الوقت- منذ الشهور الأولى لوصول دونالد ترامب للحكم في أمريكا برزت قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وفي اختصار للمرحلة منذ توليه الرئاسة وحتى تهديده بانهيار الاقتصاد الأمريكي في حال عزله من الرئاسة في مقابلة له على "فوكس نيوز" بثت الخميس 23 أغسطس الحالي، حين قال: "الاقتصاد الأمريكي -سينهار- في حال تم عزلي، وأعتقد أن الجميع سيصبحون فقراء جداً"، ننقل لكم تفاصيل ما حصل:
- ترامب يتعثر بماكينة الإعلام العملاقة أولاً
وفي عودة لما حصل، حين وصل ترامب للحكم، شكّل ذلك مفاجأة مرعبة للأوساط السياسية والمثقفة في أمريكا والعالم حتى أن افتتاحية النيويورك تايمز كانت مخيفة يومها حين عنونت صفحتها الأولى: "دونالد ترامب وصل لسدة الحكم، كلمات لم نكن نتمنى أبداً أن نكتبها "، ولأن ترامب بالأساس ليس سياسياً بل تاجراً فقد اختار التصادم من شدة الغباء مع الإعلام الأمريكي ووصفه بالمزيف حتى أنه في أحد مؤتمراته الأولى بعد الوصول للحكم طرد مراسل CNN ليصبح ترامب عدواً صريحاً للإعلام الأمريكي وهو المعروف بسطوته الجبارة التي يمكنها اكتساح الأخضر و اليابس بلا مبالغة.
- أولى التقارير المخابراتية عن الشكوك حول ترامب
بعدها ظهرت أولى التقارير التي أوردت أن المخابرات الأمريكية ومكتب التحقيقات الفدرالي تحقق في تقارير تبدو حقيقية عن تورط روسي مؤكد في التأثير على نتيجة الانتخابات وتسهيل وصول دونالد ترامب للحكم ولأن الإعلام لا يطيقه تلقف الأخبار وأقام الدنيا و لم يقعدها، ليصبح ترامب حديث الإعلام والصحافة صباحاً ومساء.
- جيمس كومي يُبدّل صفّه
بعد ذلك ظهر الخيط الأول لمرحلة انهيار ترامب، حين دخل جيمس كومي مدير الـFBI اللعبة، كومي تسبب في هبوط شعبية هيلاري كلينتون بشدة عندمت أصدر تقريراً يشير إلى احتمالية تورط هيلاري في مراسلات رسمية مع الروس "قد تضرّ بالأمن القومي" وذلك قبيل الانتخابات بأيام قليلة، ليعود كومي بعد الانتخابات وينفي ذلك التقرير ويعتذر بشدة لهيلاري على ما فعله، إلا أن الثابت أن الجميع موقن بأن ما فعله كومي أحد أسباب خسارة كلينتون.
المعضلة إذن أن أحداً لا يمكن أن يصدق بعد ذلك أن كومي قد يكون عدواً لترامب لأنه ساهم في وصوله للحكم، ولكن الصدمة كانت في إقالة ترامب لجيمس كومي من رئاسة الـ FBI، لينتفض كومي بعدها ويهاجم ترامب بضراوة متهماً إياه بالكذب والتواطؤ وأنه طلب منه حرفياً إيقاف التحقيقات في التدخل الروسي، لا بل نشر كومي كتاباَ مزلزلاَ لرئاسة ترامب فضح فيه الكثير من الخفايا.
- روبرت مولر: استلم الدفة
الكونغرس (صاحب الأغلبية من الجمهوريين) قرر تعيين المحقق الخاص روبرت مولر للتحقيق بكل الطرق الممكنة، فاستشاط ترامب غضباً وهاجم مولر ولجنته إلا أن الأخير لم يرد وعمل بصمت وحكمة، وفي هذه الأثناء المضطربة في الساحة الأمريكية دوّت قنبلة جديدة عندما خرج مدير المخابرات الأمريكية الأسبق ليقول أنه يؤمن تماماً أن لروسيا مستمسكات سوداء مخزية تبتز بها ترامب تمكّنها التحكم به تماماً، وهنا وجد مولر أنه أمام تحقيق مخيف وكبير، لأن ما طرح هو شهادة أعلى رجال الأمن الأمريكيين أي رئيسي الـ FBI و الـ CIA وأيقن أن الأمور ستزداد سوءاً، وهذا ما حصل.
- أربع هدايا خفية تضع ترامب تحت سطوة مولر
في هذا الوقت إما بتدبير مدبر أو من باب الصدفة ظهرت إلى السطح أربع عوامل جديدة جعلت مولر صاحب اليد العليا في قضية إسقاط ترامب هذه حيث ظهر جورج نادر، ستورمي دانيالز، كامبريدج اناليتيكا، الجاسوس الالكتروني الروسي الغامض .
أما جورج نادر فهو رجل أعمال أمريكي من أصول لبنانية سبق سجنه في التشيك لارتكابه أعمالاً جنسية مشينة ضد أطفال وهو صاحب العلاقات المتشعبة مع العديد من أصحاب القرار في دول الشرق الأوسط خاصة الكيان الإسرائيلي، ويتواتر أن نتنياهو صديق مقرب له، فمنذ عام 2016 بدأ نادر يقدم نفسه على آساس أنه مستشار ولي عهد أبو ظبي، وظهر وقتها تقرير لم يلفت الانتباه كثيراً بشأن ترتيب لقاء سري بين ترامب وبوتين في سيشل برعاية نادر هذا.
تلقف مولر التقارير وقبض على نادر وحقق معه وهاله ما ظهر من معلومات، فلم تكن روسيا فقط هي من تدخلت في الانتخابات بل كان الانتخابات الأمريكية مرتعاً للجميع.
بعدها ظهرت ستورمي دانيالز ممثلة الأفلام الإباحية التي ادعت أن مايكل كوهين محامي ترامب دفع لها أموالاً طائلة لتخفي علاقتها الجنسية مع ترامب قبيل الانتخابات وهي جريمة خطيرة في القانون الأمريكي شكلت عقبة لبيل كلنتون في السابق، ولكن ترامب أنكر ما ادعته ونعتها بالكاذبة قبل أن يتراجع لاحقاً، لتصبح دانيالز ضيفة مستمرة في جميع القنوات الأمريكية تحكي باستفاضة كل التفاصيل المشينة عن علاقتها بترامب لتتسع فضيحة ترامب أكثر.
بعد ذلك ظهر تقرير استخباراتي يؤكد أن أحد أشهر الهاكرز الروس تدخل في الانتخابات الأمريكية ثم تأكدت الـ CIA من هويته ليظهر أنه ضابط في المخابرات الروسية، ثم اتضح الأخطر أنه تواصل مع حملة ترامب قبيل الانتخابات!.
وزاد الطين بلّة ظهور فضيحة كامبرديج اناليتيكا (شركة ذات شهرة عالمية تعمل في مجال الانترنت ومواقع التواصل)، الشركة أصدرت بياناً رسمياً تؤكد تورطها في التأثير على الانتخابات الأمريكية بإقحام ملايين حسابات الفيسبوك في أمريكا لتظهر فضيحة الفيسبوك التي خسرت الشركة على إثرها 10 مليارات دولار من رأس مالها السوقي، وجرت جلسة استماع لزوكربيرج في الكونغرس وبدا متوتراً قلقاً يدبغ وجهه المتعرق، ليعتذر بعدها من الشعب الأمريكي.
أدرك روبرت مولر وقتها من خلال متابعته لملايين الصفحات من التقارير التي يدرسها أعضاء لجنته أن ما حصل جريمة غير مسبوقة في تاريخ أمريكا ولم تصنعها روسيا وحدها بل الكثيرون وأن المال نجح في شراء الأمن القومي الأمريكي وأن الاختراق الأمني وصل مستويات عليا في أمريكا.
- تقريران جديدان يؤكدان الخيانة العظمى
ثم ظهر تقريران أيقن من خلالهما مولر أنه أمام جريمة تواطؤ كاملة تصل إلى حدّ الخيانة العظمى.
التقرير الأول يوضح أن جاريد كوشنر صهر ترامب ومستشاره "اليهودي" الشاب المتعصب للكيان الإسرائيلي اطّلع على تقرير أرسلته المخابرات لترامب يفيد بأن العشرات من أمراء الأسرة الحاكمة في السعودية أرسلوا تقريراً للمخابرات الأمريكية يبدون رفضهم لوصول محمد بن سلمان لسدة الحكم، فما كان من كوشنر بعد قراءته التقرير مباشرة إلا أن طار بنفاثة صوب أوروبا ومنها للرياض التي وصلها فجراً ليقابل ابن سلمان ساعتين قبل أن يعود لأمريكا دون توقف وبعدها بعدة ساعات جرى توقيف الريتز كارلتون الشهير لأمراء المملكة، وكان الأمر مثل "كارثة" قررت على إثرها المخابرات الأمريكية -دون الرجوع لترامب- تخفيض التصريح الأمني لكوشنر وعدم السماح له بقراءة تقارير أمنية من الدرجة الأولى مقدمة لترامب وقررت فتح تحقيق عميق بخصوص جاريد كوشنر.
أما التقرير الثاني الذي صعق مولر كان بخصوص ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، الرجل شديد المهابة والاحترام في أوساط صناعة القرار الأمريكية، أشار التقرير إلى أن تيلرسون أحبط محاولة غزو سعودي بحريني بَرّي لقطر في أعقاب الأزمة الخليجية مباشرة، وأن تيلرسون هدد ترامب وكوشنر بأن الغزو فيما لو حدث سيشكل كارثة كبرى غير معروفة العواقب للدول الخليجية وأمريكا.
بعد أن سقط مخطط كوشنر لاجتياح قطر تسرّب تقرير جديد تحدث عن أن جورج نادر أوعز إلى اليوت برودي مستشار ترامب بإقالة ريكس تيلرسون وتعيين مايك بومبيو وزيراً للخارجية وجون بولتون مستشاراً للأمن القومي وهما معروفان بعدائهما الكبير لإيران وتركيا وقربهما الشديد من الكيان الإسرائيلي.
- مولر وصل للخلاصات ومايكل كوهين ينقلب على ترامب
بعد كل ما حصل أيقن مولر أن التواطؤ وصل إلى حد مشين وأن حلقات صنع القرار في أمريكا مخترقة على جميع المستويات وواكب هذا مأساة قمة ترامب بوتين في هلسنكي والتي أسماها الأمريكيون قمة الخيانة .
صار الوضع مأساوياً فى واشنطن فمنذ يومين وبعد تحقيقات دامت لعام ونصف تأكد مولر أنه لم يعد الانتظار ممكناً في مستنقع الخيانة هذا .
تلقى ترامب طعنة نجلاء قاتلة من محاميه مايكل كوهين الذي رتّب صفقة مع مولر للنجاة بنفسه سينال بمقتضاها 5 سنوات فى السجن بعد أن سلّم ترامب تماماً وأقرّ بكذبه بإيعاز من ترامب ليهاجمه ترامب بضراوة، ليعود كوهين ويصدر بياناً فجر أمس هدد فيه ترامب علانية بأنه قادر على تقديم المزيد من المعلومات التي بإمكانها الإضرار كثيراً به، وفي نفس اليوم حصلت الطامة الكبرى بإدانة بول مانافورت مدير حملة ترامب الانتخابية بالعديد من التهم التي قد يحصل بسببها على 10 أعوام في السجن .
أما الآن وقد ظهر مولر متحكماً ومسيطراً بشكل تام وقد أعدّ الفخ كاملاً ولم يعد بإمكان أحد إيقاف خطته ومع حالة الرعب التي ظهر بها ترامب بالأمس حين هدد بأن عزله سيدمّر الاقتصاد العالمي وسيؤدي للفوضى وإفقار الجميع، يبدو أن لحظة الحقيقة قد حانت خصوصاً أن مولر لا يعير ترامب انتباهاً، فهذا الثعلب اختبأ حتى صارت خطته كاملة ومحكمة .
فهل سيعزل ترامب، نعم، يبدو ذلك قريباً، ولكن كيف؟ وما هي تداعيات اللحظة المصيرية هذه في تاريخ السياسة الأمريكية، نزوّدكم بالمزيد في مقالات قادمة.