الوقت- لم يكن أحد يعتقد أن العديد من الدول الإسلامية ستتخلى عن القضية الفلسطينية دفعة واحدة لدرجة تشعر فيها أن المشهد يشبه "مِسبحة فرطت حباتها" ولم يعد بالإمكان تجميعها بسهولة، وهذا يدفعنا للتساؤل عن الأسباب التي يمكن أن تدفع "أمة" أبقت "القضية الفلسطينية" قضيتها "المركزية" لعقود طويلة على اعتبار أن الفلسطينيين "شعب مسلم مظلوم" يجب الدفاع عنه ومساعدته في استرجاع حقه الذي سلبه "الصهاينة" عنوة وأمام أعين الدنيا بأسرها، فلماذا ساهم هؤلاء في إلباس الباطل ثوب الحق دون أي إحساس بتأنيب الضمير ومن مَهّد الطريق لهم؟.
أن تسعى "إسرائيل" للتطبيع مع دول المنطقة هذا أمر مفروغ منه ولطالما حاولت ذلك منذ البداية لكن "الغيرة والحمية" العربية منعت هذا الأمر، لكن رئيس مصر السابق محمد أنور السادات بدأ بإحداث أول شرخ في هذا المسار عبر تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" من خلال اتفاق كامب ديفيد في العام 1978م ليتبعه اتفاق آخر من قبل ملك الأردن في العام 1994 تحت عنوان معاهدة "وادي عربة" إلا أن جميع من تبقى من العرب كان مؤمناً بالقضية الفلسطينية ولم يسمح بتمرير أي قرار يخدش "عزة وغرور وكرامة" الفلسطينيين والعرب وكذلك المسلمين، إلا أن الأمور وبعد انطلاق ما يسمى بـ"الربيع العربي" بدأت تأخذ منحى آخر وبدأت تتشكل تحالفات جديدة أفرزتها طبيعة أزمات المنطقة وبدأت كل دولة تبرر علاقتها مع "إسرائيل" إما عبر الثقافة أو الرياضة أو مثلاً شراء التكنولوجيا الحديثة منها خاصة فيما يخص أجهزة التنصت لاستخدامها ضد المواطنين العرب أو الجيران العرب، وبدأ شكل الصراع يأخذ منحى آخر أصبحت فيه "إيران" هي العدو عوضاً عن "إسرائيل" وأصبحت إيران تلام لكونها تساعد أبناء الشعب الفلسطيني وخاصة في "غزة".
مجلس التعاون
بدأت دول مجلس التعاون بأغلبيتها تفتح أبوابها للتطبيع مع كيان الاحتلال وقد رأينا ذلك من خلال زيارة المسؤولين الإسرائيليين والأمنيين إلى كل من قطر والإمارات وسلطنة عمان واليوم يجري الحديث عن زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي إلى البحرين، وكان التلفزيون الإسرائيلي الرسمي "كان"، نقل عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي قوله إن "إسرائيل تعمل على تعزيز وإقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع البحرين"، لافتاً إلى أن نتنياهو الذي زار سلطنة عمان مؤخراً وعد بأنه سيزور دولاً أخرى في العالم العربي.
أما السعودية ولكونها تعتبر نفسها قائدة للأمة العربية والإسلامية فمن غير المعقول أن تطبع علاقاتها مع "إسرائيل" كون ذلك يضر بسمعتها وبمكانتها بين الدول الإسلامية ولكن ولي العهد محمد بن سلمان بدأ بالسكوت عما يفعله الصهاينة بالشعب الفلسطيني وصولاً لصمته عن "صفقة القرن" وتحدثت تقارير غربية أنه يساهم أيضاً في تمريرها وهذا أحد أسباب عشق "نتنياهو وترامب" له إلا أن المناخ السياسي لا يناسب إعلان تطبيع العلاقات في هذه المرحلة.
ولكن ما هو واضح تماماً أن الكثير من الدول العربية كان لديها علاقات سرية سابقة مع كيان الاحتلال، ولكونها وصلت إلى مرحلة كبيرة من النضج فقد بدأت تظهر للسطح.
اليوم يجري الحديث عن أن وجهة نتنياهو الجدية فضلاً عن البحرين ستكون نحو السودان، حيث كشفت "إسرائيل" أن الوجهة القادمة لرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ستكون دولة السودان، ونقلت هيئة البث الإسرائيلي عن مصادر في القدس المحتلة أن "أطقم إسرائيلية تعمل على بناء علاقات مع هذه الجمهورية الإفريقية" في إشارة إلى السودان، في حين أعلن مصدر دبلوماسي إسرائيلي رفيع أن تل أبيب تجري مفاوضات متقدمة لتطبيع العلاقات مع البحرين.
إفريقيا
انضمت الدولة الإفريقية المسلمة "تشاد" إلى قطار التطبيع مع كيان الاحتلال، وبدأ ذلك بزيارة رئيسها ادريس ديبي إلى تل أبيب بعد انقطاع دبلوماسي دام 46 عاماً بين البلدين، وقال ديبي:" الزيارة تاريخية لكلا الجانبين، وتجدد العلاقات الدبلوماسية بيننا وهو الأمر الذي أرغب فيه بشدة، وهو ليس بالتأكيد أمراً يمكن أن يطمس القضية الفلسطينية".
وخلال خطابه، توجه نتنياهو إلى رئيس تشاد قائلاً: "أريد أن أهنئكم على قيادتكم وعلى سياستكم، وأعتقد أنكم تدركون التغيير الذي يحدث"، وتابع "لقد ناقش مع رئيس تشاد التغييرات التي تحدث في العالم العربي فيما يتعلق بإسرائيل"، مضيفاً: "لقد تحقق ذلك في زيارتي إلى سلطنة عمان خلال اللقاء مع السلطان قابوس، وفي الوقت القريب ستكون مثل هذه الزيارات في الكثير من البلدان العربية"، مخاطباً الرئيس التشادي: "أنت، بصفتك زعيماً لبلد إفريقي مهم، أغلبيته مسلمة، قدمت إلى إسرائيل، وهذا دليل على ما سيحدث مع دول أخرى".
وحول الزيارة الأخيرة لرئيس تشاد نقل المراسل السياسي للقناة العاشرة الإسرائيلية عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله: إن "زيارة رئيس الدولة الإسلامية تشاد إلى إسرائيل ستعزز بشكل كبير وجوهري توطيد العلاقات مع الدول المسلمة المجاورة، مالي والنيجر والسودان".
ويبدو، وفقاً للتقرير الذي أوردته "شركة الأخبار" الإسرائيلية (القناة الثانية سابقًا): أن تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع السودان يبدأ بفتح الأجواء السودانية أمام شركات الطيران الإسرائيلية، وعلى وجه الخصوص رحلات الطيران القادمة والمغادرة من البلاد إلى البرازيل.
في الختام.. الواضح أن التطبيع قائم ويتم الإعلان عن الدول التي تمضي نحوه بشكل علني في الإعلام بعد أن كان سراً خطيراً لا يتجرأ أحد على البوح به وهذا طبعاً وفقاً للسياسة الأمريكية الجديدة التي تريد تسويق التطبيع على الملأ، فهل ستصمت شعوب المنطقة عن تطبيع حكوماتها وهي المحاربة له ليل نهار.