الوقت- تشهد مدن غربي فرنسا، أعمال شغب عنيفة لليوم الرابع على التوالي وذلك إثر مقتل شاب في الـ22 من عمره مساء الثلاثاء بحي براي في مدينة نانت أثناء عملية تفقّد هويات من قبل الشرطة، وكان الشاب الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف بتهمة "السرقة ضمن عصابة منظمة"، حاول الفرار في سيارته بحسب مدعي الجمهورية في نانت بيار سينيس، فيما الرواية الأخرى تقول إن الشرطي قتل الشاب أثناء فحصه لوثائق السائق ليلة الثلاثاء الماضي رغم انصياع الضحية لأوامر الشرطة.
وعلى إثر مقتل الشاب بدأت الاضطرابات في نانت، وتوّسعت إلى المدن المجاورة وتصاعدت الاضطرابات بين الشرطة وأبناء المنطقة، ما أدّى إلى إحراق 52 سيارة من بينها السيارة الشخصية لرئيس البلدية، فيما تضررت 8 مبانٍ نتيجة الحرائق الناجمة عن استخدام الزجاجات الحارقة من قبل المتظاهرين الذين اتهموا رجال الشرطة بالوحشية، حيث قاموا باعتقال أكثر من 100 شخص من أبناء الحي ثلثهم من الأطفال القاصرين بتهمة ارتكاب أعمال عنف، وهتف المتظاهرون بشعارات منها: "بلا عدالة - لا سلام" و"الشرطة في كل مكان، العدالة مفقودة في كل مكان"، فيما رفع المحتجون لافتات كتب عليها "سنعطي إجابة شعبية ضد العنصرية من جانب الدولة، وضد عنف الشرطة وملاحقة المهاجرين".
الرواية الرسمية
أعطى الرئيس الفرنسي أوامره إلى مجلس الوزراء لحلّ القضية بأسرع وقت ممكن، وعلى إثر هذا الطلب توجّه رئيس الوزراء الفرنسي ادوار فيليب إلى نانت لحلّ القضية، حيث أدان أعمال العنف من الطرفين ووعد بـ "شفافية كاملة" في حادثة مقتل الشاب، وقال وزير الداخلية جيرار كولومب إن: "الحكومة ستبذل كل ما بوسعها لتهدئة الوضع، وأضاف "إن من واجبنا إعادة فرض الهدوء في نانت، وفي كل أنحاء البلاد".
وكشف وزير الداخلية عن تفاصيل الحادث إذ قال إن الضحية "أبو بكر.ف" كان يخضع للمراقبة في إطار تحقيق حول تهريب مخدرات، عندما أوقفته الشرطة الثلاثاء، وأضاف إن "أبو بكر لم يكن يحمل بطاقة هوية وأعطى اسمّاً مزيّفاً فحاولوا توقيفه".
بدوره قال بيار سينيس، مدعي الجمهورية في نانت إن السائق بعد التعرف على هويته من قبل الشرطة "حاول على ما يبدو الفرار برجوعه بسرعة بالسيارة ما دفع الشرطي إلى إطلاق النار عليه بهدف منعه عن الفرار لكن الرصاصة أتت في رأسه"، وعلى إثر ذلك تم توقيف عنصر الشرطة الذي أطلق النار من جانب دائرة تابعة للشرطة تقوم بالتحقيق في الحادثة وذلك بتهمة "ارتكاب شخص في السلطة للعنف بشكل طوعي، أدّى إلى وفاة غير مقصودة".
عنف الشرطة الفرنسية
إن قمنا بمراجعة التاريخ نرى أن للشرطة الفرنسية تاريخاً حافلاً بالعنف والاعتداءات بحق المواطنين الفرنسيين، حيث يرى محللون أن الشرطة الفرنسية تشكّلت تاريخياً لخدمة الدولة وليس لخدمة الشعب، وخصوصاً السكان المهاجرون إلى البلاد أي من أصول أجنبية، وسنذكر فيما يلي بعضاً من الاعتداءات التي قامت بها الشرطة بحق المواطنين الأبرياء:
1- مطلع فبراير الماضي، تعرّض "ثيو" (22 عاماً) لاعتداء جنسي من قبل 4 من عناصر الشرطة الفرنسية، أثناء التحقّق من هويته في ضاحية "أولناي سو بوا"، ما فجّر احتجاجات عارمة في مختلف أرجاء البلاد، أسفرت بدورها عن إيقاف عدد كبير من المحتجّين.
2- أواخر العام الماضي، قامت الشرطة باعتقال المئات بعد قمع مظاهرات عمالية تطالب بوقف قانون العمل الجديد الذي ينص على زيادة الحدّ الأقصى لساعات العمل في اليوم من 10 إلى 12 ساعة، وإمكانية تسريح العاملين الذين يرغبون في إجراء تعديلات على عقود عملهم، وتقليل أجر ساعات العمل الإضافية، وتقليل الحدّ الأدنى لعدد ساعات العمل الأسبوعية للعاملين بدوام جزئي، البالغ حالياً 24 ساعة، كما يمنح القانون أرباب العمل صلاحية زيادة عدد ساعات العمل، وخفض الرواتب.
3- حادثة مقتل الطفلين زياد بنّة (17 عاماً) وبونا تراوري (15 عاماً)، في 2005، في ضاحية "كليشي سو بوا" الفرنسية، لدى فرارهما من الشرطة، وهي الحادثة التي فجّرت الوضع حينها في باريس، وأشعلت احتجاجات دامية استمرت لـ 10 أيام، وأجبرت الحكومة على فرض حالة الطوارئ.
4-حادثة اقتحام مسجد في باريس العام الماضي وطرد المعتصمين من داخله بالقوة عبر استخدام الهراوات والعصي والغاز المسيل للدموع.
هذا وتعتبر فرنسا من بين البلدان الأوروبية الأكثر توتراً، حيث تعدّ مراقبة الهوية آلية معتمدة بشكل أكبر مما هي عليه في أي مكان آخر، وذكرت مصادر أمنية فرنسية، أن 48 تحقيقاً يجري مع الشرطة، على خلفية اتهامها بممارسة العنف مع متظاهرين، وفي هذا السياق كشفت ماري فرانس مونغير، رئيسة وحدة التحقيق الوطنية المعنية بممارسات الشرطة، فتح 48 تحقيقاً حول لجوء عناصر الشرطة للعنف في 1500 مظاهرة، وبحسب مونغير فإن أغلبية التحقيقات فتحت في مدن باريس، ورين، ونات، منذ نهاية مارس/ آذار الماضي، وأضافت إن 916 تحقيقاً فتح ضد الشرطة خلال العام الماضي، 37 منها تتعلق بتهم فساد، غير أن أغلبيتها كانت تشتكي من عنف الشرطة.