الوقت- تشير نتائج الانتخابات النصفية التي عقدت خلال الأسابيع الماضية في الكونغرس الأمريكي إلى أن الحزب الجمهوري الحاكم قد عزز مكانته في مجلس الشيوخ الأمريكي، لكنه هزم في مجلس النواب الأمريكي وتركه من نصيب الحزب الديمقراطي، وبالتالي فإن رئاسة الكونغرس الأمريكي خلال السنتين المتبقيتين من فترة رئاسة "ترامب"، سوف تتقسم بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري وبهذا سوف ينتهي عهد احتكار الحزب الجمهوري لرئاسة هذا المجلس الأمريكي والسؤال الذي يطرح نفسه هنا الآن، هل سوف يقتصر تأُثير هذه التحولات على الساحة الداخلية لأمريكا، أم إن السياسة الخارجية للحزب الحاكم ستتأثر كذلك، وإذا فرضنا بأنها سوف تتأثر، فكيف ستؤثر تلك التحولات عليها؟ على الرغم من أنه من غير المتوقع أن تُحدث آراء الكثير من الناخبين الأمريكيين فرقاً داخل أمريكا، ولا سيما في مجالات مثل التأمين الصحي وخدمات الرعاية الاجتماعية وما إلى ذلك، إلا أن زيادة مشاركة الناخبين في تلك الانتخابات، سوف يكون لها تأثير في كثير من المجالات التي لا يمكن تجاهلها، خاصة تلك المتعلقة بالقضايا الداخلية والسياسات الخارجية الأمريكية، وبالطبع لا يمكن تجاهل تأثير إعادة تقسيم السلطة في رئاسة الكونغرس الأمريكي بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي في مجال السياسة الخارجية وعلى سبيل المثال، في حين أن الحزب الجمهوري الحاكم، وخاصة حكومة الرئيس الأمريكي الحالي "ترامب"، تدعم النهج الأحادي لأمريكا تجاه السياسة الخارجية وتضعها بالفعل في جدول أعمالها مهما بلغت تكلفتها، إلا أن الديمقراطيين يدعمون عموماً النهج المتعدد الأطراف.
ومن هذا المنطلق، ستواجه المعارضة الأحادية الجانب لحكومة "ترامب" تحديات وعقبات من الديمقراطيين خلال العامين القادمين وفوز الديمقراطيين بأغلبية النواب سيخولهم بفرض رقابة مؤسسية على رئاسة ترامب، وهو الدور الذي اختار الجمهوريون عدم القيام به نظراً لسيطرته الكاملة على اليمين، وهو ما من شأنه التأثير على أجندة البيت الأبيض في تمرير عدد من الملفات الأساسية وسيلقي هذا الفوز الضوء على التكتيكات التي اتبعها الرئيس الأمريكي قبيل الانتخابات النصفية والتي استندت على مهاجمة الديمقراطيين واستخدام "لغة عنصرية" عند تناول مسائل مثل الهجرة عوضاً عن الارتكاز على مسائل مثل الاقتصاد الأمريكي وسيكون بوسع الديمقراطيين مساءلة الحكومة والضغط عليها وعرقلة برنامج "ترامب" وفيما يخص منطقة الشرق الأوسط الذي يمكن أن يُقال بأن أمريكا قد شهدت فيها الكثير من المنعطفات خلال العامين الماضيين، فإنه يمكن توقع أن يواكب استمرار هذه العملية المزيد من التحديات وعلى سبيل المثال، ففي حين أن الديمقراطيين أيّدوا حل الصراع الفلسطيني على أساس خطة تشكيل الدولتين، إلا أن حكومة "ترامب" دفعت باتجاه قيام دولة يهودية بحتة وذلك تلبية لأطماع اليمينيين الصهاينة والمسيحيين المتعصبين وقامت بالتوقيع على "صفقة القرن" المشؤومة التي تهدف إلى القضاء على القضية الفلسطينية وإزالتها من خريطة المنطقة إلى الأبد.
ومن هذه الزاوية، فإنه من المؤكد أن يواجه هذا المشروع المعروف باسم "صفقة القرن" في ضوء نتائج انتخابات الكونغرس الأمريكي المزيد من التحديات ومن المحتمل أيضاً أن تؤثر تلك النتائج الانتخابية على الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، حيث سوف تؤثر على موقف اليساريين ضد اليمينيين الموالين لـ"نتنياهو"، وعلى هذا الأساس، يمكننا أن نرى نهاية شهر عسل "ترامب" و"نتنياهو" ومن المتوقع أن يتكرر هذا المشهد مع حليف آخر لـ"ترامب" وهي السعودية وتحديداً الجناح السعودي الذي قام بانقلاب لمصلحة "محمد بن سلمان" وبينما كان الديمقراطيون في عهد "أوباما" بعيدين عن الاستراتيجية العسكرية السعودية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وكانوا يحاولون المضي قدماً تجاه منطقة شرق آسيا لاحتواء التنين الصيني، إلا أن حكومة "ترامب" انتهجت نهجاً جديداً لاحتواء الصين وعادت مرة أخرى للالتفاف خلف السعودية وإقامة علاقات استراتيجية بينها وبين الرياض وهنا تجدر الإشارة إلى أن تقارير أمريكية صرّحت علناً عن تورط السعودية في الانتخابات الرئاسية من أجل هزيمة الحزب الديمقراطي وقامت بتزويد الحزب الجمهوري الحاكم بالكثير من الأموال.
ومن هذه الزاوية، يبدو بأن صعود الديمقراطيين النسبي في السلطة خاصة عقب فوزهم على منافسهم الجمهوري، سوف يخلق العديد من العقبات أمام تحالف الحزب الجمهوري الحاكم وجناح "محمد بن سلمان" الانقلابي، خصوصاً بعد تورّط هذا الأخير في قضية مقتل الصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي" ومن المحتمل أن يكون لهذا التحالف ثمن مكلف جداً، وفي حين بدأ الحزب الديمقراطي بدعم حركة الإخوان المسلمين وتقويتها لمواجهة الوهابية والتعامل مع الإرهاب التكفيري في منطقة الشرق الاوسط، إلا أن ممارسة النهج الجمهوري يخالف التحالف مع الإخوان المسلمين ولهذا فلقد شكل ذلك الحزب تحالفاً مع السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل، ومن هذا المنظور، يبدو أن الديمقراطيين سوف يواجهون الكثير من التحديات أيضاً خاصة عقب فوزهم في تلك الانتخابات النصفية.
وإلى جانب ذلك، فإن الديموقراطيين بصفتهم الموقعين الرئيسيين على الاتفاق النووي وكانت لديهم العديد من الالتزامات الواضحة، إلا أن الحزب الجمهوري المنافس لم يتردد في إلغاء هذا الاتفاق خلال العامين الماضيين، خاصة عندما وجد الكثير من الدعم والتشجيع من قبل اليمينيين المسيحيين والصهاينة والسعودية وبالنظر إلى احتمال هزيمة الجمهوريين في مجلس النواب، فمن الممكن بداية تلاشي العهد الترامبي وزوال سياسة واشنطن الاستعمارية للشرق الأوسط، والتي قد تتسبب في فشله بالفوز في الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها عام 2020.