الوقت- حالة من الهستيريا تصيب الإدارة الأمريكية بعد فشلها في تحقيق مطامعها في الشرق الأوسط، وبعد أن جرّبت الحروب وعسكرة المنطقة وفشلت بهذا الخيار بدأت تلجأ إلى فرض العقوبات الاقتصادية لكي تخلق شرخاً بين الحكومات والشعوب على اعتبار أن هذه العقوبات تؤثر على لقمة عيش المواطن بشكل مباشر، ولأن بعض الدول حكومة وشعباً رفضت أن تحني رأسها لأمريكا، ارتفع منسوب هذه الهستيريا، وما وصول وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى العراق بصورة مفاجئة بعد أن ألغى زيارته إلى ألمانيا إلا خير دليل على ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية في العراق على وجه الخصوص وفي الشرق الأوسط على وجه العموم.
حرب نفسية
ازدادت الجولات المكوكية للمسؤولين الأمريكيين خلال الفترة الماضية إلى المنطقة للتحضير لسلسلة برامج سياسية من شأنها أن تخلق شرق أوسط جديد، ابتداءً من تمرير صفقة القرن وتنفيذ بنودها مروراً بالحفاظ على الوجود الأمريكي في العراق والمنطقة وتعزيز هذا الوجود وصولاً إلى الضغط على إيران قدر المستطاع لإنهاء دورها في دعم شعوب المنطقة وإجبارها على الالتفات إلى مشكلاتها الداخلية.
وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يقود تنفيذ المخططات الجديدة في الشرق الأوسط وتأتي زيارته المفاجئة إلى العراق في إطار الحرب النفسية الموجّهة تجاه إيران والعراق وكذلك سوريا، والتقى بومبيو في العاصمة العراقية بغداد، كلّاً من رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي والرئيس برهم صالح.
وقال بومبيو إنه توجّه إلى العراق بسبب "التصعيد" الإيراني، مشيراً إلى أنه تحدث مع المسؤولين العراقيين عن أهمية أن يضمن العراق القدرة على توفير الحماية المناسبة للأمريكيين.
التصعيد الإيراني وتوفير الحماية للأمريكيين
أولاً: ماذا يقصد السيد بومبيو بـ"التصعيد الإيراني" هل إيران هي من تحاصر أمريكا اقتصادياً وتمنع دول العالم من استيراد نفطها؟ هل إيران من تدق طبول الحرب وتنشر قواتها في الدول المجاورة لأمريكا وتجلب بوارج حربية إلى تخوم نيويورك؟.
إذن عن أي تصعيد يتكلم بومبيو وبلاده تنشر قواتها العسكرية في كل شبر من هذه المنطقة؟، هل تفعل ذلك من أجل نشر السلام والديمقراطية؟.
العراق يشهد على ديمقراطية أمريكا التي رأيناها على مدار 15 عاماً كانت نتيجتها "داعش" و"القاعدة" وغيرها من التنظيمات الإرهابية التي دمّرت سوريا والعراق وكادت أن تصل إلى دول أخرى لولا تضافر جهود القوات السورية والعراقية والإيرانية لدحر الإرهاب عن هذه المنطقة، لكن يبدو أن السيد بومبيو قلق من هذا الموضوع ويريد أن يصطاد في الماء العكر، ولأن العراق حالياً يبني دولته بعد خروجه من مخاض الحرب، تأتي واشنطن لتحصد ما فعله غيرها وتنسبه لنفسها.
أمريكا تسعى لجرّ المنطقة للتصعيد العسكري ومن ثم تقف على الحياد وتطالب بالحوار وغيرها من المصطلحات التي مللنا سماعها، لكن إيران الواثقة من قدرتها على مواجهة العقوبات والتصدّي لأسوأ الاحتمالات في حال حدوثها، لا تتأثر بالتهويل والحرب النفسية.
وعلى الرغم من كل الضغط الأمريكي في العقوبات وتلويح مستشار ترامب جون بولتون بالتصعيد العسكري، لا تزال البحرية الأمريكية ملتزمة بالتنسيق مع "حرس الثورة" بالدخول إلى مضيق هرمز ولا تدّعي أمريكا بأنها ستتدخل بأي شكل من الأشكال لمنع السفن الإيرانية أو المحمّلة بالنفط الإيراني من عبور المضيق، وفي البحار والمحيطات، فهي تفرض عقوبات على الشركات العالمية وعلى الدول التي تشتري النفط الإيراني، ولم تنصع الصين وتركيا وبعض الدول الأخرى ووجدت إيران طرقاً رمادية لتسويق النفط.
وعلى صلة، قال عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي: إن "استراتيجية ترامب نحو إيران هي تصعيد أعمى وليس هناك من رابح في هذه اللعبة"، وأشار ميرفي إلى أنه لا توجد استراتيجية بديلة ومخرج، وتابع: إنها "تصعيد لأجل التصعيد فقط وبغباء غير مبرر".
ثانياً: بومبيو ركّز خلال تصريحاته التي رافقت الزيارة الأخيرة إلى العراق على توفير الحماية للجنود الأمريكيين وقال بومبيو للصحافيين الذين رافقوه في رحلته إلى العاصمة العراقية "لقد تحدّثنا عن أهميّة أن يضمن العراق قدرته على توفير الحماية المناسبة للأمريكيين في بلدهم"، مشيراً إلى أنّ المسؤولين العراقيين "أظهروا لي أنّهم يدركون أن هذه مسؤوليتهم".
الإدارة الأمريكية تخشى من إيران بعد أن وضعت في تطوّر لافت وغير مسبوق "الحرس الثوري" على لائحة الإرهاب، وحالياً تخشى من ردّة فعل الجمهورية الإسلامية بعد أن اعتبرت أن جميع القواعد الأمريكية هي قواعد إرهابية تنشر الإرهاب في المنطقة.
في الحقيقة جنود أمريكا هم الذين يخيفون العالم وهم من قاموا بغزو العراق ودمّروا مدنها، فلماذا يقدّمهم السيد بومبيو على أنهم "حمل وديع"؟.
بكل الأحوال، محاولات بومبيو لتحريض القيادات العراقية على إيران مرهونة بالفشل، لأن العلاقات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية بين طهران وبغداد أقوى من أي محاولات لفضّ هذا التحالف الذي جفّف جذور الإرهاب، وحول هذا الموضوع بالتحديد قالت مصادر مقربة من عادل عبد المهدي، إنها ردت على هذه الدعوة الأمريكية لاستقلال العراق في مجال الطاقة بالقول إن "موقفنا واضح، نحن نتعاون مع إيران ومع مختلف دول الجوار على أساس تبادل المصالح فيما بيننا، ومن ضمنها الغاز والكهرباء"، وأضافت المصادر إن عبد المهدي يرفض الضغوط الأمريكية الداعية إلى "فكّ التعاون" مع طهران في مجال الطاقة، وهو شدد أمام ضيفه على أن "إيران جارة مهمة وتساعد العراق في مختلف المجالات".