الوقت- تتواصل فصول العداء بين قطر ودول الحصار، الدوحة التي لم تعر اهتماماً في أدبياتها السياسية منذ بدء الأزمة الخليجية وحصار الدول الأربعة، تركز اهتمامها على مواجهة الجهات الأساسيّة التي تقف خلف هذا الحصار، وتحديداً السعوديّة وقطر.
ورغم أنّ الرياض كانت أكثر عدائية تجاه الدوحة سواء في الأزمة الخليجية الحالية، أم الأزمة السابقة عام 2013، إلا أن قطر اختارت توجيه بوصلة المواجهة نحو الإمارات حيث اتخذت إجراءات ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، وذلك بسبب "انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان بحق دولة قطر ومواطنيها"، وفق بيان الخارجيّة القطرية، كما طالبت قطر المحكمة الدولية بأن تأمر الإمارات باتخاذ الخطوات اللازمة من أجل الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، بالإضافة إلى مطالبة أبوظبي بتقديم تعويض كامل عن الأضرار التي لحقت بقطر بسبب انتهاكات إماراتية للاتفاقية.
التصعيد الأخير لم يكن محطة الخلاف الأولى بين البلدين منذ اندلاع الأزمة؛ فقد سبقه سِجالات عِدة واتهامات مُتبادلة، فقبل التوتّر القانوني الأخير، حصل توتّر جوّي بين البلدين حيث أعلنت الإمارات أن "مقاتلات قطرية اعترضت طائرتين مدنيتين إماراتيتين خلال رحلتين اعتياديتين إلى المنامة أثناء تحليقهما في المسارات المعتادة"، وقبل التوتّر الجوي أيضاً وجّهت قطر اتهاماً للإمارات بقرصنة وكالة الأنباء القطرية، وفبركة تصريحات نُسِبت لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثانٍ، تهاجم عدداً من الدول بينها أمريكا ومصر والسعودية، قبل شهر من اندلاع الأزمة، وبينما دار سجال بين الدوحة وأبوظبي حول حق استضافة مونديال 2022، اتهمت الإمارات في نوفمبر الماضي، الدوحة بالوقوف وراء إعلان منظمة غير حكومية التقدّم بشكوى ضدّ أبو ظبي إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة "ارتكاب جرائم حرب" في اليمن.
هذه بعض فصول الخلاف والتوتّر بين البلدين، ناهيك عن وجود العديد من المشاحنات الأخرى كاحتجاز الإمارات للشيخ عبدالله بن علي آل ثاني، أحد أبرز أفراد الأسرة الحاكمة القطرية، وجميع تلك الخلافات لم تحصل مع السعوديّة رغم أنها الوحيدة التي تمتلك حدوداً بريّة مع الدوحة، فما أسباب هذا العداء بين البلدين؟
أسباب عدّة تفسّر مستوى العداء القائم بين الدوحة وأبوظبي، يمكن الإشارة إليها في جملة من النقاط، أبرزها:
أوّلاً: يعدّ عداء الإمارات للإخوان المسلمين المدعومين قطرياً أحد أبرز فصول الخلاف مع الإمارات، فقد بنت أبوظبي سياستيها الداخلية والخارجية على عداء الإخوان ومحاربتهم، بينما يلعب الإخوان دوراً رئيسياً في السياسة الخارجيّة القطريّة.
ثانياً: تدرك الدوحة أن ولي العهد الإماراتي الشيخ محمد بن زايد هو من يقف فعلاً خلف سيناريو الحصار، وقد نجح في إقناع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالمضي في سيناريو الحصار، تماماً كما نجح في إقناعه في العديد من الملفات الأخرى، بعبارة أخرى، يرى الأمير تميم في ابن زايد رأس الحربة في المشروع الذي يستهدف قطر، وقد اتهمت صحيفة "واشنطن بوست" خلال شهر تموز/ يوليو بأن الأمارات قد خطّطت لحادثة الاختراق التي وقعت في أيار/ مايو الماضي.
ثالثاً: تختلف أساليب المواجهة بين الرياض وأبوظبي تجاه الدوحة، ففي حين تعتمد الأولى على سياسات عدائية واضحة، تنتهج الأخيرة سياسات علنية أقلّ عدائية إلّا أنها أكثر فاعلية، أي إنّ الرياض تستخدم سياسات أكثر عداء وغباءً مع الدوحة، بينما تعمد الإمارات إلى سياسات أكثر دهاء. كذلك، تدرك قطر ثبوت تورط الإمارات بمحاولات انقلاب في العديد من الدول بدءاً من محاولة التجسس في سلطنة عمان، مروراً بالدعم الإماراتي لما حصل في مصر، وليس انتهاء بليبيا والمعلومات التي تسيطر حالياً على الرأي العام التونسي والتي نقلها موقع "موند أفريك" الفرنسي، عن مصادر دبلوماسية غربية مفادها أن وزير الداخلية التونسي المقال لطفي براهم التقى سرّاً رئيس مسؤول المخابرات الإماراتي بجزيرة جربة التونسية (جنوب)، وخططاً معاً "لانقلاب" على السلطة في تونس.
يدرك الشيخ تميم أن لا خطر على نظامه من تحرّك عسكري خليجي بسبب الدعم التركي العسكري والحضور الأمريكي، وبالتالي الخشية الرئيسية من تحرّكات انقلابية على شاكلة مشروع الشيخ بن علي آل ثاني الذي فشل.
رابعاً: من الأسباب الأخرى لهذا العداء: مستوى التقارب الأمريكي الإماراتي، والدور الذي يلعبه السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة للتأثير على القرار الأمريكي في مواقفها الخليجية بشكل عام، وتجاه قطر على وجه الخصوص، السعودية استفاقت مؤخراً على انتشار لوبي سعودي في أمريكا، بينما بدأت الإمارات بهذا النهج منذ سنوات.
خامساً: هناك محاولات قطرية للعب على وتر العلاقة بين الإمارات والسعوديّة، الدوحة التي لمست خلافات حقيقية بين كل من السعودية والإمارات في الجنوب اليمني، تسعى اليوم لتعزيز هذه الخلافات على أكثر من صعيد كونها ستكون المستفيد الأبرز من أي عداء بين الرياض وأبوظبي.
سادساً: يرخي الواقع الجيوسياسي بين قطر والإماراتي بظلاله على واقع العلاقة المتنافسة والمتأزمة بين البلدين، المناطحة القائمة بين البلدين تتعلّق بالمستوى الجيوسياسي لكل منهما، في حين أن السعوديّة تمتلك فاصلة أكبر في الواقع الجيوسياسي مع كلا البلدين.