وبعد الأمومة للموظفين. لهذا السبب يتوقع فرانسوا بولو ان العديد من الموظفين والعمال الأمريكيين سيواصلون عملهم ووظائفهم مخفين مرضهم واصابتهم بالفيروس، الأمر الذي سيؤدي الى تفشي هذا الفيروس اكثر.
ان انعدام نظام تأمين صحي عام في الولايات المتحدة هو عامل آخر من وجهة نظر بولو يساعد على زيادة شدة الوباء في البلاد. في حين يفتقر أكثر من 20 مليون مواطن أمريكي لشموله بأي نظام تأمين صحي، وقد تتحمل هذه الطبقة من المجتمع، تكاليف باهظة تقارب الـ 100 دولار أمريكي لكل مراجعة للعيادات الطبية.
حتى أن قسم كبير من المواطنين الذين يتمتعون بتأمين صحي خاص أو تأمين صحي جماعي عن طريق أرباب عملهم، عليهم دفع جزء من تكاليف العلاج. ويرى السيد بولو ان هذين العاملين من شأنهما منع العديد من الأمريكيين من مراجعة العيادات والمراكز الصحية بالإضافة الى ارتفاع احتمالات الموت وانتشار الفيروس بينهم. وهي ذات العوامل التي اذا وصل مستوى تفشي الفيروس في أمريكا الى مستوى تفشيه في ايطاليا وايران، من شأنها أن تزيد من أعداد المتوفين جراء هذا الفيروس في البلاد أكثر من هذين البلدين.
مطالب دولية لرفع العقوبات غير الإنسانية الأمريكية تزامناً مع تفشي المرض
إن تفشي هذا المرض في العالم يتطلب جهوداً ومكافحات عالمية. ما يعني ان تفشي الكورونا في بلد ما، يتطلب تعاوناً عالمياً لمواجهة هكذا أزمة. لهذا فإن تفشي الفيروس في ايران وبقية دول العالم أثار قلق الدول الأخرى وتسعى العديد من الدول الأخرى للتعاون من أجل منع تفشي الفيروس بشكل أكبر.
وطالب الرئيس الباكستاني عمران خان، اليوم الماضي، أمريكا برفع العقوبات عن ايران لمواجهة تفشي المرض في ظل المأزق الصحي الحالي. كما طالبت بعض الشخصيات في الجمهورية التركية ايضا، أمريكا برفع العقوبات عن ايران.
وعلى الرغم من هذا، تجاهلت أمريكا هذه المطالبات الدولية وفرضت يوم أمس عقوبات على شخصيات ايرانية تتعلق بصناعة البتروكيمياوات وأظهرت مرة أخرى انها تفضل التعامل بعدوانية وبأسلوب سياسي تجاه ايران، على حل النزاعات، حتى في ظل هكذا ظروف متأزمة التي تهدد الصحة العالمية.
كيف بإمكان العقوبات الأمريكية منع مواجهة الفيروس؟
طالب المسؤولون الإيرانيون تزامنا مع تفشي فيروس كورونا، رفع العقوبات من أجل الحد من انتشار الفيروس ومواجهته، على الرغم من تجاهل واشنطن لهذا الطلب. ومن جانب آخر زعم البيت الأبيض ان العقوبات الأمريكية على ايران لا تشمل المستلزمات الطبية والصحية والمنتجات الزراعية، لكن هذه التصريحات ليست سوى مزاعم لا أساس لها، وعمليا تستهدف العقوبات الأمريكية جميع الجوانب الإنسانية لايران.
وهذا يعني اذا كان قانون العقوبات الأمريكي ضد إيران لا يمنع الأخيرة من بيع وشراء المستلزمات الطبية والعلاجية والمنتجات الإنسانية، لكن عمليا وعلى ارض الواقع ليس بالإمكان ايصال هذه المستلزمات الطبية الى ايران، لأن من جانب، ليست هنالك إمكانية لنقل أموال شراء هذه المستلزمات، كما ان البنوك والمصارف الأوربية والغربية وحتى بعض البنوك الأسيوية تمتنع عن التعامل المصرفي مع ايران بسبب مخاوفهم من فرض عقوبات أمريكية عليهم، حتى اذا كانت هذه المعاملات لأجل شراء مستلزمات إنسانية.
ومن جانب آخر، لا توجد امكانية نقل البضائع والمستلزمات الى إيران بسبب العقوبات الأمريكية أحادية الجانب، وقد أوقفت شركات تأمين النقل عملها مع ايران بسبب تهديدها من قبل أمريكا.
لذلك على رغم مزاعم السلطات الأمريكية بعدم وجود عقوبات على البضائع والمستلزمات الإنسانية لإيران، لكن عمليا هذا الأمر متوقف ولا يمكن شراء هكذا مستلزمات ونقلها الى ايران بسبب العقوبات البنكية والمصرفية والعقوبات على النقل، وان ادعاءات البيت الأبيض حول عدم وجود عقوبات على المستلزمات الإنسانية هي شعارات لا طائل منها بالإضافة لكونها غير عملية على ارض الواقع. لذلك تعد هذه الظروف والعقوبات الأمريكية المفروضة على ايران، من أهم عقبات مواجهة الفيروس في ايران الذي يأخذ بالاتساع على مستوى الصحة العالمية.