الوقت- أصدر المكتب الإعلامي التابع لرئيس الوزراء العراقي، "عادل عبد المهدي"، قبل عدة أيام بياناً يمنع بموجبه كل القوات الأجنبية الموجودة على الأراضي العراقية من التحرّك دون إذن الحكومة العراقية، وكذلك منع جميع القوات العسكرية العراقية أو غير العراقية من العمل خارج إطار القوات المسلحة وذلك بعدما بدأ المشهد العام العراقي يتجه نحو مزيد من التعقيدات الأمنية والعسكرية، خصوصاً بعد تصاعد الهجمات المتفرقة ضد القواعد العسكرية والشركات النفطية في البلاد في وقتٍ ازدادت الهجمات الإرهابية في مختلف مناطق البلاد، ولقد أفرز هذا الواقع الكثير من المظاهر والسلوكيات غير المسيطر عليها، والتي تتطلب اليوم بعد عملية التحرير الكبرى والانتصار الكبير الذي تحقّق على داعش، وبعد المؤشرات الكبيرة التي تشير أن الدولة تستعيد هيبتها وقوتها وسيطرتها المطلقة على أراضيها وفي تحقيق استقلاليتها وسيادتها، من إنهاء كل المظاهر الشاذة وغير القانونية والسيادية وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحكومة العراقية تؤكد على أربعة مجالات رئيسة في ظل الأوضاع الجديدة التي يعيش فيها البلد:
1- يحظر التحرّك والتنقل على جميع القوات الأجنبية على الأراضي العراقية من دون إذن وموافقة من الحكومة العراقية.
2- يحظر وجود أي بلد من المنطقة وخارجها على أراضي العراق وممارسة أنشطة ضد بعضها البعض، سواء أكانت ضد الدول المجاورة أم القوات الأجنبية المتمركزة في العراق، من دون موافقة من الحكومة العراقية.
3. تحظر جميع أنشطة أي قوات مسلحة عراقية وغير عراقية تعمل خارج إطار القوات المسلحة العراقية وتحت قيادة القائد الأعلى للقوات المسلحة.
4. لا يحق لأي قوات مسلحة تعمل في إطار القوات المسلحة العراقية وتحت قيادة القائد الأعلى للقوات المسلحة، أن تنقل وتُقصي وتستبعد، بأي حال من الأحوال، من دون معرفة وموافقة القوات المسلحة العراقية والقائد الأعلى.
ومع ذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، ما هي أسباب ودوافع بغداد من إصدار هذا البيان؟، وهنا يمكن القول بأن أحد أبرز الأسباب التي أدّت إلى إصدار مثل هذا البيان، يتمثّل في النهج العملي الجديد لبغداد، فبعد هزيمة جماعة "داعش" الإرهابية، بذل القادة العراقيون الكثير من الجهود لإخراج جميع القوى الأجنبية من الأراضي العراقية ولا سيما القوات الأمريكية التي ترفض الامتثال للقرارات العراقية والانسحاب طوعاً من أراضي العراق.
أمريكا ضيف غير مرحّب به في العراق
لقد حمل البيان الاستثنائي لرئيس الوزراء العراقي العديد من الرسائل الضمنية، فمن جهة حدد الجهات العسكرية المعترف بها من قبل الحكومة المركزية العراقية، المتمثلة بالجيش والشرطة والحشد الشعبي والعشائري والبيشمركة الكردية، كذلك أقرّ بأن العراق صار في مرحلة جديدة، ولم يعد بحاجة ماسة لمساهمة الأصدقاء والحلفاء. لكن أبرز إشارة وجهتها الحكومة العراقية كانت للقوات الأمريكية المتمركزة في العراق، فقد شدد البيان على منع أي قوة عسكرية داخل الأراضي العراقية من توجيه ضربة عسكرية ضد أي دولة من دول الجوار وبعدم التعرّض لأي وجود أجنبي داخل العراق، من دون اتفاق مع الحكومة المركزية.
وأشار رئيس الوزراء العراقي في ذلك البيان، قائلاً: "نعلم أن التطبيق الناجح قد يتطلّب بعض الوقت، فالتعقيدات والحساسيات كثيرة والأطراف متعددة والخروقات غير قليلة، لكننا بدأنا منذ تولينا المسؤولية بتعزيز الخطوات الإيجابية لمن سبقنا في المسؤولية لتحقيق هذه التوجهات من جهة، ومن جهة أخرى في تجاوز بعض السلبيات ووضع الخطط الجديدة لتحقيق السيطرة الكاملة للدولة بما يحقق النقاط أعلاه ويديم المعركة ضد الإرهاب وداعش، ويحقق أمن العراق وشعبه واستقلاله ويؤمن وحدة البلاد وسيادتها الكاملة وفي كل المجالات".
إنذار عراقي لأمريكا لعدم التدخل في الشؤون العسكرية الداخلية وتجهيز القبائل
هناك مسألة أخرى كانت مصدر قلق للحكومة العراقية في الأشهر الأخيرة وهي تتعلق بالأنشطة السرية للأمريكيين لتزويد العشائر السنية في محافظتي الموصل ونينوى بالكثير من الأموال والأسلحة وعلى الرغم من أن هذه الخطة يتم تنفيذها رسمياً من قبل حكومة "عادل عبد المهدي" في محافظة نينوى لتجهيز 50 قرية على طول حدود محافظة نينوى العراقية مع سوريا، يخطط الأمريكيون أيضاً لتقديم الكثير من الأموال لمجموعة من القبائل السنية لكسب ولائهم واستخدامهم وقت الضرورة.
وحول هذا السياق، يمكن القول بأن أمريكا تنوي إنشاء قوة سنية لمواجهة القوى البشعة المتمثلة بقوات الحشد الشعبي والاستعانة بها لاستخدامها وقت الحاجة لتحقيق بعض الأهداف الأمريكية ولقد أفادت العديد من المصادر الإخبارية بأن أمريكا أنشأت ونظّمت قوة شبه عسكرية من القبائل السنية القبلية التي تسمى "صحوات" في عام 2007 لمواجهة القوات التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي.
عدم تحويل العراق إلى أرض خصبة للعداء الأمريكي ضد إيران
لقد تمثّل جانب مهم آخر في بيان مكتب رئيس الوزراء العراقي، بمسألة سوء استخدام أمريكا للأراضي العراقية لتنفيذ إجراءات معادية لإيران.
في الحقيقة وعلى مدى الأشهر الماضية، تم طرح قضية إمكانية استخدام أمريكا للعمق الاستراتيجي للأراضي العراقية لفرض الكثير من الضغوط على إيران وهذا الأمر أصبح مصدر قلق للحكومة العراقية التي تفرض جميع هذه الممارسات العدائية، ولهذا فلقد عالج بيان رئيس الوزراء العراقي هذه القضية بصراحة، وقال إنه لا يحق لأي قوة أجنبية دون إذن من الحكومة المركزية في العراق المشاركة في نشاط عسكري أو عمل سياسي في العراق ضد دولة مجاورة وهذا المحور ركّز بشكل خاص على معارضة الحكومة المركزية للعراق على الأعمال العدائية الأمريكية التي تقوم بها واشنطن داخل الأراضي العراقية ضد إيران.