الوقت- لم يعد الحال كما كان عليه فيما يخص علاقة باكستان مع دول منطقة الشرق الأوسط لاسيما الدول القريبة منها مثل "إيران" أو تلك التي كانت تربطها بها علاقات تقليدية مثل "السعودية" أو الدول التي أصبحت أكثر فعالية في المنطقة خلال العقد الأخير مثل "قطر"، وبين هذه الدول التي تشهد فيما بينها "تنافساً" إقليمياً يضاف إليها "الإمارات وتركيا"، تطلّ باكستان بقيادتها الجديدة وعلى رأسها رئيس الوزراء عمران خان بحلة جديدة لم نشهدها في السابق، ولاسيما في العلاقة مع إيران والسعودية، وتحاول جاهدة القيادة الجديدة صناعة "توازن" لنفسها بين الدول المتنافسة، بحيث تكون على مسافة واحدة من الجميع، ولكن هل ينجح خان بذلك؟.
منذ وصوله للسلطة فاجأ عمران خان حلفاء بلاده التقليديين بسلسلة من التصريحات الجريئة فيما يخصّ العلاقة مع إيران وحرب اليمن والعلاقة مع أمريكا، وآرائه في هذه الملفات الثلاثة جاءت مخالفة لتطلعات السعودية، حيث حرص خان على أطيب العلاقات مع طهران ودعا لإنهاء الحرب في اليمن وأعلن عزم بلاده على الوساطة بين جماعة "أنصار الله" والتحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، مؤكداً سعي إسلام آباد لتوحيد صف الدول الإسلامية.
أما بالنسبة لأمريكا، فقد كان خان واضحاً منذ البداية ورسم خطوطاً واضحة للعلاقة المستقبلية مع واشنطن، قائلاً إنّ بلاده ستكون حليفة لأمريكا في السلام، لا في الحرب، وأضاف خان في حديث لقناة محلية حينها أنّه آن الأوان لأن تجعل أمريكا من باكستان صديقاً لا عميلاً، لأنها بحاجة إلى شريك للسلام للخروج من أفغانستان، وتابع قائلاً: "سنكون حلفاء فقط في السلام.. لن نكون حلفاء في الحرب.. مات خمسون ألف باكستاني وأدخل التطرف إلى هذا البلد، ونحن أقل أماناً أكثر من أي وقت مضى".
وأكد خان أن بلاده خسرت قرابة 80 مليار دولار في هذه الحرب، بينما خسرت أمريكا نحو 20 ملياراً فقط.
وأضاف "يغرق البلد في الفقر والفوضى والدولة تضعف.. هناك إجماع في باكستان على أنه لا يوجد حل عسكري، لذلك سنسعى إلى حل سياسي في أفغانستان".
الفقر والفوضى
هاتان الكلمتان اللتان تحملان في طياتهما وجع الشعب الباكستاني ومعاناته، دفعت عمران خان للحفاظ على العلاقة مع السعودية وعدم الاتجاه نحو معاداتها لكون السعودية تملك تأثيراً لا بأس به في باكستان ويمكنها أن تحرّك الشارع الباكستاني وتزيد من فوضى البلاد في حال خالف خان السعودية وحوّلها إلى عدو، لذلك وجدناه يتجّه نحو السعودية بعد تنصيبه بفترة معينة لكي يمتصّ غضب السعودية إزاء تصريحاته ويحاول تحسين ظروف بلاده المعيشية والاقتصادية على اعتبار أن السعودية دولة غنية ويمكن أن تنقذ إسلام أباد من ظرفها الاقتصادي الصعب قبل الاضطرار إلى اللجوء لحزمة إنقاذ من "صندوق النقد الدولي"، والتي قد تشمل تغييرات مالية صعبة سياسياً للتخفيف من أزمة صرف العملات الأجنبية التي تعاني منها، ولكن هل استطاع عمران خان الحفاظ على سياسته "الوسطية" وإنقاذها من خطط "ابن سلمان" المتطرفة في المنطقة؟.
في الحقيقة عمران خان تمكّن إلى حدود كبيرة من كبح جماح ولي العهد السعودي عبر فتح قنوات جديدة مع أعداء ابن سلمان في كل من قطر وتركيا وإيران، ودفعه لتقديم عروض سخية إلى باكستان، حيث أودعت السعودية مليار دولار كدفعة أولى من تعهداتها النقدية بقيمة 3 مليارات دولار، ومن المتوقع الآن أن تعلن السعودية عن اتفاق للاستثمار في مصفاة جديدة بقيمة عشرة مليارات دولار في ميناء "جوادر" البعيد في باكستان، الذي يجري تطويره بأموال صينية، وبطبيعة الحال ستتبع الإمارات جارتها السعودية كما فعلت في اليمن وعينها على ميناء "جوادر" أيضاً في إطار طموحها للتحكم بمعظم موانئ العالم وأهداف أخرى غير معلنة، وعلى هذا الأساس زار ولي عهد الإمارات محمد بن زايد قبل ثلاثة أسابيع إسلام أباد ووعد بتقديم 3 مليارات دولار على شكل مساعدات.
وما بين زيارة ابن زايد وزيارة ابن سلمان المرتقبة إلى باكستان، قام خان بزيارة رسمية إلى قطر نهاية الشهر الماضي والتقى بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وبحث معه سبل دعم وتعزيز علاقات التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات، منها الاستثمار والطاقة والأمن الغذائي والتعاون العسكري، بالإضافة إلى تبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية الراهنة ذات الاهتمام المشترك، وهذا ما يؤكد استمرارية خان في سياسته "الوسطية" والتي نجح بها حتى اللحظة، ولكن ماذا يريد ابن سلمان من زيارته هذه المرة إلى إسلام أباد؟
أولاً: موضوع التعاون الاقتصادي أمر طبيعي سيتم الحديث عنه مطوّلاً في القنوات الإعلامية، خاصة السعودية منها لإظهار حجم تأثيرها في تلك البلاد ومدى حاجة شعوب المنطقة لها، لكن هناك أمور أخرى مخفيّة سيتطرّق لها ابن سلمان وفقاً لطموحاته الجديدة، خاصة في مجال الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية والتي كان قد تحدّث عنها في البرنامج التلفزيوني الأمريكي "60 دقيقة"، والذي قال فيه: "إذا طوّرت إيران قنبلة نووية، فسوف نتبعها من دون شك في أقرب وقت ممكن".
وفي 23 كانون الثاني/يناير ذكرت "واشنطن بوست"، أن منشأة جديدة في الصحراء السعودية كانت في الواقع مخصصة لبناء صواريخ باليستية أكثر قدرة تعمل بالوقود الصلب، وهي أول مصنّع من نوعه في السعودية، وقد حدد الخبر موقع المنشأة في "الوطاح"، وهو موقع صاروخي قائم جنوب غرب الرياض.
باكستان هي أكثر دولة قادرة على مدّ السعودية بهذه التكنولوجيا، بالإضافة للصين التي زوّدت السعودية للمرة الأولى بصواريخ بعيدة المدى في عام 1987.
ثانياً: ابن سلمان يخشى من أن تخرج باكستان من تحت عباءة بلاده، خاصة وأن عمران خان يحظى بعلاقات طيبة مع منافسي ابن سلمان وأعدائه، وهو يريد من خلال هذه الزيارة جذب خان نحو صفّه قدر المستطاع، عبر تقديم إغراءات في مجال الاستثمار أكثر من تلك التي يمكن أن تقدمها قطر، خاصة وأن التبادل التجاري بين الأخيرة وباكستان شهد نمواً كبيراً بنسبة 100 % خلال عام 2017 إذ بلغت قيمته نحو 1.6 مليار دولار أمريكي مقابل 782 مليون دولار في العام 2016، كما واصل التبادل التجاري نموّه المتصاعد في العام 2018، إذ بلغت قيمتها خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي نحو 1.8 مليار دولار بزيادة نسبتها 12.5% عن العام 2017 بأكمله، ما يعكس تطوّر العلاقات التجارية بين البلدين، ومن المتوقع أن يتواصل النمو في التجارة البينية خلال الفترة المقبلة مستفيدة من الخط الملاحي المباشر بين البلدين والذي تم تدشينه في العام 2017 ليربط ميناء حمد بميناء كراتشي، الأمر الذي ساهم في تعزيز حركة الصادرات والواردات بين البلدين.