الوقت- عاشت جميع الأقليات الدينية والعرقية بشكل سلمي في سوريا منذ آلاف السنين حتی قبل فترة دخول الإرهاب الی هذا البلد في عام 2011. ولم نسمع طيلة تلك السنين أن حدث قتال بين المسلمين والمسيحيين او بين اي من المكونات الإسلامية المختلفة التي عاشت في سوريا علی مر التاریخ. لكن هذه المكونات الإسلامية والمسيحية أصبحت الیوم لا تعرف الأمان في معظم مناطق سوريا بسبب ما تقوم به الجماعات التكفيرية والإرهابية التي تدعي زورا وبهتانا أنها تريد تحرير الشعب السوري ولا نعرف من أي شي تريد تحريره؟ هل تريد تحريره من أرضه وتاریخه؟ أم أنها تقصد تحریره من النظام الذي تم إنتخابه من قبل هذا الشعب نفسه؟
تحتاج سوريا الی عدة عقود حتی يعود وضعها لتاريخ ما قبل دخول الجماعات الإرهابية إليها، والتي لم تكتف بقتل مئات الآلاف من الأبرياء فحسب، بل دمرت الحضارة الإنسانية والتاريخية في هذا البلد، الإسلامية منها والمسيحية علی حد سواء، وقامت بقتل المسلمین والمسیحیین دون التميیز بین الدیانة التي كانوا یتعبدون الله بها.
وفي هذا السياق أكد يوم أمس الرئیس السوري بشار الأسد خلال لقائه بـ رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي في فرنسا "جان فريدريك بواسون" وصول الإرهاب إلى الدول الاوروبية نتيجة عدم استماعها إلى متطلبات شعوب المنطقة والتدخل في شؤونها الداخلية وانتهاجها معايير مزدوجة في محاربة الإرهاب. من جهته شدد بواسون على ضرورة التعاون مع الحكومة السورية للقضاء على الإرهاب عبر دعم الدولة السورية والحوار مع الرئيس الأسد لحل الأزمة في بلاده وفق ما نقلت وسائل الإعلام السورية.
وعلی ما يبدو فإن الشعوب المسيحية باتت تدرك أهمية السلم الذي كانت تعيشه الاقلية المسيحية في سوريا قبل دخول الجماعات الإرهابية إلیها. كما أن مجازر الإرهابيين في سوریا المدعومين من قبل بعض الدول الأوروبية من ضمنها فرنسا، تسببت في هجرة الآلاف من السوريين المسيحيين الی دول اخری، وهذا سيخلي سوريا بشكل كبير من الأقلية المسيحية التي عاشت منذ آلاف السنين في الأراضي السورية دون مواجهة أي تميیز عنصري. بالاضافة الی هذا فان في سوريا أماكن تاريخية عريقة بقيت من الحضارة المسيحية في هذه المنطقة، أصبحت الیوم مهددة بالتدمير من قبل الجماعات الإرهابية حيث سيكون مصير هذه الكنوز الأثرية كما حصل للآثار التاريخية التي دمرها تنظيم داعش الإرهابي في الموصل ومدن عراقية اخری.
بناءً علی هذه المعطيات المریرة يجب علی الشعوب الأوروبية أن تطالب حكوماتها بالكف عن مواصلة دعم الإرهاب في المنطقة خاصة في سوريا والعراق، علی الأقل من أجل الحفاظ علی بقاء المسيحيين في هذه المنطقة وعدم إضطرارهم للهجرة وكذلك من أجل الحفاظ علی الآثار التاريخية المسیحیة التي يعود تاريخها لآلاف السنين قبل هذا التاریخ. ومن الواضح جدا أن خروج المسيحيين من منطقة الشرق الأوسط سيكون بمثابة خسارة لاتعوض بشيء بالنسبة للدول الأوروبية، لأن هذه الأقلية الیوم متواجدة في معظم دول الشرق الأوسط وتلعب دوراً ايجابياً في تعريف شعوب المنطقة بالثقافة والديانة المسيحية.
إذن علی الدول الأوروبية أن تعيد حساباتها تجاه سوريا والمنطقة من جديد، وتوقف دعمها للجماعات الإرهابية، وإذا ما كانت هذه الدول تظن في السابق أن دعمها لهذه الجماعات سيؤدي الی إنهيار نظام سوريا، فان التجربة أثبتت فشل إمكانية تحقيق مثل هذه الأهداف، وكذلك إن كان هذا الدعم اللامحدود للإرهابيين يهدف الی تجزئة سوريا لعدة دويلات لصالح الأمن الإسرائيلي، فإن هذا الهدف ايضا صار واضحاً أنه من غير الممكن تحقيقه، فلهذا نقول إن حسابات دول أوروبا تجاه سوريا، كانت منذ البداية خاطئة ويجب تغيیرها، للخروج من المستنقع السوري وللحفاظ علی بقاء المسیحیین وإرثهم الحضاري في هذه المنطقة، والذي هو ملك للإنسانیة جمعاء.