الوقت- دخل اليمن من جديد عبر نفق مليء بالألغام التي وضعتها كل من السعودية والإمارات، بهدف تحقيق ما تصبو إليه الإمارات ويبدو أن السعودية غير معترضة على المخطط القادم، وعلى هذا الأساس توصلت الأطراف المتحاربة في جنوب اليمن إلى اتفاق أُطلق عليه "اتفاق الرياض" على اعتبار أن الرياض وأبوظبي هم الراعي الرسمي للاتفاق الجديد والذي بموجبه سيتم توزيع السلطات بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، بهدف إنهاء الصراع على السلطة في جنوب اليمن.
مراسم التوقيع كانت بحضور ولى العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وعبدربه منصور هادي، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، وبموجب هذا الاتفاق ستعود حكومة منصور هادي إلى عدن، على أن يتم دمج كل المكونات العسكرية والأمنية، بما فيها التابعة للمجلس الانتقالي، ضمن قوام وزارتي الدفاع والداخلية، كما اتفق الطرفان على تشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب، قوامها 24 وزيراً، 12 وزيراً لكل طرف.
وأشار الاتفاق إلى عودة جميع القوات التي اقتحمت عدن في آب الماضي إلى مواقعها السابقة بكل عتادها وأفرادها، وإعادة تنظيم القوات العسكرية في المحافظات الجنوبية.
ونص الاتفاق على تولي قوات الشرطة في محافظة عدن مسؤولية تأمين المحافظة، مع "إعادة تنظيم القوات التابعة للحكومة والتشكيلات التابعة للمجلس الانتقالي وفق الاحتياج وخطة التأمين".
وبخصوص القوات الخاصة ومكافحة الإرهاب في محافظة عدن، تحدث الاتفاق عن ضرورة إعادة تنظيمها واختيار العناصر الجديدة لها من قوات الحكومة وتشكيلات المجلس الانتقالي، على أن تكون تابعة لوزارة الداخلية، وتضمّن الاتفاق تفصيلاً يخصّ إعادة تنظيم القوات المكلفة بحماية المنشآت الحيوية، على أن تكون تابعة لوزارة الداخلية.
أهداف الاتفاق وانقلاب مفاجئ على المبادئ "إن كانت موجودة"
السؤال الأول الذي يمكن أن نطرحه قبل الدخول في تفاصيل الاتفاق، ما هو الهدف الذي على أساسه شنّت السعودية حربها؟، ألم تكن تريد إعادة الشرعية للبلاد من خلال القضاء على "أنصار الله"؟، طالما أن هدفها هو إعادة الشرعية كيف بإمكانها أن تقوم بشرعنة الانقلاب والانقلابيين الجنوبيين، الذين انقلبوا على الشرعية وسيطروا على مراكز قوتها وقاتلوا أنصار السعودية وتعاملوا معهم على أنهم أعداء؟.
السعودية من خلال الاتفاق الجديد، ما تقوم به هو إضفاء "الشرعية" على الانقلابيين، وتمنحهم 12 مقعداً وزارياً ضمن حكومة هادي، إذا كان حقاً أن السعودية والإمارات تهدفان من وراء "اتفاق الرياض" مصلحة اليمن واليمنيين، فلماذا لم تظهرا هذا الحرص مع أنصار الله، الذين يمثلون الشارع اليمني أفضل تمثيل، والذين يرفعون لواء اليمن الواحد، لا كما ينادي المجلس الانتقالي الجنوبي جهاراً نهاراً أنه يهدف إلى فصل الجنوب عن الشمال؟.
إن التطورات التي شهدها اليمن منذ خمس سنوات تؤكد حقيقة واحدة، وهي أن السعودية والإمارات دخلتا اليمن بهدف تقسيمه وشرذمة شعبه، ففوبيا اليمن الواحد الموحّد لطالما أرّقت الدول الخليجية الثرية وفي مقدمتها السعودية، التي تعتقد أن الإبقاء على اليمن ضعيفاً متشظياً، يصبّ في مصلحة أمنها واستقرارها!؟
هذه الحقيقة بانت وانكشفت من الموقف الذي اتخذته السعودية من دعم الإمارات الصارخ للانفصاليين الجنوبيين، حتى انتهى بها الأمر أن طردت هادي وحكومته من عدن، وهو موقف أكثر من كونه متفرجاً، وبالأمس بانت حقيقة هذا الموقف وبشكل لا لبس فيه عندما شرعنت السعودية بمساعدة إماراتية تقسيم اليمن، وجعلت حكومة هادي تحت رحمة الانفصاليين، الذين كان على السعودية محاربتهم ونزع أسلحتهم، فإذا بها تقدّم لهم الجنوب على طبق من ذهب.
وفي دليل ساطع على حاجة الإمارات إلى تمرير اتفاق الرياض لأنه يسبغ الشرعية على الانفصاليين ويجعل منهم فريقاً مواجهاً للحكومة الشرعية، تعرّض وزيران يمنيان إلى محاولة اغتيال في شبوة شرقي البلاد، وذلك بعد أن أعربا عن انتقادهما لمشروع الاتفاق.
وأشارت التحقيقات إلى مسؤولية المجلس الانتقالي عن المحاولتين. وكان وزير الداخلية أحمد الميسري قد أعرب عن معارضته لاتفاق يضع اليمن تحت هيمنة مشتركة من السعودية والإمارات، وأما وزير النقل صالح الجبواني فدعا إلى إسقاط الاتفاق لأنه يشكل مكافأة للانقلابيين من أعضاء المجلس الانتقالي.
وتشير التسريبات، التي توفرت قبيل التوقيع، إلى أن الاتفاق ينتزع من الحكومة الشرعية عناصر سيادية جوهرية على أصعدة سياسية وإدارية وعسكرية وأمنية، ويهبها في المقابل جوائز ترضية تتمثل في عودة الحكومة ومؤسسات الدولة إلى عدن، والمناصفة مع الشمال في الحقائب الوزارية، ومنح الرئيس اليمني سلطة تسمية الوزارات السيادية وتعيين بعض المحافظين، ورغم أنه في المقابل لا يمكّن الانقلابيين من ممارسة السلطة ميدانياً، فإن الاتفاق يدخلهم في حكومة شراكة وطنية ويدمج عناصرهم العسكرية في الجيش كما يضم ميليشياتهم الأمنية إلى وزارة الداخلية.
وفي أحد بنوده الأخطر يضع الاتفاق كلاً من الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي على قدم المساواة من حيث تجميع الأسلحة المتوسطة والثقيلة، بما في ذلك الدبابات والمدرعات والمدفعية والصواريخ الحرارية، ونقلها إلى معسكرات في عدن تشرف عليها قوات التحالف، وهذا يعني عملياً نقل هيمنة الأمر الواقع من التحالف في شقه الإماراتي إلى التحالف في شقه السعودي، وتكريس ذلك بموجب اتفاق "دولي" الطابع تصادق عليه الأمم المتحدة ويعتمده المجتمع الدولي، رغم أنه ينقل مآزق اليمن إلى طور أكثر تعقيداً وأشد مأساوية.
ومن المعروف أن انسحاب أبو ظبي العسكري لا يأتي نتيجة تطورات جديدة تخص الوجود الإماراتي في اليمن، أو بسبب تبدل مطامعها وخططها في الجنوب والموانئ على نحو خاص، بل هو ناجم عن المخاوف من تعرّض المنشآت والمرافق والمدن الإماراتية إلى ضربات صاروخية من النوع الذي انهال على السعودية خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة، وهذا بالتالي يفسر مساعي أبو ظبي للانفتاح على إيران ومحاولة تحسين العلاقات معها ابتداء من الملفات الأكثر حساسية، وفي مطلعها تقليص الوجود الإماراتي العسكري في اليمن.
ووفق مصادر سياسية يمنية رفيعة مطلعة على سير المناقشات من قرب، "هناك ملفات معقدة لم يحسم الأمر حولها، على الرغم من أهميتها، كملفات السجون السرية والمخفيين قسراً والمعتقلين لدى الإمارات ووكلائها في عدن ولحج وأبين والضالع وحضرموت أيضاً، فضلاً عن سجون في إفريقيا تتبع القواعد العسكرية الإماراتية".