الوقت- قضت محكمة الاستئناف العليا الجنائية في البحرين يوم الأحد الماضي بالسجن المؤبد على الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ "علي سلمان" والقياديين البارزين في جمعية "الوفاق" إحدى أكبر الأحزاب السياسية المعارضة في البحرين الشيخ "حسن سلطان" والشيخ "علي الأسود" بتهمة التخابر لحساب دولة قطر، واللافت في الأمر هنا بأن القضاء البحريني برّأ الشيوخ الثلاثة من تهمة التخابر مع قطر قبل عدة أشهر على خلفية اشتراكهم في محادثات لإنهاء الأزمة التي شهدتها البلاد مطلع العام 2011 ضمن مبادرة أمريكية قطرية، ولكن النظام البحريني عاد مرة أخرى وقام بفرض الكثير من الضغوط على الجهاز القضائي في البلاد لإصدار حكم بالمؤبد على هؤلاء الشيوخ، رغم افتقاد القضية بحسب الدفاع لأبسط معايير المحاكمات العادلة حيث استندت على مكالمات مسجلة دارت بين الشيخ "علي سلمان" ووزير خارجية قطر السابق.
يُذكر أن الشيخ "علي سلمان" نفى منذ حضوره الأول إلى قاعة المحكمة في الجلسة الثانية جميع التهم الموجهة إليه بالتخابر مع دولة قطر وذلك على خلفية الاتصالات الرسمية التي جرت، وإن هذا الحكم الجائر يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن نظام آل خليفة يسعى لترهيب المعارضين السياسيين الذين يدعون دائماً الناس للخروج في احتجاجات ضدهم.
ما العلاقة بين الحكم الصادر على الشيخ "علي سلمان" والتجسس لحساب قطر؟
لقد تراجعت العلاقات بين السعودية والبحرين والإمارات ومصر مع قطر خلال العام الماضي وفي الوقت الذي واجهت فيه قطر عقوبات قاسية من قبل هذه الدول، قامت الحكومة الإيرانية بإدانة هذا التعامل الوحشي في الشؤون السياسية وقامت ببذل الكثير من الجهود لخفض آثار هذه العقوبات على الدوحة وهذا الأمر أدّى إلى قيام السعودية وحلفائها بالادعاء زوراً بأن الدوحة تتعاون مع طهران لدعم الإرهاب في المنطقة وتقويض التلاحم الوطني بين دول مجلس التعاون وبعد انتشار هذه الادعاءات، قام معظم الحكام العرب بقطع علاقاتهم الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر ولهذا فلم يكتفِ المسؤولون القطريون برفض جميع كل تلك الادعاءات وإنما أعلنوا أيضا بأن تلك الادعاءات تعتبر انتهاكاً لسيادتهم.
في الواقع، إن سبب طرح مثل هذه الادعاءات يعود إلى الخلافات الجذرية لكل من هذه البلدان مع قطر، وعلى سبيل المثال أعلنت البحرين التي تعدّ الحليف القوي للسياسات السعودية في المنطقة عام 2014 بأن الدوحة تقوم بدفع الكثير من الأموال للأسر البحرينية السنية مقابل إلغاء جنسيتهم البحرينية وإعطائهم الجنسية القطرية وهذا العمل القطري جاء من أجل خفض عدد المواطنين السُّنة في البحرين التي أغلبية شعبها من الطائفة الشيعية ووفقاً للإحصاءات، فإن عدد سكان البحرين يصل إلى مليون ونصف شخص، و81 في المئة منهم من المسلمين ومن بين هؤلاء المسلمين، هناك 75 في المئة منهم ينتمون إلى المذهب الشيعي الذين عانوا ويعانون دائماً من عنجهية النظام وظلمه، وبناءً على ذلك، ربط نظام آل خليفة احتجاجات الشارع البحريني بقطر وإيران، وفي هذا الصدد تعرّض حزب "الوفاق" للكثير من التهديدات والمضايقات بسبب صلته الوثيقة بأغلبية الشيعة في البلاد، ولهذا ففي العام الماضي، وجّهت السلطات القضائية البحرينية الكثير من الاتهامات لحزب الوفاق وتكتل العمل الوطني الديموقراطي البحريني واتهمتهم بأنهم شاركوا في نشر العنف والإرهاب في البلاد، وبعد ذلك قام المسؤولون البحرينيون بالقبض على الشيخ "علي سلمان" وعضوين آخرين بتهمة التجسس لحساب قطر، وذلك من أجل إبعاد الشيخ "علي سلمان" عن دائرة مؤيديه، ما قد يمنعه من التأثير على شرعية الانتخابات.
لكن ردة فعل معارضي نظام آل خليفة وإعلانهم بأنهم لن يشاركوا في الانتخابات لم تخلق الكثير من التحديات أمام السلطة القضائية في البلاد فحسب وإنما أصبح ذلك الحكم الجائر بالمؤبد على الشيخ "علي سلمان" وزملائه الآخرين ذريعة جديدة لاستمرار الاحتجاجات في الشوارع البحرينية، وهنا يمكن القول بأن موافقة المحكمة العليا البحرينية النهائية على سجن الشيخ "علي سلمان" بالمؤبد، على الرغم من عدم وجود أدلة تدعم هذا الادعاء، يمكن أن تكون تدبيراً لتخويف المنشقين والمعارضين السياسيين الذين يستمرون في التأكيد على أحقية مشاركة الناس في الاحتجاجات.
وحول هذا السياق، نشرت العديد من تقارير المنظمات الدولية مثل "منظمة العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" تقارير تفيد بغياب استقلالية النظام القضائي في البحرين، وإصداره أحكاماً جائرة غير منصفة على أساس ادعاءات غير مثبتة، وتشكيله محاكم عسكرية للمتظاهرين والنشطاء السياسيين والإعلاميين، وتعذيبه المدّعى عليهم، وأن النظام البحريني يستمد الكثير من الدعم من السعودية التي قدّمت له الكثير من الأموال لقمع الاحتجاجات الشعبية التي خرجت خلال السنوات الماضية في المنامة.
إن النظام البحريني يحاول أن يلتفّ على المطالب الشعبية والحراك الشعبي دون النزول عند تحقيق رغبات الشعب ومطالبه التي خرج من أجلها في 14 من فبراير 2011، وبحسب التاريخ السياسي والنضالي لشعب البحرين الذي لا يخلو من حراك شعبي أو انتفاضة كل 10 سنوات فإن تطور الأوضاع دون السماع لصوت المعارضة الممثل الحقيقي للشعب ينذر باحتقانات وتفاقم الوضع السياسي والاقتصادي ويؤدي لمشاركة أكبر من فئات المجتمع البحريني وبشكل أقوى من قبل، في مواجهة تعنّت المنامة وتمسّكها بخيار التحدي الأمني لإخماد الاحتجاجات المستمرة منذ ما يقارب السبع سنوات.