الوقت- عجزت الجماعات المسلحة بكل انتماءاتها وعلى اختلاف مصادر تمويلها ودعمها عن كسر صمود أهالي بلدتي كفريا والفوعة منذ بدء حصارهما في 28 آذار/ مارس عام 2015 وحتى اللحظة ليخرج الأهالي مرفوعي الرأس من قلب الحصار يوم الأربعاء الماضي ليكتمل إجلاء الأهالي يوم أمس الخميس وفقاً لبنود الاتفاق، وعلى هذا الأساس أصبحت البلدتان خاليتين من المدنيين، ولكن كما جرت العادة لا يمكن للمسلحين الالتزام بأي تعهد، فالغدر أصبح سمة رئيسية لهم، تفجرت هذه السمة في الساعات القليلة الماضية لتكون نتيجتها احتجاز آخر دفعة من الحافلات التي تقلّ أهالي كفريا والفوعة.
هذا الحدث لم يكن مستبعداً عن مسلحي تلك المناطق، وكان أهالي الفوعة وكفريا يعون ذلك لهذا السبب أصروا على أن يتضمن الاتفاق "إخراج الحافلات دفعة واحدة رافضين الخروج على دفعات تخوّفاً من تكرار مجزرة الراشدين في نيسان/ أبريل من العام الماضي كما يطالبون أن يكون أحد الأفرقاء الدوليين الضامنين للاتفاق هو المراقب لطريق سير الحافلات لضمان سلامتها"، ومع ذلك قام المسلحون المنتمون إلى "هيئة تحرير الشام" باحتجاز ما بين 19 إلى 21 حافلة من الحافلات التي تقلّ أهالي كفريا والفوعة، وهي الدفعة الأخيرة، بعد أن صعدوا على متن الباصات وصادروا أغراضاً من أهالي البلدتين.
ويقدّر عدد المدنيين المحتجزين بـ900 مدني كما طالب المسلحون بالإفراج عن مسلحين آخرين بدلاً من الذين رفضوا التوجه إلى إدلب حيث إن نحو 700 مسلح من أصل 1500 يشملهم الاتفاق رفضوا الذهاب إلى إدلب وفضلوا البقاء في مناطق الدولة.
ولم يكتفِ المسلحون بذلك، فقد اعتدوا على الخارجين من أهالي كفريا والفوعة وهددوهم بتفجير مماثل لتفجير الراشدين، وأصيب تقريباً 40 شخصاً بينهم نساء وأطفال نتيجة اعتداء المسلحين على الخارجين من كفريا والفوعة، وتعرضت حافلاتهم للاعتداء بالحجارة من قبل الجماعات المسلحة ما أدى إلى إصابة مدنيين وخسائر مادية بالحافلات، فما الذي دفع المسلحين للقيام بذلك، انتقام أم محاولة أخيرة لتجنب عزلهم؟!
أولاً: لم يكن يعتقد أحدٌ بأن أهالي بلدتي كفريا والفوعة قادرون على الصمود إلى هذا الحدّ بعد أن سيطر "جيش الفتح" على مدينة إدلب بأكملها في مطلع العام 2015، حيث استمرت المعارك في محيط البلدتين عدة أشهر متواصلة في محاولة للسيطرة عليهما، ولم يتوقف المسلحون عن الاعتداء على هاتين البلدتين خلال السنوات الماضية، فبعد عدة أشهر من الحصار وتحديداً في تموز 2015 شهدت البلدتان أعنف المعارك عبر تنفيذ هجمات انتحارية استخدمت فيها أكثر من 15 عربة مفخخة، واستمرت هذه الهجمات بشكل شبه متواصل حتى أيلول/ سبتمبر من العام ذاته، فخسر المسلحون أكثر من 500 قتيل ومئات الجرحى.
واستمرت المعارك بعدها في فترات متقطعة أظهر فيها أبناء البلدتين بسالة غير مسبوقة في الدفاع عن أرضهم في وسط يعج بالمسلحين القادمين من كل حدب وصوب، وبينما كان المسلحون ينهارون في كل مكان يدخله الجيش السوري وحلفاؤه بقي أهالي كفريا والفوعة صامدين حتى تمكنوا من تحرير الآلاف من أبناء بلدتهم عبر عدة اتفاقات كان أحدها تحرير مدينة حلب وخروج الإرهابيين منها، وقبل فترة تحرير مدينة الزبداني وبلدة مضايا.
واليوم جاء الاتفاق الأخير الذي يقضي بإخراج جميع أهالي كفريا والفوعة مع السلاح الفردي الخفيف باتجاه مدينة حلب، ويبلغ عددهم 6800 شخص، مقابل إخراج 1500 مسلح معتقلين في سجون الحكومة السورية، وهذا يعدّ نصراً كبيراً لأبناء البلدتين الذين لقنوا المسلحين درساً بالتضحية والوفاء والصمود.
ثانياً: سكان كفريا والفوعة كانوا ورقة الضغط الأخيرة على الحكومة السورية، وكانوا حقيقة "كعب أخيل" للجيش السوري، ومن هنا أدرك المسلحون أهمية بقائهم تخوفاً من أن يشنّ الجيش السوري معركة قريبة ضدهم لذلك احتجزوا قسماً منهم حتى لا يفقدوا أوراقهم جميعها في الحرب المقبلة أو في المفاوضات، وربما يكون بإمكانهم إخراج أعداد أكبر من المسلحين ليشاركوا في المعارك المقبلة.
ثالثاً: المسلحون يدركون جيداً بأن المعركة القادمة ستكون في إدلب، وأن الجيش السوري قادم لتحريرها لا محالة، ولم يعد لهؤلاء المسلحين من يحميهم بعد أن رفعت واشنطن يدها عن دعمهم وكذلك بقية الدول، ورأينا كيف تمكن الجيش السوري من استعادة درعا وتحريرها مع ريفها خلال أسبوعين فقط علماً أنها على تخوم الأراضي المحتلة ومع ذلك لم يستطع أحد أن يوقف تقدم الجيش السوري هناك، واليوم سيتكرر نفس السيناريو في ادلب لذلك هناك حالة من الهلع بين صفوف المسلحين في إدلب، والحكومة السورية قالت عدة مرات بأن الجيش السوري سيستعيد جميع الأراضي التي يسيطر عليها المسلحون وحتى اللحظة استطاع هذا الجيش استعادة أغلبية أراضي البلاد، ولم يتبقَ سوى إدلب ومناطق انتشار الأكراد، ولهذه الأسباب وغيرها يدافع مسلحو إدلب عن حصنهم الأخير الذي سيتحطم كغيره من الأسوار الهشة التي لا يوجد خلفها أي حاضنة شعبية تدعم صمودها.
في الختام.. ورقة الضغط التي يتمسك المسلحون بها خرجت عن سيطرتهم ومحاولة التمسك بما تبقى منها لن تدوم طويلاً، وأبناء الفوعة وكفريا المحتجزون سيتحررون لا محالة وحينها سيطوون صفحة الماضي بعد أن سطروا لأنفسهم ولبلدهم تاريخاً من المجد سيبقى منارةً لكل الأجيال القادمة.