الوقت-توجه رئيس الوزراء اليوناني كرياكاس ميتسوتاكيس إلى المملكة العربية السعودية قبل ايام عديدة، وبعد لقاء جمعه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، سافر الرئيس إلى الإمارات العربية المتحدة قبل يومين للقاء محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي والقائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة في أبو ظبي. ويسعى رئيس الوزراء اليوناني خلال هذه الزيارات، إلى تجربة حظه في الضغط السياسي على أنقرة في جبهة الدول العربية.
زيارات رئيس الوزراء اليوناني
لقد تكررت مشاكل اليونان التاريخية والجيوسياسية في العامين الماضيين. هذا ووقّعت تركيا وحكومة الوفاق الوطنية الليبية اتفاقية شراكة نفطية وبحرية وأمنية في منتصف ديسمبر الماضي، وأثارت هذه الاتفاقية رد فعل عنيف من اليونان. وتضم هذه الاتفاقية جزئين: أحدهما يتعلق بالانقسامات البحرية بين تركيا وليبيا في البحر المتوسط والثاني حول تطوير التعاون الأمني والعسكري بين الجانبين. وفي هذا السياق، اظهرت كل من إسرائيل واليونان وقبرص ومصر امتعاضها حول الاتفاقية، ولكن رد الفعل اليوناني كان أشد.
ولكون المياه الإقليمية بين تركيا واليونان في البحر الأبيض المتوسط لم تتحدد بعد، والانقسامات البحرية في ليبيا وتركيا تهدد وجود جزء من الجزر اليونانية، لذلك استدعت اليونان السفير الليبي أولاً ثم طردته من أثينا في وقت لاحق.
لا تتمتع اليونان بالثروات والقوة العسكرية لمواجهة تركيا في الأزمة الجيوسياسية الأخيرة، لذا فهي تسعى إلى زيادة الضغط السياسي والأمني على أنقرة من خلال إجراء تحالف في البحر الأبيض المتوسط مع مصر والكيان الصهيوني. وفي أعقاب توتر العلاقات التركية السعودية حول موضوع دعم أنقرة لقطر وقضية خاشقجي، تسعى المملكة العربية السعودية إلى التأثير في شرق البحر الأبيض المتوسط للضغط وفرض الحصار الأمني على تركيا.
هذا وزار وزير الخارجية السعودي إبراهيم العساف قبرص في أواخر سبتمبر. وقال وزير الخارجية السعودي في خطاب استفزازي حول شمالي قبرص "الأتراك": أن الرياض تدعم شرعية قبرص وسيادتها. "في اشارة الى النزاع القبرصي التركي بشأن شمال قبرص. ووصفت قناة سي إن إن الفضائية هذه الخطوة بأنها "صاروخ دبلوماسي" من الرياض إلى أردوغان، لذلك تسعى اليونان والمملكة العربية السعودية إلى استغلال تقاربهما السياسي ضد تركيا.
نتائج زيارات رئيس الوزراء اليوناني
ركزت اليونان في بداية عملها على الإضرار بمنشآت النفط السعودية. وكانت صحيفة كاثيميريني اليونانية قد ذكرت في وقت سابق أن الرياض وأثينا اتفقتا على نشر صواريخ باتريوت الأمريكية المملوكة من قبل القوات الجوية اليونانية في الأراضي السعودية. في حين لا يزال رئيس الوزراء اليوناني يتعرض لانتقادات حقيقية.
وقال النائب في البرلمان اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس، منتقداً رئيس الوزراء والحكومة: "كان من المقرر بيع 300 الف قطعة من الصواريخ والأسلحة العسكرية الأخرى إلى المملكة العربية السعودية مقابل 66 مليون يورو، أولاً وقبل كل شيء لماذا لم يتم ايداع هذا المبلغ الى الان في خزانة الحكومة، وثانياً، تقول المملكة العربية السعودية إنها كانت ستشتري 100 الف صاروخ ، فما البلد الذي بيعت اليه الـ200 الف صاروخ الأخرى واين ذهبت أموالها ؟ "
وذكرت بعض وسائل الإعلام اليونانية أن بيع الـ66 مليون يورو للسعودية لم يتم تنفيذه أبدًا لأن المملكة العربية السعودية رفضت دفع المبلغ المتفق عليه في الوقت المحدد. ومن ناحية أخرى، عقب زيارة رئيس الوزراء اليوناني إلى الرياض، قال المتحدث باسم الحكومة اليونانية ستيليوس بوتاس إن اليونان سلمت بطاريات باتريوت إلى المملكة العربية السعودية لاستخدامها لتأمين منشآت الطاقة لديها. وقال في اشارة الى زيارة ميتسوتاكيس الى الرياض: "نوقشت على وجه التحديد القضايا الجيوسياسية المتعلقة بالمنطقة والاستفزازات التركية وتزويد بطاريات باترويت اليونانية للسعودية لحماية البنية التحتية المهمة للطاقة." في حين وصفت بعض الاحزاب اليونانية هذه الخطوة من قبل رئيس الوزراء بأنها مغامرة خطيرة.
ورافق ميتسوتاكيس خلال زيارته الى الرياض، وزير التنمية والاستثمار سبيريدون جورجيازس، لجذب الاستثمارات السعودية الى اليونان، بالاضافة الى تمهيد ارضية طويلة المدى للتواجد السعودي في اليونان وشرق البحر المتوسط. ويبدو ان السعودية تتعامل بتحفظ مع اليونان بسبب انها ترغب تستمر بمنافسة تركيا في اليونان بضوء خافت وان هذه الزيارة لم تنعكس بالمستوى المطلوب في الإعلام السعودي.
إلا أن الإمارات العربية المتحدة أظهرت تحفظا قليلا تجاه الموضوع. كما شاركت الإمارات العربية المتحدة في مناورة جوية مشتركة مع اليونان والتي شارك فيها ايضا الكيان الصهيوني في ابريل الماضي. واستقبل بالأمس ولي عهد ابو ظبي الأمير محمد بن زايد، رئيس الوزراء اليوناني وقال: "ان زيارته حصلت في وقت هام جدا ولها أهمية خاصة".
واتفق الجانبان في هذا اللقاء على تشكيل لجان تعاون مشتركة لطلب شراكة استراتيجية شاملة في المستقبل، كما تم مناقشة الملف الليبي.
تدرك الإمارات العربية المتحدة الضغوط التي تمارسها اليونان على تركيا في ليبيا وتسعى لاستخدام اليونان لمصلحتها الخاصة في ليبيا. وبعد طرد السفير الليبي من اليونان، اتجه وزير الخارجية اليوناني دندياس الى بن غازي الليبية والتقى بالخليفة حفتر. وقبل أيام قليلة من مؤتمر برلين حول ليبيا، التقى حفتر مع المسؤولين اليونانيين في زيارة سرية إلى اليونان.
وأشارت وكالة الأنباء اليونانية ANA-MPA إلى هذه الزيارة السرية. قد يكون وجود مصر بجانب اليونان في البحر الأبيض المتوسط بمثابة حافز لدعم الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لليونان ولكن نظرا الى ان اليونان وتركيا عضوان في الناتو، ومن ناحية اخرى تمتلك تركيا يد عليا في شرق البحر المتوسط، تعتبر السعودية والامارات اي تدخل عسكري في شرق البحر المتوسط شكل من اشكال المغامرة والمخاطرة.
على الرغم من أن اليونان تسعى لتحقيق مكاسب سياسية من هذه الزيارات ضد تركيا، فإن إصرار رئيس الوزراء اليوناني على كسب دعم الرياض وأبو ظبي، يدفع في الواقع أثينا للعب على أرض هذين البلدين.