الوقت - تستخدم الإمارات سياسية "فرق تسد" مع كل ارتباطاتها وعلاقاتها مع مرتزقتها، ومع التشكيلات والمكونات التي أنشأتها ورعتها تحت سقف جنوب مستقل لا يخضع لدولة اتحادية، ولا يعترف بشرعية "هادي" الذي يشارك الإمارات في العدوان على اليمن بداعي استعادته.
وتدخل الإمارات حربها على اليمن تحت غطاء التحالف لتنفيذ أجندة أحادية خاصة بها، وبالتالي تخشى من وجود أي مكون موحد وقوي يتقارب مع الرياض للانقلاب عليها وفرملة نفوذها، وتعمل جاهدة على الإمساك بكل خيوط اللعبة في الجنوب اليمني عبر أطراف عدّة تعترف بسلطتها، وتدين بالولاء لها، إلا أن الأحداث الأخيرة أحدثت شرخاً كبيراً بينها وبين هذه المكونات والقوى، وارتفعت أصوات جنوبية عالياً تنادي بإعادة النظر في الدور المكلّف الذي تقدمه هذه القوى في حرب الإمارات على البلد مقابل المال.
طبيعة المكونات
تعد تشكيلات ما يسمى بـ "قوات المقاومة الجنوبية" المشكلة من كيانات موالية لشخصيات من قيادة الحراك الجنوبي، وهي لا تمثل قوة واحدة، وكذا قوات "الحزام الأمني لعدن" الموالي للإمارات وقيادتها في عدن، كل هذه التشكيلات المسلحة لا تتبع أيّاً من وزارتي الدفاع أو الداخلية اليمنية لحكومة هادي، بل تشكلت في ظل رعاية إماراتية وصمت حكومي رسمي، مع تصريحات خجولة تأخرت كثيراً للمطالبة بضرورة إدماج كل القوات تحت مظلة ما يسمى بـ "الشرعية".
عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي ومحافظ عدن الأسبق الذي أقاله هادي، وشكل مجلسه كرد فعل على قرار إزاحته، وفعل ذلك بدعم إماراتي كونه مرتبط بأبو ظبي، لديه لواء كامل تحت إمرته، وقوات الأمن الرسمية بعدن تابعة لشلال شائع، مدير الأمن المقرب من الإمارات ومن عيدروس نفسه، كما أن مدير أمن لحج لديه قوات مماثلة، ولدى مختار النوبي وأبو اليمامة القياديين في "الحراك الجنوبي" قوات شبيهة.. وكل هذه القوات علاوة على قوات "الحزام الأمني" مكشوفة وواضحة، وشاركت فعلياً في المعركة ضد ألوية الحماية الرئاسية الموالية لهادي في نهاية يناير من العام الحالي، تشكيل هذه القوات غير التابعة للسلطات الرسمية كان خللاً كبيراً لم تعالجه سلطات هادي؛ لأن كل مساعيها لأجل ذلك قوبلت بحائط صد إماراتي صلب، فالإمارات شكلت أيضاً "قوات نخبة" لمحافظات شبوة وحضرموت والمهرة، موازية لقوات الحزام الأمني في عدن وأبين ولحج. وهذه القوات هي المسيطرة على الأرض عملياً.
فرق تسد
السيطرة الواضحة لحلفاء الإمارات، تعني إسقاط شرعية الرئيس هادي كلياً، وهذا يتعارض مع أهداف التحالف، أو يفضح أجندته غير المعلنة بشكل أسرع من المطلوب، كما أن سيطرة الحكومة تؤدي لانهيار معنويات قوات "الانتقالي" المبنية على إقامة دولة مستقلة للجنوب برئاسته، وربما يؤدي إلى عدم تحمّسها للعمل مع الإمارات كالسابق، لهذا كان للمعركة أهداف دقيقة لا يمكن تجاوزها، تؤدي إلى كسر الحكومة، والضغط لإحداث تغييرات تجعل المجلس الانتقالي شريكاً للسلطات الشرعية بدلاً من تعاملها معه ككيان غير معترف به وخارج عن القانون، لكن هذا لم يتحقق حتى الآن، تشكيل قوات جنوبية متعددة الولاءات والانتماءات يساعد الإمارات على تمكينها من السيطرة على الأرض تدريجياً، وبهذا تظل في حالة احتياج دائم للدعم الإماراتي، وقد تتحول إلى قوة سياسية معترف بها لتمثيل الجنوب، والعمل كشريك يفرض إرادته على هادي وحكومته، لكن جميع هذه المكونات غير موحدة القيادة والأهداف، وهذا يسهل توجيه الإمارات لها، وتنسيق خطواتها، خصوصاً ودعم الأخيرة جوهري لاستمرارها.
انقلاب شبواني
رفض القيادي في نخبة شبوة خالد العظمي أوامر قيادة القوات الإماراتية في بلحاف، التي قضت بنقل غرفة العمليات إلى خارج قاعدة بلحاف العسكرية التابعة للإمارات، ما أدى إلى نشوب خلافات بين قيادتي النخبة الشبوانية والقوات الإماراتية ببلحاف، وتطور الخلاف إلى قيام "العظمي" برفع علم الوحدة للتعبير عن الانضمام إلي الشرعية، مهدداً بضم القوات التابعة له إلى قوات حكومة هادي، وهو ما اعتبرته القيادة الإماراتية تمرداً عسكرياً في شبوة، بينما اعتبره مراقبون انقلاباً عسكرياً غير معلن على الإمارات من أول تشكيل عسكري موالٍ لها في الجنوب.
إدارة الصراع إماراتياً
على الرغم من عدم وضوح المشهد في الجنوب، إلا أن تفكيكه قائماً، وبات إضعاف هادي وحكومته هدفاً بذاته؛ لتستمر الحالة المتشرذمة أطول وقت ممكن، ما يساعد على إعادة تشكيل قوى وجغرافيا الجنوب دون خسائر كبيرة، بل هي عملية إدارة صراع بين قوى يمكن إدارتها وتوجيهها لعدم وجود قوة كبيرة فيها يمكن أن تخضع القوى الأخرى، وتعمل الإمارات حالياً على نقل الحرب إلى الشمال لمواجهة "أنصار الله" دون السماح بتحقيق انتصارات مفصلية توظف لمصلحة "حزب الإصلاح" وهادي، وتعمل على إعداد قوات شمالية موازية للشرعية و"الإصلاح" لهذا الغرض عبر دعم طارق صالح، وبهذا تتعدد قوى الشمال عسكرياً وسياسياً فتتصارع فيما بينها، وتنشغل السعودية بحماية حدودها، وتتفرغ الإمارات لجني أرباح الحرب جنوباً.. هذا على الأقل ما تقدمه مؤشرات اللحظة الراهنة في اليمن.