الوقت- تشهد الجزائر اليوم استحقاقاً كبيراً لتعيين رئيسا جديدا للبلاد، لكن الاقدام على هذه الخطوة لن يكون سلساً ولن يجري في ظروف هادئة، اذ ان هناك استنفار كامل للجيش لمنع أي خروقات أمنية بغية تمرير هذه الانتخابات بأي شكل من الأشكال، وسط انقسام شعبي كبير بين مؤيد لهذه الانتخابات ومعارض لها، ولكل منهما رأيه الخاص، ولكن السؤال مالذي يجبر الجزائريون على اجراء انتخابات حرة ديمقرايطية في ظل أجواء متوترة وانقسام شعبي كبير؟، هل هذا ما يبحث عنه الجزائريون بعد رحيل بوتفليقة عن السلطة؟.
الاحتجاجات الشعبية والاضراب العام كان قائما حتى يوم أمس الأربعاء (11 كانون الأول / ديسمبر 2019)، حيث نظم حشد كبير من المحتجين مسيرة في وسط العاصمة الجزائرية للمطالبة بإلغاء الانتخابات الرئاسية المقررة غدا الخميس وهتفوا بأنهم سيقاطعون التصويت في انتخابات يعتبرونها تمثيلية. وتجمع الآلاف في أنحاء العاصمة للمطالبة بإلغاء الانتخابات لحين تنحي النخبة الحاكمة بأكملها وابتعاد الجيش عن السياسة. وهتف المحتجون "لا لانتخابات الغد" ورفعوا لافتات كُتب عليها "دمرتم البلد".
اختبار كبير للشعب الجزائري
استطاع الشعب الجزائري أن يؤجل الانتخابات الرئاسية لمرتين على التوالي، الأولى كانت في 18 من أبريل/نيسان 2019، نتيجة اعتزام بوتفليقة الترشح، كما أسقطوا الانتخابات التي كانت مبرمجة في 4 من يوليو/تموز الماضي، بسبب غياب المرشحين، كما أعلن المجلس الدستوري (أعلى هيئة قضائية في البلاد).
ورغم أن الأصوات الرافضة لإجراء الانتخابات هي الأعلى بسبب تظاهراتها المستمرة، منذ فبراير 2019 وحتى الآن، فإنّ هناك أصواتاً أخرى أيضاً في الشارع الجزائري تريد إجراء انتخابات وبداية عهد جديد وإن كان متصلاً بنظام بوتفليقة.
فالفريق الرافض لإجراء الانتخابات يريد استكمال التدابير الإصلاحية وتطهير الدولة من رموز النظام وجيوبه التي ما زالت حاضرة وفاعلة، في حين يعتقد المؤيدون لها أنها الحل الوحيد المتاح حالياً للخروج من المآزق الدستورية الناجمة عن الفراغ في موقع الرئاسة.
وهذا الانقسام لم يعد مقتصراً على اختلاف الآراء وتباين المواقف على صعيد السجالات العامة فحسب؛ بل انتقل إلى الشارع مباشرة بين مظاهرات رافضة وأخرى مؤيدة، وأخذ من ثم يهدد وحدة الحراك ذاته.
ورغم أن الإعلان عن إجراء الانتخابات الرئاسية صدر عن الرئيس المؤقت، عبد القادر بن صالح، فإن القرار الفعلي تم بضغط من القيادة العليا للجيش الجزائري التي دعت المواطنين إلى إنجاح الانتخابات، وتعهدت بتوفير الظروف المناسبة لسير العملية الانتخابية، وحذرت بلسان قائد أركان الجيش، أحمد قايد صالح، من يقف في طريقها من "العصابة وأذنابها".
الوضع الراهن والمرشحون للرئاسة
المؤسسة العسكرية هي من يدير البلاد خلال هذه الفترة الانتقالية، إلا أن قسم كبير من الشعب الجزائري لايريد هذا الانتقال السريع للسلطة وانما يريدون انتقال سلس مبني على أسس ديمقراطية منها القوانين والشرعية، وهؤلاء يريدون نظام جديد قائم على اسس صحيحة، ولايريدون أن يبقى الحرس القديم في السلطة، اذ يرى هؤلاء انه ومنذ سنة 1962 إلى اليوم لم يتغير شيء إلا بعض الأشخاص أو الممثلين لهذا النظام.
ويرى المحتجون أن اجراء الانتخابات في ظل هذه الظروف سيؤدي إلى تواصل المظاهرات حتى بعد الرئاسيات، خاصة إذا فرض الرئيس ونسبة المشاركة كانت ضعيفة جدًا أو إذا أفرزت الانتخابات وجهًا من حزب ساند الخامسة.
في الانتخابات التي تجري اليوم هناك خمسة مرشحين، قيل أن اربعة منهم محسوبون على النظام السابق أما الخامس فهناك انقسام حوله، والمرشحون هم: عز الدين ميهوبي الأمين العام بالنيابة لحزب التجمع الوطنى الديموقراطي، وعبد القادر بن قرينة رئيس حزب حركة البناء الوطني، وعبد المجيد تبون المرشح الحر، وعلي بن فليس رئيس حزب طلائع الحريات، وعبد العزيز بلعيد رئيس حزب جبهة المستقبل، ويبدو أنه ليس من المهم بدرجة كبيرة من منهم سيفوز بكرسي الرئاسة، بل المهم ما إن كان هذا الاقتراح سيسفر عن حالة من الرضى الشعبي يمهد للاستقرار.
الخلاف دائر اليوم حول المرشح الإسلامي عبد القادر بن قرينة، فالبعض يقول انه محسوب على النظام السابق والبعض الآخر يقول أنه مستقل وجاء من الأوساط الشعبية، وشارك في الحراك، ويريده أن يتواصل حتى تحقيق مطالبه، فهو مختلف عن البقية، وهو معارض قديم.
دعوات لمقاطعة الانتخابات
سبق أن دعت أحزاب سياسية ونقابات عمالية مستقلة ورابطة حقوق الإنسان وشخصيات وطنية وجمعيات ونشطاء من المجتمع المدني في بيان إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقررة الخميس المقبل، ووصفت هذه المجموعة الاستحقاق الرئاسي المقبل بـ"المهزلة التي يقودها نفس النظام بمحاولة استغلال الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بعبد العزيز بوتفليقة لصالحه".
وأضافت المجموعة في بيانها: "لهذا السبب نحن الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والنقابات والجمعيات والتعاونيات والمواطنين والشخصيات الوطنية الموقعين (على البيان)، ندعو رسميًا الجزائريات والجزائريين في الداخل والمهجر رفض وبأي وسيلة سلمية المهزلة الانتخابية في 12 من ديسمبر".
واعتبرت هذه المجموعة ما أسمته "اختيار المرشحين على المقاس"، هدفه "الحفاظ على النظام الاستبدادي والفساد"، مطالبة برفع العقبات أمام الحريات الفردية والجماعية والإفراج عن السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي.
هذه الانتخابات الرئاسية، تشرف عليها لأول مرة "السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات" التي تأسست منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، ويرأسها وزير العدل الأسبق محمد شرفي، وفي السابق كانت وزارة الداخلية تشرف على الانتخابات.