الوقت- عند الحديث عن الشأن التركي، نقف ملياً أمام واقع يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم. فأنقرة لم تعد اليوم عاصمةً تعيش هناء السنوات الماضية، إذ يقف بوجهها تحدياتٌ داخلية تعكس وضعها الخارجي، وتؤثر أيضاً عليه. ومن هذا المنطلق يأتي الحديث عن حزب العدالة والتنمية الذي يعتبر المسؤول الأكبر عن النتائج التي تقع تركيا تحت تأثيراتها اليوم. وهو ما يجعلنا نأخذ بعين الإعتبار ما يسعى له الحزب تحضيراً للإنتخابات المقبلة. فكيف يمكن تبيين ما يسعى له الحزب في الترويج لحملته بالإعتماد على الإعلام والقضاء التركي؟ وماذا في الدلالات السياسية لذلك؟
قراءة في توجهات أردوغان وفريقه السياسي الترويجية:
في وقتٍ يدعو فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى إجراء إنتخابات مبكرة نتيجة الفشل في تشكيل حكومة إئتلافية، يجري الحديث عن تحقيقٍ قضائي يطال حزب الشعوب الديمقراطي بشخص رئيسته الثانية فيغن يوكسيكداغ، بتهمة الترويج للإرهاب، بحسب ما أعلنت وكالة الأناضول التركية. وهنا يُشير المحللون الى أن هذه الحملة الداخلية على المعارضين في الداخل، الى جانب إعلان الحرب على الإرهاب، سياساتٌ تدخل في خانة الترويج للإنتخابات. وهو الأمر الذي يجعل أردوغان يضع الأكراد في خانة الإرهابيين لتوحيد الصف التركي مقابل المعارضة التي تنوي الإستفادة من أصوات الأكراد.
ولذلك وفي سياقٍ متصل تقوم تركيا بشن عملية عسكرية ضد القوات المسلحة الكردية على الرغم من أنهم لعبوا دوراً كبيراً في قتال تنظيم داعش الإرهابي وبالتحديد في الحسكة مؤخراً في سوريا. وهنا لا بد من ذكر ما كان رئيس الحزب المعارض قد صرح به الخميس الماضي لوكالة فرانس برس معرباً عن أن هذه الحرب التي يشنها أردوغان وفريقه السياسي، لا تهدف إلى حماية البلاد بل تهدف لحماية القصر الجمهوري، متهماً الرئيس التركي بشن غارات محدودة على تنظيم داعش الإرهابي "لذر الرماد في عيون الغربيين"، متهماً السلطات التركية بزعزعة الإستقرار والوضع الداخلي لاستقطاب تأييد جماهيري لحزب العدالة والتنمية في حال حصول انتخاباتٍ مُبكرة.
دلالاتٌ وتحليل:
لا يمكن التغاضي عن حقيقة الواقع السياسي التركي لا سيما فيما يتعلق بحزب العدالة والتنمية. وهنا نقول التالي وبموضوعية:
- إن التغييرات المفاجئة في المنطقة وبالتحديد الإتفاق النووي، تزامنت مع فشل حزب العدالة والتنمية داخلياً وخارجياً. فالحزب منذ تراجعه مؤخراً في الإنتخابات، يحاول العمل داخلياً من أجل إيجاد أرضيةٍ له تؤهله لإعادة التموضع السياسي. وعلى الرغم من أنه سعى لتغيير الوضع في الشمال السوري، إلا أنه فشل في ذلك، كما فشل في العديد من السياسات الداخلية. وهو اليوم يعلن الحرب على حزب العمال الكردستاني كما يضعه في الخانة ذاتها التي يضع فيها تنظيم داعش الإرهابي. محاولاً كسب التأييد الداخلي وحشد الأطراف وتوحيدها تحت عنوان محاربة الإرهاب، من أجل قطع الطريق على محاولات المعارضة كسب المزيد من التأييد في وجه أردوغان.
- وهنا فلا يمكن لحزب العدالة والتنمية إثبات ما يدعي في حربه على الإرهاب، خصوصاً فيما يتعلق بتنظيم داعش الإرهابي، الذي فتح له الحدود وأمن له كامل الدعم اللوجستي والعسكري. لكن لا شك أن الحزب يقوم بحرب قضائية على حزب العمال الكردستاني وأحزاب المعارضة، الى جانب حربه المعلنة على الأكراد. والهدف من ذلك هو ضرب تأثير الصوت الكردي الذي بدا فاعلاً في الإنتخابات الأخيرة، وأدى الى رفع قدرة المعارضة بوجه حزب العدالة والتنمية.
- لذلك يسعى الحزب الحاكم الى بناء استراتيجية جديدة تهدف لتحصين وضعه الإنتخابي، عبر اللعب على الوتر العرقي وكيل الإتهامات للمعارضة وصولاً الى جرهم للقضاء. وهذا ما يبدو جلياً من خلال وصف الأكراد بالإرهابيين والترويج لمخاطرهم، الى جانب إتهام أحزاب المعارضة بدعمهم. والهدف حشد التأييد لصالح حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات المقبلة.
إذن كما أن أردوغان سعى من خلال الإرهاب لإسقاط النظام السوري وفشل في ذلك، يعود ليستخدم الإرهاب ولكن عبر الترويج الإعلامي والتحقيق القضائي. لكن الرهان الخارجي الذي سقط مُسبقاً فيما يتعلق بالأزمة السورية، لا بد وأن يسقط عندما يتعلق الأمر بالداخل التركي. فاللعبة التي يصفها البعض بالخبيثة لأنها تقوم على تأجيج الخلافات الداخلية، قد تنعكس على الأمن والإستقرار التركي. وهو ما سيكون نتيجةً لجعل الأكراد طرفاً إرهابياً، وإتهام المعارضة بدعمهم. فيما ستبقى تركيا داخل الخطر التكفيري القائم أصلاً، لتكون سياسة أردوغان السابقة، كارثةً بحق تركيا والمنطقة، فيما ستكون سياسته الحالية، كارثة بحق تركيا حصراً. في وقتٍ لم يعد الدور التركي كما سبق، إلا إذا أعادت الأطراف التركية الوازنة قلب الطاولة، وجعلت من معادلات الحكمة والعقلانية، معياراً لنسج السياسيات الداخلية والخارجية.