الوقت- لم تشهد تركيا على طول تاريخها السياسي ما تشهده اليوم من فوضى وإنعدامٍ في الإستقرار نتيجةً لسياسات حزب العدالة والتنمية. فأردوغان لم يقبل واقع الشراكة الذي أفضت إليه الإنتخابات السابقة، ساعياً لإنتخاباتٍ مبكرة لعلها تُلغي النتائج المُرة التي منعته من تحقيق الغالبية النيابية وأدخلت المعارضة للشراكة في الحكم. لكن يبدو أن السياسة الإنتخابية لأردوغان تقوم على إضعاف الحلفاء وصولاً للإنقلاب عليهم، كما تعتمد على معاقبة الخصوم ووصفهم بالإرهابيين. في ظل وضعٍ يزداد تعقيداً قد يصل بتركيا الى حالٍ مُزرية سياسياً وأمنياً. فماذا في المشهد التركي اليوم؟ وكيف يمكن قراءته في ظل سياسة أردوغان مؤخراً؟ وما هي التوقعات والدلالات؟
قراءة سريعة في سياسة أردوغان مؤخراً:
بعد أن تعذَّر تشكيل حكومة إئتلافية، تذهب تركيا الى انتخابات مبكرة ستجري في الأول من تشرين الثاني المقبل. وهو الأمر الذي على ما يبدو أن أردوغان سعى للوصول إليه عبر إفشاله تشكيل الحكومة والذهاب لإنتخاباتٍ مبكرة أطلق عليها بحسب ما أوردته الصحافة التركية تسمية "إنتخابات الإعادة". محاولاً توجيه رسالةٍ للمعارضة مفادها أن الإنتخابات السابقة التي نجحوا فيها باطلة بإعتباره.
وفي ظل سعي حزبه للتحضير للإنتخابات المقبلة، يهدف أردوغان للحصول على نواب إضافيين ليبلغ من جديد الغالبية المطلقة أي 276 نائباً والتي خسرها في انتخابات السابع من حزيران الماضي. لكن تصريحات أردوغان أظهرت أنه يقامر بالإستقرار الداخلي لتحقيق ذلك، إذ أنه أعلن قبل أيام، أنه على المواطن التركي أن يختار بين الفوضى أو استمرار الإستقرار عبر عودة حزب العدالة والتنمية منفرداً الى السلطة. وهنا يقول المراقبون إن أردوغان أصبح يجاهر بتحويل البلاد إلى ساحةٍ من التوتر السياسي والصدام العسكري لا سيما مع الأكراد في حملةٍ من التصعيد وإغراق البلاد في فوضى وتوترات في ظل تعدديةٍ سياسية متنوعة التوجهات. والهدف من ذلك محاولة إقناع الشعب التركي أن الوضع السياسي الحالي لا يمكن أن يستقر في ظل شراكةٍ في الحكم، بل يجب تفرد حزب العدالة والتنمية بالسلطة.
وعلى صعيد العلاقة بالأطراف السياسية في الداخل التركي، لم يكتف أردوغان بالحرب على الأكراد والمعارضة، بل يسعى لإظهار نفسه حريصاً على الحقوق القومية للأتراك، من خلال تعزيز خطابه القومي محاولاً بذلك منافسة الحركة القومية. وهو الذي لم يتوقف عن محاولة إشغالها بمشكلات تنظيمية داخلية، لعله بذلك يخطف أصواتاً إضافية لصالح حزب العدالة والتنمية. أما على صعيد العلاقة بالخصوم فيجب الوقوف عند أحد الأمور الخطيرة التي يمكن قراءتها في المشهد التركي والتي تؤثر سلباً على الإستقرار والوضع الداخلي، وهو الترويج للحرب على حزب العمال الكردستاني ووضعه في خانة الحرب على الإرهاب الى جانب تنظيم داعش الإرهابي. فأردوغان لم يكتف بالترويج الإعلامي، بل تزامن ذلك مع التحرك القضائي ضد الأكراد حيث أعلن مؤخراً الإعلام التركي عن إلقاء القبض على عدد كبير من رؤساء البلديات المؤيدين لحزب الشعوب الديموقراطي في جنوب شرق تركيا، وهو ما يقول مراقبون إنه يهدف للضغط على الحزب الكردي قضائياً. في وقتٍ يجد فيه البعض أن أردوغان يسعى لمعاقبة الحزب الديمقراطي الذي يُعتبر السبب في فقدان حزبه للأصوات. وبناءاً لما تقدم، كيف يمكن ربط الأحداث وتحليل الدلالات؟
توقعات ودلالات:
إن الخطر الحقيقي يكمن اليوم في حال جرت الإنتخابات النيابية المبكرة، ولم يستطع حزب العدالة والتنمية نيل الغالبية المطلقة. مما سيؤدي إلى بقاء حكومة الإنتخابات الحالية في السلطة بمشاركة الأكراد، وهو ما سيحصل خصوصاً إذا فشلت الأحزاب في تشكيل حكومة إئتلافية. لكن إستطلاعات الرأي بحسب الإعلام التركي تُشير الى سخطٍ شعبي من هذه السياسات، لأن المواطن التركي يرى أنه يمكن تشكيل حكومةٍ ائتلافية اليوم مع حزب الشعب الجمهوري لو لم يسعى أردوغان لمنع حصول ذلك عبر إدخاله البلاد في حساباتٍ سياسية شخصية. إذ يُشير المراقبون إلى أنه من الواضح قيام أردوغان بالسعي لإنتخابات مُبكرة لا لحاجةٍ لها أو عدم القدرة على تشكيل حكومة، بل لأنه يريد التفرد بالسلطة وهو ما يمكن أن تكون الإنتخابات المبكرة فرصته. لكن يسأل المحللون، أنه في ظل عدم ضمانة تحقيق حزب العدالة والتنمية للفوز بالغالبية، فهل تستحق حسابات أردوغان الشخصية التضحية بإستقرار البلاد؟ فيما يستحيل على أردوغان وحزبه التفرد بالحكم، في ظل وضعٍ يحتاج للتوافق بين جميع الأفرقاء.
النتيجة:
إذن، فعلى الرغم من سعي أردوغان لتحقيق نتائج مضمونة في الإنتخابات إلا أن الواقع السياسي التركي اليوم لم يعد كما كان من قبل. فنجاح هذه الرهانات ليس محسوماً بل قد يأتي بنتائج عكسية. لذلك فإن تركيا تذهب اليوم الى انتخابات مبكرة في ظل حرب مفتوحة مع الأكراد، في وقتٍ كانت الإنتخابات تجري دائماً في ظل وقف للنار أو هدنة بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني. كما أن الوقائع أظهرت مُسبقاً أن الضغط على الأكراد لا يعني استسلامهم بل يعني بالنتيجة تكتُّلهم أكثر، مما سيُفضي لخسارة أردوغان للمزيد من أصواتهم. فإتهام أردوغان للحزب الكردي أي حزب الشعوب الديمقراطي بأنه إرهابي هو من الأمور التي ستؤدي لتأزيم الواقع السياسي الداخلي في ظل إحتدام الصراع بين الأقطاب المتعددة. في وقت يبدو أن أردوغان مضطرٌ فيه للجلوس على طاولةٍ واحدة مع الأكراد، مما يُدخله في خانة التناقض في المواقف والأفعال. وهو الأمر الذي قد تستغله الحركة القومية لتؤكد من خلاله عدم جدية أردوغان في محاربة الإرهاب على قاعدة أنه يحارب الإرهاب ويجلس معه مما سيجعل الصراع السياسي يتصاعد وصولاً للتجاذب الذي قد يُهدد الإستقرار الداخلي بشكلٍ كبير.