الوقت- يعتبر خطاب الرئيس الفرنسي، كعادته في كل عام، في نهاية شهر أغسطس/آب أمام سفراء بلاده عبر العالم المجتمعين لأسبوع كامل في إطار "أسبوع السفراء"، يعتبر بمثابة «خريطة طريق» للدبلوماسيّة الفرنسية في سياستها الخارجية. لم يهمل خطاب هولاند الشامل هذا العام والذي تناول فيه القضايا الساخنة والدور الفرنسي، أزمات الشرق الاوسط وعلى رأسها الملف السوري، والدور الإيراني الإيجابي في سبيل حل أزمات المنطقة.
بصرف النظر عن تفاصيل الخطاب الفرنسي، والذي تضمّن تكراراً لمطالب سعودية، عندما شدد الرئيس هولاند على "الحاجة لعملية انتقال سياسي في سوريا، طارحاً ثلاثة شروط لتحقيقها: الأول، تحييد (الرئيس) الأسد، والثاني توفير ضمانات صلبة للمعارضة السورية المعتدلة وتحديدا السنة والأكراد والمحافظة على بنى الدولة ووحدة سوريا، والثالث الذي وصفه بـ«الشرط الحاسم» يتمثل في ضم كل الأطراف المعنية إلى الحل مسميا منها الدول الخليجية وإيران وتركيا التي دعاها إلى الانخراط في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي ومعاودة الحوار مع الأكراد.
يمكن التوقف ملياً في خطاب هولاند عند الملف الإيراني حيث توقّع الرئيس الفرنسي دوراً إيجابياً "لإيران في تسوية المشكلات الإقليمية الملتهبة وعلى رأسها الحرب في سوريا". وقال هولاند: "ثمة إمكانية لإقامة علاقة جديدة مع إيران، وهي تثير الكثير من الأمل الذي لا يتعين أن يتحول إلى أوهام، ولذا علينا أن نستفيد منها في علاقاتنا الثنائية في عملية إيجاد حلول للأزمات التي تعصف بالمنطقة". وأشار هولاند إلى أنه دعا الرئيس حسن روحاني إلى التحول إلى "لاعب بناء".
وفي النتيجة يشير كلام هولاند في خطاب "خريطة الطريق" للخارجية الفرنسية إلى دور إيران الفاعل والريادي في المنطقة، وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: يكشف خطاب الرئيس الفرنسي عن واقع جديد لمنطقة الشرق الاوسط، واقع يرسخ دور طهران الفاعل في حل أزمات المنطقة، ولذلك يميط خطاب الرئيس هولاند اللثام عن النظرة الجديدة للدول الاوروبية تجاه طهران، لاسيّما بعد توقيع الإتفاق النووي وإعتراف الدول الكبرى بحقوق طهران النووية.
ثانياً: إن التعاطي "الصلف" للإتحاد الأوروبي عموماً، وفرنسا على وجه الخصوص إزاء أغلب أزمات المنطقة وبالتحديد الدور الإيراني، تسبب في فتور العلاقات بين الجانبين ما أثر سلبياً على أوضاع المنطقة، وتحديداً الأزمتين السورية والعراقية. وتكمن مشكلة الإتحاد الأوروبي وقراراته في إرتهانه وتبعيته للرئيس الأمريكي الذي يختلف بدوره مع طهران في مقاربة أغلب الملفات الإقليمية.
ثالثاً: قد يرى البعض في خطاب الرئيس الفرنسي بادرة حسن نيّة تجاه طهران، إلا أن الواقع يؤكد أن هولاند أدرك أن القطار سيفوت بلاده في حال إستمر عداء باريس لطهران، خاصةً أن باريس باتت في الفترة الأخيرة ممثلاً "غير شرعي" للرياض. وأدرك الرئيس الفرنسي أن العداء تجاه طهران لن يعود بالنفع، بل على العكس سيرتد سلباً على الدور الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط وبالتالي لا بد من تحسين العلاقات السياسية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
رابعاً: لا يمكن فصل خطاب هولاند عن نتائج وتداعيات الإتفاق النووي الإيراني، باعتبار أن فرنسا تريد الدخول الى السوق الإيرانية وحجز المقعد الاول هناك، وهذا ما يمكن إستشفافه من زيارة وزير الخارجية فابيوس إلى طهران قبل فترة. ويسعى هولاند حالياً لتحسين وضع بلاده الإقتصادي عبر الدخول إلى أسواق المنطقة، ولاسيّما السوق الإيرانية، في سبيل الحد من الازمة الإقتصادية التي تعاني منها باريس.
وفي الخلاصة، يؤكد خطاب الرئيس الفرنسي في شقّه الإيراني على حقيقة واحدة مفادها ترسيخ دور إيران الإستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط. حيث نجحت إيران رغم كافّة الصعوبات والضغوطات التي تعرّضت لها منذ إنتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في تكريس نفسها كلاعب قوي، إن لم يكن الأقوى، على الساحة الإقليمية، ما أجبر الغرب وأمريكا على الرضوخ لها بعد أكثر من ثلاثة عقود من العداء الأعمى. وموسم الحجيج الغربي إلى طهران مقدّمة طبيعية لدور إيراني أكبر في الشرق الأوسط، فلننتظر ونراقب.