الوقت - في واحدة من أكثر اللحظات توتراً منذ انتهاء الحرب الباردة، وعلى الرغم من النيران التي تشتعل في أرجاء العالم، بدا اللقاء الذي جمع زعمي القوتين العالميتين (بوتين وترامب) بارداً للغاية، وكان متوقعاً للقاء أن يُشكّل بداية حربٍ جيوسياسية جديدة بين أمريكا وروسيا وذلك لوجود اختلافات عميقة في مواضيع مختلفة كالأزمة في سورية، والأزمة في أوكرانيا، والأزمة النووية الكورية الشمالية ورغبة الناتو في التوسع إلى الشرق، ناهيك عن النزاعات في بحر البلطيق وأوروبا الشرقية بالإضافة لشائعات تورط موسكو في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، وهي التي تًعدّ واحدة من أهم العوامل التي أدّت إلى تفاقم الفجوة بين واشنطن وموسكو، وعلى الرغم من كل ما سبق كان العالم يرقب اجتماع هلسنكي وما إذا كان لدى الزعيمين رغبة في تحسين العلاقات بين بلديهما الأمر الذي من شأنه أن يُشكّل خرقاً حقيقاً وكسراً للجليد الذي يحكم العلاقات بين موسكو وواشنطن.
حول آفاق العلاقات الروسية الأمريكية بعد اللقاء الأخير، يؤكد عدد من المحللين السياسيين أن الحكم على محادثات ترامب وبوتين يجب ألّا يأخذ من التغطية الإخبارية لذلك اللقاء، ومما لا شك فيه أنّه إذا أعلن الرئيسان عن نتائج محادثاتهما للإعلام فهذا أبعد ما يكون عن الحكمة السياسية، وعلى هذا الأساس لا يمكننا الحديث عن المفاوضات القائمة ونتائجها المعلنة دون النظر إلى ما سنراه على الصعيد التنفيذي، وفي الواقع ونظراً لمستوى الاحتقان في العلاقات بين موسكو وواشنطن، فإن حلّ الخلافات غير ممكن بهذه السرعة، ومجرد قبول التفاوض من أجل تسوية ثنائية الاتجاه يعكس وجود هذه التوترات، مع العلم أنّ بوتين يتمتع بخبرة أكبر بالمقارنة مع نظيره الأمريكي في مجال المفاوضات الأمنية والسياسية، فبوتين وكما يعلم الجميع عمل لفترات طويلة في الاستخبارات الأمر الذي مكّنه من اكتساب خبرة كبيرة في حين أن ترامب ليس أكثر من مجرد رجال أعمال يعمل في السياسة.
واستناداً إلى ما ذُكر أعلاه فإنّ بوتين يحاول الاستفادة من هذه الفرصة التي أدّت وبحسب المحللين إلى إنجاح المفاوضات مقارنة بترامب الذي يحاول الاستفادة من عمله كرجل أعمال في مجال السياسة حيث أهلته هذه الخبرة إلى عقد الصفقات خلف الكواليس قبل أن يفكر في الدبلوماسية، ولمعرفة مدى نجاح تلك المفاوضات لا بدّ لنا من الانتظار لنرى ما إذا كان الجانبان سيصلان إلى حلٍّ للخلافات حول قضايا مثل سوريا وأوكرانيا.
ويرى محلل سياسي آخر أنّه لا ينبغي لنا أن نتوقع تحوّلاً خاصاً في العلاقة بين واشنطن وموسكو من خلال لقاء الزعيمين مستشهداً بثلاثة أسباب حول هذا الرأي:
أولاً: وجود الكثير من القضايا المثيرة للجدل والصعبة بين البلدين، والتي لا يمكن حلّها من خلال لقاء استغرق ساعتين أو ثلاث ساعات، وخاصة على مستوى رؤساء البلدين، فإذا كانت روسيا وأمريكا ترغبان بالفعل بالتوصل إلى اتفاق فعليهما التشاور والمناقشة عن طريق خبراء البلدين، ثم جلب النتائج إلى قمة رؤساء البلدين، أما ما حدث بالأمس فلم يتعدّى كونه مجرد زيارة دبلوماسية بسيطة بين قادة البلدين.
ثانياً: أما هذا السبب فيتركّز حول معاداة البنية الأساسية الأمريكية (سياسية وأمنية) لروسيا، وهذه النظرة المعادية لروسيا هي واحدة من أكبر العقبات التي تعترض تطبيع العلاقات بين البلدين، وتمنع تطوير العلاقات الثنائية، كما شهد العالم اتهام أمريكا قبل أيام قليلة من الزيارة لـ 12 من رجال الأمن في روسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، حيث إن أجهزة الاستخبارات ليست على استعداد لتحسين العلاقات مع روسيا.
وعلى الجانب الآخر دعا عدد من السياسيين الأمريكيين من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي وقبل اجتماع ترامب وبوتين إلى إلغاء الزيارة، لذلك فإنّ الروح المعادية لروسيا داخل أمريكا عائق كبير أمام تطبيع العلاقات بين الجانبين.
ثالثاً: السياسات الروسية، فروسيا اليوم ليست روسيا الضعيفة التي كانت في تسعينيات القرن العشرين والتي كانت تدخل في أزمات وهمية مع أمريكية، روسيا اليوم هي أمة روسية كبيرة، وعلى الرغم من حقيقة أن الروس قد دخلوا في أزمات مع أمريكا كالأزمة في أوكرانيا وسوريا غير أنّهم اليوم باستطاعتهم التعامل مع الوضع الجديد والحصول على اليد العليا في تلك الأزمات.
وفي النهاية يمكن التأكيد على أنّ الروس لا يحتاجون إلى التوصل لاتفاق مع أمريكا حول تلك الأزمات حيث إنّ الأمريكيين فقدوا قدرتهم على التأثير على الساحة الدولية.
وبناءً على ما سبق من الصعب جداً التوصل إلى اتفاق بين الجانبين خاصة في ظل الأُحادية الأمريكية، ولهذا السبب وفي مثل هذه الاجتماعات لا يوجد أي إنجاز سياسي كبير في العلاقات بين البلدين، ومن غير المحتمل في المستقبل أو على المدى القصير أو حتى على المدى البعيد أن يتمكن الجانبان من تحقيق الاتفاق أو حتى التقارب في وجهات النظر.