الوقت- إنتهى تفاوض إيران مع العالم، ليرضخ لها ويُعطيها حقها في إتفاقٍ نوويٍ جاء نتيجةً لمفاوضاتٍ دامت لسنوات. ولا يمكن القول إن طهران لم تتنازل في مفاوضاتها لكن تنازلاتها لا تُعتبر ذات قيمةٍ سياسية بالتحديد أمام تنازلات الغرب الذي إعترف عبر رضوخه، بأن إيران يمكن أن تكون عرابةً للسياسات في المنطقة والعالم، ودولةً بحجم الدول الكبرى. وهنا نوصِّف الحقائق ولا نحلّلها. لذلك فإن الحج السياسي الذي يقوم به الغرب لا سيما أوروبا حالياً الى إيران، يُظهر الحجم الحقيقي لأهمية النتائج التي ستترتب على الإتفاق. فكيف يمكن وصف التهافت الغربي لحجز المقاعد وزيارة طهران؟ وماذا في دلالاته التي تتعلق بمستقبل المنطقة والعالم لا سيما العربي والإسلامي، وما يتضمنه ذلك من مصلحةٍ للشعوب؟
تقريرٌ حول آخر التطورات بين العالم وإيران:
أكدت وزيرة خارجية الإتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني ونظيرها الإيراني محمد جواد ظريف يوم الثلاثاء في طهران عزمهما على تطبيق الاتفاق النووي الموقع بين ايران والدول الست الكبرى في الرابع عشر من تموز الجاري واطلاق حوار على مستوى رفيع. ومن جهته قال ظريف خلال مؤتمر صحافي مع موغيريني في ختام لقائهما "لقد تحدثنا عن تدابير يجب أن تُتخذ. سنبلغ هذه المرحلة خلال 60 الى 70 يوماً"، مضيفاً أن "إيران ستستمر في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وآمل في أن تستمر أمريكا والإتحاد الأوروبي في تطبيق تعهداتهما". كما أعلن أن الإتحاد الأوروبي وبلاده "قررا اليوم فتح فصل جديد في العلاقات" بينهما مضيفا أنهما "قررا اليوم بدء مرحلة جديدة من الحوار على مستوى رفيع وفقا لمفهوم الاتحاد الاوروبي" يتعلق بالتعاون "في مجالات الطاقة والنقل والتجارة والبيئة وحقوق الإنسان والأزمات الإقليمية التي تطرح تهديداً على المنطقة وأيضاً على العالم أجمع وخصوصاً أوروبا". فيما رأت موغيريني التي التقت الرئيس حسن روحاني أيضاً، أن الإتفاق النووي "سيفتح فصلاً جديداً في العلاقات بين إيران والإتحاد الأوروبي"، وأضافت "بات تطبيقه المهمة التي علينا انجازها". وكانت قد أشادت قبل قدومها ومن الرياض، بالإتفاق الذي اعتبرته "إشارة أمل الى العالم أجمع" مؤكدةً في الوقت نفسه أنها تتفهم "جيدا" مخاوف السعودية.
وهنا لا بد من الإشارة الى أن الإتحاد الأوروبي لعب دوراً مهماً وأساسياً في السعي لإنجاح المفاوضات التي استمرت سنوات بين ايران ودول مجموعة 5+1 (أمريكا وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا والمانيا).
دلالاتٌ وتحليل:
عند الحديث عن المستقبل لا بد من الأخذ بعين الإعتبار حقائق الحاضر. ولذلك وعند قراءة الواقع الحالي وبالتحديد واقع ما بعد الإتفاق النووي، لا يمكن إلا الإلتفات الى الحجم الحقيقي الذي حظيت به إيران، وما سينعكس عنه فيما يخص الشأن الإقليمي والعالمي. وهنا نقول التالي:
- بعد أن أنهت إيران مفاوضاتها مع العالم، أصبحت اليوم محط إهتمام الدول كافة إن على الصعيد السياسي أو الإقتصادي، مما يؤسس لواقعٍ جديدٍ يجعل من طهران عاصمةً مركزية في المنطقة. وهو ما يجب التعاطي معه من منطلق فهم المبادئ والقناعات التي تؤمن بها إيران، وبالتالي يعتبر ذلك أساس تحركها وبناء سياساتها الظرفية والإستراتيجية إن على الصعيد الدبلوماسي أو السياسي بل حتى الإقتصادي.
- لذلك ومن موقع المعرفة بالمبادئ التي تقوم عليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فلا بد من الوصول الى نتيجةٍ مفادها أن الحجم المُتعاظم للدور الإيراني، سيكون في مصلحة شعوب المنطقة والعالم. وهو ما يجب الوصول له، بعد الأخذ بعين الإعتبار الى جانب المبادئ الثابتة لطهران، تاريخها السياسي المعاصر لا سيما بعد إنتصار الثورة والذي يعتمد في أساسه على تحديد العدو والصديق.
- فإيران لم تُغيِّر من سياساتها أو استراتيجيتها لاسيما فيما يتعلق بالعداء للكيان الإسرائيلي وأهمية الوحدة الإسلامية وإعتبار القدس بوصلةً توحِّد المسلمين. وهو الأمر الذي بقي ثابتاً طيلة تاريخ إيران المعاصر، حتى أنها وخلال المفاوضات على حقوقها النووية، لم تقم بإستغلال أي دولة ولم تبع حلفاءها.
- لذلك فإن ثباتها على مبادئها الإسلامية الى جانب توفيقها بين مصالحها ومصالح شعوب الأمة، يجعل منها بوابةً للعبور نحو مستقبلٍ يعود بإيجابياته على الجميع. وهو ما يؤكده الى جانب الأداء السياسي لطهران، محاولتها مدِّ جسور التواصل بينها وبين العالم العربي والإسلامي لا سيما السعودية والدول الخليجية، على الرغم من الكمِّ الهائل من المؤامرات التي حاكتها هذه الأنظمة ضدها.
إذن إن الإتفاق النووي سيعود بإيجابياته على المنطقة بأسرها وبالتحديد الحلف الذي ينتمي لإيران أي محور المقاومة. إلا أنه سيكون إيجابياً على كل شعوب المنطقة. فإيران عندما كانت أقل تعاظماً مما هي اليوم عليه لم تقم ببيع قضايا الأمة وهذا سبب عداء الغرب لها وفرضه عقوبات عليها. واليوم وبعد تعاظمها، فإنها ستكون أصلب في مواقفها وأقوى في المناداة بحقوق الأمة لا سيما الإسلامية وبالتحديد القضية الفلسطينية، التي يمكن أن تختصر كافة الصراع.