الوقت- تمرّ سوريا التي تتحضر لنهاية أزمتها وبداية صراع جديد فرضته ظروف المنطقة، بمجموعة من التحديات على ثلاثة مستويات "داخلية، إقليمية ودولية" لا يمكن لأحد التكهّن بنتائجها كما لم يتمكن أحد من التكهّن بنتائج الحرب السورية التي كان من المتوقع أن تمزّق هذه البلاد إلى دويلات مبنية على أسس طائفية أو قومية أو مناطقية بما يتناسب مع المناخ السياسي الذي تحدده القوى العظمى، لكن ما حصل كان أعظم مما توقعه كثيرون.
البلاد اليوم على وشك الخروج من أزمتها على المستوى العسكري، وهذا ما لا يروق لقادة "إسرائيل" وأمريكا والواقفين في صفهم، ونظراً لصعوبة الموقف بالنسبة لهم بدؤوا يهلوسون سياسياً ويصرّحون تصريحات لا تنمّ عن أنهم في موقع قوة، ويعود الفضل في هذا إلى المقاومة التي أبداها الشعب السوري وجيشه وحلفاؤهم في منع تقسيم البلاد والذهاب بها نحو المجهول.
وبما أن المناخ الدولي اليوم يعادي إيران ويترصّد لها في أي موقف تتخذه أو خطوة تقوم بها، فإنّ القيادة في "إسرائيل" تهرب من خساراتها المتكرّرة لتلصق التهمة بإيران على أنها سبب تأزّم الأوضاع في المنطقة وكأن إيران كانت موجودة في سوريا منذ عقود طويلة، وبما أن "السعودية وإسرائيل وعرّابتهم أمريكا" اليوم قلقين من القوة التي وصلت إليها طهران كان لا بدّ من مهاجمتها في أي مناسبة من قبل هؤلاء الثلاثة.
يوم الاثنين صرّح وزير الطاقة "الإسرائيلي" "يوفال شتاينتس" لصحيفة "يديعوت أحرنوت" مهدداً الرئيس السوري بشار الأسد بالقتل إن لم يُخرج القواعد الإيرانية من سوريا، قائلاً: "إن "إسرائيل ستقضي على الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه في حال استمر بالسماح لإيران بالعمل من داخل الأراضي السورية"، وأضاف الوزير الإسرائيلي إنه "إذا سمح الأسد لإيران بتحويل سوريا لقاعدة عسكرية لمهاجمتنا فستكون هذه نهايته".
وردّاً على سؤال عمّا إذا كان ذلك يعني أن "إسرائيل" ربما تغتال الأسد قال شتاينتز "دمه سيكون مباحاً"، لكنه أضاف إن تصريحاته لا تعبّر عن سياسة الحكومة "الإسرائيلية"، وقال "لا أتحدث عن أي اقتراح محدد".
كلام وزير الطاقة يتناقض مع كلام وزير الدفاع الإسرائيلي "أفيغدور ليبرمان" المندفع أساساً في شخصيته، والذي صرّح أن بشار الأسد هو الشخص المناسب لسوريا في الوقت الراهن، وحمّل مسؤولية ما تمرّ به "إسرائيل" إلى النبي موسى عليه السلام.
تصريحات ليبرمان أثارت الجدل داخل "إسرائيل" وخارجها، وما تحميل فشل بلاده للنبي موسى عليه السلام إلا دليل فشل سياسة بلاده وعدوانيتها واحتلالها لأراض لا علاقة لها بها لا من قريب ولا من بعيد، ولا نعلم ما الذي يجمع ليبرمان القادم من إحدى الدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي سابقاً مع "إسرائيل".
هل هناك نيّة "إسرائيلية" فعلية لاستهداف الرئيس الأسد أم إنّ للكلام أبعاداً أخرى؟!
وزير الطاقة لا يعتبر جهة مخوّلة للكشف عن هذا الأمر، وعادة عندما يتكلّم "الإسرائيلي" لا يفعل، وعندما يسود الصمت فعلينا الحذر، هو قال بنفسه إن تصريحاته لا تعبّر عن سياسة الحكومة "الإسرائيلية"، وقال "لا أتحدث عن أي اقتراح محدد".
الأسد بالنسبة للروس خط أحمر لن يسمحوا بالمساس به مهما كلّف الثمن، كما أن الكيان الإسرائيلي ليس في وارد الدخول بحرب مع سوريا، خاصّة أنه يسعى لتمرير "صفقة القرن" خلال الأشهر المقبلة والدخول إلى بعض العواصم العربية والخليجية بشكل رسمي.
في ظاهر الأمر إن التصريح يأتي في سياق الضغط الذي تمارسه "إسرائيل" مؤخراً على القيادة السورية للحدّ من أي تحرك لإيران في سوريا، خاصة أن "إسرائيل" لم تعد تمتلك أوراقاً في سوريا، ولو أنها نجحت في ذلك سابقاً لفعلت، ولكن اليوم مع تغيّر موازين الحرب لمصلحة محور المقاومة، يبدو أن "إسرائيل" تحذو حذو بعض الدول العربيّة في النحيب، مع الإشارة إلى أنها تسعى لترسيخ معادلة خطوط حمراء عبر ضرباتها الجويّة.
الهدف من هذه التصاريح أولاً تعزيز سياسة "إيران فوبياً"، وإيهام الجميع بأن التدخل العسكري الإسرائيلي في سوريا يتعلّق بالحضور الإيراني، وكأن قصف مفاعل دير الزور وما تلاه من عشرات الغارات على المنشآت السورية كانت تتعلق بالجانب الإيراني.
الجميع يعلم أن "إسرائيل" لم تعد تملك أوراق قوة داخل الأراضي السورية بعد القضاء على كل من دعمتهم في الداخل من مجموعات مسلّحة وإرهابيين لذلك نجدها اليوم تلوّح بورقة الاغتيالات علّها تتمكن من إخافة الطرف المقابل، لكن بعدما حصل داخل البلاد وتحدي القوات السورية لماكينات الاحتلال العسكرية في أكثر من مناسبة، دخل الرعب إلى قلب العدو الإسرائيلي، وما زاد رعبهم تلويح طهران بتوجيه ردّ لإسرائيل بعدما اغتالت الأخيرة ضباطاً إيرانيين.
غموض طهران أرهق "الإسرائيلي" وحالياً هم عاجزون عن فعل أي شيء سوى كتابة التحاليل السياسية حول الضربة الإيرانية المقبلة، فهل سنشهد حرباً بين إيران و"إسرائيل" على الأرض السورية أم سيبقى الموضوع في إطار التهديدات المتبادلة؟!.