الوقت-يوم أمس، ارتكبت السلطات السعودية وأجهزتها الأمنية والعسكرية مجزرة جديدة بحق أبناء جزيرة تاروت في محافظة القطيف شرق السعودية، حيث قتلت ما لا يقل عن 8 شبان في جريمة أخرى تضاف إلى مسلسل الجرائم المرتكبة بحق الأقلية الشيعية السعودية تحت مسمى محاربة الارهاب.
صباح يوم أمس استيقظ أبناء القطيف في جزيرة تاروت على صوت الآليات العسكرية، وحوصروا من جميع الجوانب وبدأ إطلاق النار العشوائي عليهم، ولم تكتفِ قوات السعودية بذلك بل استقدمت جرافات عسكرية، وقاموا بهدم عدد من البيوت فوق قاطنيها في مشهد يعود بنا إلى ما قامت به داعش بحق أبناء الشعبين العراقي والسوري.
وبحسب جريدة الشرق الأوسط فإن رئاسة أمن الدولة في السعودية قد أعلنت يوم أمس في بيان لها أنه "نتيجة لمتابعة جهاتها المختصة لأنشطة العناصر الإرهابية تمكّنت من القضاء على خلية إرهابية تتألف من 8 عناصر، حيث رصدت الجهات المختصة مؤشرات قادت إلى الكشف عن وجود خلية إرهابية تم تشكيلها حديثاً تخطط للقيام بعمليات إرهابية تستهدف منشآت حيوية ومواقع أمنية، وقد تمكّنت التحريات وإجراءات الاستدلال من تحديد موقع عبّارة عن شقة سكنية في حي (سنابس) ببلدة (تاروت) بمحافظة القطيف، اتخذتها عناصر تلك الخلية وكراً لهم ومنطلقاً لأنشطتهم الإجرامية".
وأضاف: "في ضوء هذه المعطيات باشرت الجهات المختصة عملية أمنية استباقية تم بموجبها محاصرة الموقع في تمام الساعة العاشرة صباح اليوم السبت، وتوجيه النداءات لتلك العناصر لتسليم أنفسهم إلا أنهم لم يستجيبوا وبادروا بإطلاق النار تجاه رجال الأمن الأمر الذي اقتضى التعامل بما يقتضيه الموقف لتحييد خطرهم والمحافظة على حياة الآخرين الموجودين في المحيط السكاني للموقع.
إلا أن القصة الحقيقة تناقلها النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالصور والفيديوهات من منطقة العمليات حيث كشفوا مدى جرم القوات السعودية بحقهم، وبحسب تقرير موقع العهد الإخباري فإن الرصاص انهمر على المنازل بعد الساعة العاشرة صباحاً كالرعد وكذلك قاذفات الـ "أر بي جي"، وأوضحت مصادر العهد أن إحدى العائلات طُردت من منزلها ثمّ تمركزت فيه القوات السعودية ومنه بدأت باستهداف النشطاء"، وتحدّثت المعلومات عن سقوط شهداء في الاعتداءات على بلدة سنابس.
وبحسب التقرير فإن السلطات السعودية وأجهزتها الأمنية لم تأبه لحرمة شهر رمضان المبارك، بل أكملت في مسلسل ترهيبها واستهدافها للأبرياء العزّل في محافظة القطيف، وأوعزت إلى قواتها بشنّ هجوم واسع على بلدة سنابس في جزيرة تاروت، حيث حاصرت عدداً من المنازل بالمدرعات والمركبات الأمنية وأطلقت الأعيرة النارية حتى غطّى الدخان الكثيف المنطقة بأكملها.
وأضافت المصادر أنه على إثر ارتقاء عدد كبير من الشهداء نزل الأهالي إلى الشوارع رافعين شعرات منددة مطالبين الأمم المتحدة بالتدخل الفوري لإنقاذهم من الإجرام السعودي.
ارتفاع موجة قمع الشيعة في السعودية
هجوم القوات السعودية على بلدة سنابس يوم أمس وقتلها عدداً من الأهالي بداعي محاربة الإرهاب والتجسس والخ... سبقه قيام السلطات السعودية بإعدام 33 شيعياً من نفس المنطقة وبنفس التهم. في الواقع، ومنذ عام 1933، عندما سيطرت عائلة آل سعود على شبه الجزيرة العربية، شهدت المناطق الشيعية القمع والتمييز وعدم المساواة مع المناطق الأخرى من قبل الحكومة المركزية وذلك بسبب دينهم ومعتقداتهم، الأمر الذي دفع بسكان تلك المناطق إلى الاعتراض على وضعهم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وإجراءات النظام الحاكم القمعية والتمييزية بحقهم عبر رفع الصوت عالياً من خلال المظاهرات السلمية وغيرها من أوجه الاعتراض الحضارية، ومنذ عام 2011، شهدت هذه المناطق مظاهرات سلمية، وعوضاً عن قيام السلطات السعودية بتلبية احتياجات هذه المنطقة أخذت تنكّل بهم وتقتلهم وتزجّ بهم في السجون.
وبالإضافة إلى الطبيعة الأيديولوجية وازدياد الضغوط على الشيعة، والذي ازداد أكثر بعد التحالف التاريخي بين الوهابية والعائلة الحاكمة في السعودية، كما أدّى غناء المناطق الشرقية بالنفط إلى قمع الشيعة أكثر وأكثر عوضاً عن تحسّن أوضاعهم المعيشية والاقتصادية.
وتقع جزيرة تاروت في الخليج الفارسي على بعد 5 كيلومترات من القطيف، ويمر خط الأنابيب الرئيس (تاب لاين) من الظهران عبر هذه الجزيرة ثم يصل إلى الأردن وسوريا ولبنان، وبسبب خوف آل سعود مما يسمونه "الخطر الشيعي" في هذه المنطقة، وخاصة بعد الصحوة الإسلامية التي حصلت بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، قام آل سعود بقمع هؤلاء بشكل مستمر وفي نفس الوقت عملوا على تغيير ديمغرافية تلك المنطقة للحد مما يعتبرونه الخطر الأكبر على السعودية.
قمع بضوء أخضر غربي
واجه قمع الرياض للشيعة، والذي ازداد في عهد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، معارضة كبيرة من المنظمات الدولية والرأي العام العالمي، ففي 4 مارس من هذا العام، عُقد اجتماع للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تحت عنوان "السعودية: حان وقت المساءلة"، وفي هذا الاجتماع، قالت السيّدة فّونوالا نی أولاین، المقررة الخاصة المعنيّة بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريّات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، "إن قوانين ولوائح مكافحة الإرهاب في السعودية "واسعة بشكل غير مقبول وغامضة".
وأضافت "إنه يشمل من ينخرطون في الترويج أو التحريض على اعتصامات أو احتجاجات أو إصدار بيانات جماعية، أي شخص يضر بوحدة أو استقرار السعودية بأي وسيلة، تلك مصطلحات غامضة بشكل سافر".
وقالت ني أولين :"تلك القوانين تستخدم لمهاجمة وتقييد حقوق مدافعين بارزين عن حقوق الإنسان، وشخصيات دينية وكتاب وصحفيين وأكاديميين ونشطاء مدنيين، وكل تلك الفئات استهدفها هذا القانون".
كما انتقدت منظمة العفو الدولية عمليات الإعدام بحق الشيعة وذلك لعدم وجود محاكمات عادلة وشفافة، وانتقدت أيضاً عمليات تعذيبهم في السجون، هذه القضية أيّدها ميشيل باش، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان.
وبالرغم من ذلك، فإن هذه الانتقادات واستياء الرأي العالمي من تصرفات السعودية والنظام الحاكم، وخاصة بعد تورّط رؤوس كبيرة من العائلة الحاكمة في قضية مقتل جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول العام الماضي، لم يكن لها أدنى تأثير على تغيير سلوك الحكومة السعودية في التعامل مع المعارضة، وذلك بسبب الدعم الذي تتمتع به من جانب الحكومات الغربية، ولا سيما أمريكا. في الواقع، يمكننا الاستنتاج أن موجة القمع الجديدة ضد الناشطين السياسيين والدينيين، وخاصة ضد الشيعة، تأتي بضوء أخضر أمريكي ترامبي، ويمكن توقّع أن تتكرر جرائم من هذا القبيل خلال الأسابيع المقبلة أكثر من ذي قبل.