الوقت- يشهد الاتحاد الأوروبي في الفترة الأخيرة العديد من الأزمات الاقتصادية والسياسية والإجتماعية، تراكمت عبر السنوات الأخيرة دون أن تجد دول الاتحاد مخرجاً منها، الأمر الذي رفع من درجة التأهب الأوروبي لإعادة الإمساك بزمام الأمور ومنعها من التدهور، إذ أن وجود الاتحاد الأوروبي بات مهدداً بأكمله بسبب قضايا عالقة تشمل أطراً مختلفة ومتعددة.
الأزمات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي تشمل صعُداً مختلفة، ورغم هذا فإن الأزمة الاقتصادية في اليونان تعتبر العامل الأهم والأخطر الذي يهدد أساس هذا الاتحاد الذي تعود إنطلاقته إلى عام 1957 حيث تم تأسيس الجماعة الأوروبية للفحم والصلب (ECSC )، وضمت هذه الجماعة في انطلاقتها 6 دول، وكان الهدف منها توحيد الدول الأوروبية لمنع الحرب بينها، بالإضافة إلى إنشاء سوق مشتركة للفحم والصلب للنهوض بإقتصاد الدول الأعضاء.
وعلى هذا يمكن القول إن أزمة اليونان الإقتصادية وخروج أثينا من الاتحاد الأوروبي يشكل نسفاً لأولى أركان هذا الاتحاد، بالإضافة إلى أن وقوف الدول الأعضاء عاجزة أمام أزمة أثينا الإقتصادية يقلل من مبررات استمرار الاتحاد الأوروبي ويشكل لطمة قوية لمكانة الاتحاد الأوروبي وخاصة بعد فشله في استنقاذ اليونان رغم الخطتين الإقتصاديتين اللتين نفذهما فيها، وكتب "فابيان زوليج" و"جانيس ايمانويليديس" في تحليل لمركز السياسات الأوروبية: "ما سينتج عن خروج اليونان خلال الأمد الطويل سيكون له أثره على المشروع الأوروبي ككل، وسيؤدي إلى إضعاف مبررات وجود الاتحاد الأوروبي ذاته"، وكذلك فإن خروج اليونان من الاتحاد يشير إلى أن مؤسسي اليورو كانوا مخدوعين عندما أعلنوا أن العملة الموحدة رابطة لا تنفصم عراها.
ويضاف إلى الأزمة الإقتصادية، أزمة سياسية وعسكرية كبيرة يواجهها الاتحاد الأوروبي في أوكرانيا، فالإضطرابات الأوكرانية السياسية المستمرة سببت إنهياراً في الإقتصاد الأوكراني، ومن البديهي أن حل الأزمة الإقتصادية الأوكرانية يعتمد بالدرجة الأولى على حل النزاعات السياسية هناك، ولكن فشل الاتحاد الأوروبي بإعادة الإستقرار السياسي إلى أوكرانيا دفعه باللجوء لعلاجات مؤقتة لهذه الأزمة الكبيرة، وعلى هذا قررت المفوضية الأوروبية تقديم 600 مليون يورو لأوكرانيا كخطوة أولى من برنامج مساعدات معد مسبقاً يهدف إلى تقديم 1.8 مليار يورو إلى أوكرانيا، ولكن الاتحاد الأوروبي الذي فشل في حل أزمة اليونان هل سينجح في حل أزمة أوكرانيا الأكثر تعقيداً ؟!
وفي السياق نفسه قال نواب بريطانيون في تقرير صدر في فبراير/شباط من العام الجاري إن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لم يفهما الطبيعة الاستثنائية للأزمة الأوكرانية وافتقرا للقدرة على قراءة التحولات السياسية، واعتبر التقرير أن "أحداث أوكرانيا باغتت الدول الأعضاء"، مضيفاً أن غياب الإشراف السياسي في الاتحاد الأوروبي على محادثات التجارة مع كييف كان أمراً فاضحاً، هذا ووجهت اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية الخاصة بالاتحاد الأوروبي التابعة لمجلس اللوردات بعضاً من أشد انتقاداتها للاتحاد الأوروبي وبريطانيا قائلةً إنهما ارتكبا سلسلة من الأخطاء قبل الأزمة وإنهما يتحملان جزءاً من مسؤولية تدهور الوضع.
ويضاف إلى فشل الاتحاد الأوروبي في حل الأزمات السياسية والإقتصادية، عجزه عن تقديم حل موضوعي للمهاجرين، وأثبتت أزمة المهاجرين بالقوارب عبر المتوسط أنها من عوامل الفرقة في الاتحاد الأوروبي، إذ اتهمت إيطاليا ودول أخرى على الخطوط الأمامية شركاءهم في الشمال والشرق بعدم التعاون، وذلك لرفضهم الاشتراك في تمويل اللاجئين أو استقبال مجموعة منهم، حيث رفضت بريطانيا استقبال لاجئين، وهذا يؤكد نظرية أن الاتحاد الأوروبي يعود بالفائدة على الدول الكبيرة على حساب الدول الصغيرة.
هذه الأخطار والإنقسامات باتت تشكل نهاية الحلم الأوروبي بتكامل سياسي ومالي قوي، فالاتحاد الأوروبي بات على مشارف "انتهاء الصلاحية"، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" إلى القيام بجولة على عدد من العواصم الأوروبية، من بينها باريس وبرلين، لضمان إجراء إصلاحات في الاتحاد الأوروبي تطالب بها بريطانيا كشرط لاستمرار بقائها في الاتحاد، ولكن غونتر أوتينغر، مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الرقمية، رفض الطلب البريطاني معتبراً أن "تغيير المعاهدات يعد أمراً خاطئاً".
المخاطر والأزمات المتعددة وضعت الاتحاد الأوروبي أمام خيارين، الأول مواجهة نهايته بالتفكك والإنقسام الذي ظهرت بوادره في بريطانيا التي أعلنت أنها تدرس بشكل جدي الإنسحاب من الاتحاد الأوروبي؛ أما الخيار الثاني فيتمثل بقيام الاتحاد الأوروبي بعمليات إصلاح جذرية كاملة تضمن له استمراره وتحافظ على بقاءه، أي أنه على الاتحاد الأوروبي أن يقوم بعملية "إعادة تصنيع" شاملة وإلا سَيَعُدُّ آخر أيام "انتهاء صلاحيته".