الوقت-كرّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال الأيام الماضية، أكثر من مرة أن بلاده لا تريد الحرب مع إيران، وعلى إثر هذه التصريحات تحرّكت عجلة الدبلوماسية السعودية من أجل حلّ الأزمة في المنطقة دون الدخول بحرب مع طهران يكون الخاسر الأكبر فيها الدول الخليجية وخاصة السعودية.
ومن هنا دعا الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قادة دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية إلى عقد قمتين طارئتين لبحث تداعيات الهجمات التي استهدفت السعودية والإمارات، وبحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية إن الدعوة جاءت من "باب الحرص على التشاور والتنسيق مع الدول الشقيقة في مجلس التعاون للدول الخليجية وجامعة الدول العربية، في كل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة".
ومن هنا يتساءل المحللون العرب وخاصة الخليجيون حول السبب الذي دفع بالقادة السعوديين إلى الذهاب نحو تخفيض التصعيد، بالرغم من أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يعدّ هو المحرّك الأول للعنف في المنطقة؟
شهد الأسبوع الماضي، توترات أمنية غير مسبوقة على الساحة الخليجية، فقد اُستهدفت ناقلتان للنفط السعودي من أصل أربعة قبالة السواحل الإماراتية عند مرفأ الفجيرة، وقام المحققون بإرسال التحقيقات التي أجروها حول الحادث إلى مجلس الأمن وتشير المعلومات إلى أنهم لم يتطرقوا في هذه التقارير إلى تورّط إيران، إلا أن تصريحات إماراتية وسعودية اتهمت إيران بهذه العملية ما قد يدخل المنطقة في حرب كبيرة جميع الأطراف فيها خاسرون.
تراجع ترامب وبولتون
بعد خروج ترامب من الاتفاق النووي، كرّر المسؤولون الأمريكيون مقولة أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة من أجل ردع ما يسمونه النفوذ الإيراني في المنطقة، ومن ضمن هذه الخيارات هو توجيه ضربة عسكرية لإيران، وهذا ما سمع على لسان براين هوك المبعوث الأمريكي الخاص لإيران، والمسؤول عن مجموعة العمل حول إيران المعنية بفرض الاحترام للعقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد طهران، مع إمكانية فرض عقوبات على الدول التي لا تلتزم بإجراءات واشنطن ضد إيران، وأشرف هوك على مباحثات واشنطن مع حلفائها الأوروبيين بشأن طهران، قبل وبعد إعلان الرئيس دونالد ترمب انسحابه من الاتفاق النووي في مايو (أيار) الماضي، وأول من أمس (الأربعاء)، أجرى محادثات حول إيران مع مسؤولين بريطانيين وفرنسيين وألمان، كما لم يستبعد إجراء محادثات مباشرة مع القادة الإيرانيين شريطة أن يظهروا «التزاماً» بتغيير سلوكهم.
هذا الهجوم انخفضت حدّته في الآونة الأخيرة، وتحوّل من التهديد إلى التهدئة وعدم شنّ حرب على إيران، وفي هذا السياق ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أرسل رسالة إلى مساعديه، خلال اجتماع عقد نهار الأربعاء 15 مايو، مفادها أنه لا يريد أن تتحوّل حملة الضغط الأمريكية المكثّفة على إيران إلى صراع مفتوح.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية قولهم: "إن الرئيس ترامب سعى إلى كبح جماح المواجهة مع إيران في الأيام الأخيرة، وأبلغ وزير الدفاع بالوكالة باتريك شاناهان بأنه لا يريد الدخول في حرب مع إيران".
وقال أحد المسؤولين إن شاناهان والجنرال جوزيف دنفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة، قدّموا للرئيس مجموعة من الخيارات العسكرية، لكن العديد من المسؤولين قالوا إن ترامب كان حازماً في قوله، إنه لا يريد صداماً عسكرياً مع الإيرانيين.
وهنا يرى محللون أن هذا التغيير المفاجئ في السياسة الأمريكية أتى بعد تلقّيهم ثلاث ضربات غير متوقّعة وهي:
1- قام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بالسفر إلى أمريكا، وخلال زيارته أجرى مقابلة مع المذيع كريس والاس في قناة فوكس نيوز، إذ بدا الأمر وكأنه خطوة محسوبة لجذب انتباه ترامب، إذ تعدّ هذه القناة المفضّلة للرئيس الأمريكي، ومن هناك قال ظريف أن "فريق الباءات الأربع" يحاول جرّ ترامب لصراع مع إيران، موضحاً أن هذا الفريق يضمّ جون بولتون مستشار الأمن القومي، وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومحمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ومحمد بن زايد ولي العهد الإماراتي، وذكّر بأن ترامب تعهّد في حملته الانتخابية بعدم إدخال أمريكا في حرب أخرى.
2- بعد ذلك أعلنت الحكومة الإيرانية تعليق بعضٍ من التزاماتها في الاتفاق النووي إثر تعنّت الغرب تجاه الالتزام بما اتفق عليه في محادثات فيينا بين إيران والدول الأوروبية.
3- ثم هزّ الهجوم المجهول على مرفأ الفجيرة معادلاتهم الأمنية.
ومن هنا أصبحت إيران في وضع جيد ما دفعهم إلى القول إن أمريكا وحلفاءها لا يريدون الحرب مع إيران.
تراجع السعودية
إن السعوديين، الذين يرون أن أمريكا تريد أن تحمّلهم تكلفة الحرب السياسية والمالية، ليسوا مستعدين لمحاربة إيران، ومن هنا قام الملك السعودي بدعوة الدول العربية والإسلامية إلى اجتماع، وذلك لإيصال رسالة مفادها أنهم غير جاهزين لتحمّل أعباء حرب أكبر الخاسرين فيها سيكونون هم.
وفي هذا السياق قال وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير إن السعودية لا تريد حرباً في المنطقة ولا تسعى إليها، وإنها ستعمل على منع حدوثها.
تراجع تكتيكي أم استراتيجي؟
هل تغيّرت استراتيجية الدول المعادية لإيران، أم إنها تراجعت مؤقتاً من أجل تبرير الحرب؟ في الحالة الثانية، قد يظهر الأمريكيون في الأيام القادمة أنهم يسعون إلى تهدئة الأجواء في المنطقة، إلا أنهم في نفس الوقت قد يعملون على تبرير عدوانهم على إيران عبر افتعال هجمات ضد القوات الأمريكية في العراق كالذي حصل في المدينة الخضراء في العاصمة العراقية بغداد، مقرّ السفارة الأمريكية هناك، أو عبر افتعال حوادث ضد القوات البحرية الأمريكية الموجودة في مياه الخليج الفارسي.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن خلافات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأكبر مساعديه جون بولتون وذلك إثر فشل الأخير في حل الأزمة الفنزويلية ما دفعه إلى تغيير وجهة نظره تجاه إيران، كما نقلت الصحيفة عن مقربين من ترامب أنه انتقد رغبة بولتون في "جرّه إلى الحرب"، مؤكداً أن رئيس الدولة ينظر إلى هذا الأمر في الآونة الأخيرة بجدية أكبر مما كان في السابق.
ومن هنا يظهر التنسيق الكبير بين الأمريكيين والسعوديين فيما يخصّ الحرب على إيران، إذ اتخذ الطرفان نفس السياسة في الآونة الأخيرة وهي خفض التصعيد في المنطقة، إلا أن الكيان الإسرائيلي يعمل أيضاً لتحقيق أهدافه التي لا تتناسب في الوقت الراهن مع السياسة السعودية والأمريكية الجديدة، ولذلك سوف نراه يتحرّك من أجل تغييرها بمختلف الوسائل السياسة وحتى التخريبية لدفع المنطقة إلى الحرب.