الوقت- قامت أمريكا وفرنسا بريطانيا الأسبوع الماضي بتوجيه ضربة عسكرية على بعض المناطق السورية وبهذا فإنها تكون قد بدأت حقبة جديدة من المواجهة مع روسيا في هذا البلد، وهنا يُذكر أن المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" لم تكتفِ فقط بالإعلان عن عدم مشاركة ألمانيا في ذلك الهجوم الصاروخي والجوي الثلاثي، بل إنها قامت بإجراء اتصال هاتفي مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بحثا خلاله الأوضاع في سوريا، بما في ذلك اتهامات بعض دول الغرب لدمشق باستخدام أسلحة كيميائية وأكدت "ميركل" في محادثتها مع "بوتين"، بأنها سوف تجتمع معه في المستقبل القريب.
يُذكر أن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، كان قد عقد اجتماعاً مع المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" في 2 مايو 2017، أي قبل عام من انطلاق محادثات "سوتشي" وفي ذلك الاجتماع ناقش الجانبان أهم القضايا المتنازع عليها ولا سيما الحرب الأهلية السورية والأزمة الأوكرانية، والآن وفي ظل هذه الظروف الجديدة، يمكن اعتبار المحادثة الهاتفية بين "ميركل" و"بوتين" والتخطيط لعقد اجتماع بينهما في المستقبل القريب، خطوة مهمة ورمزية، تُظهر نوعاً من مواقف برلين المناهضة للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وأمريكا، في الواقع، يمكن أن يكون لمواقف "ميركل" تلك وإمكانية اجتماعها مع "بوتين"، عدة رسائل مهمة، كالتالي:
مواجهة أطماع "ترامب" الذي يسعى إلى الهيمنة على العالم
مما لا شك فيه أن جهود المستشارة الألمانية التي تسعى جاهدة لإطفاء فتيل التوترات بين بلادها روسيا، تحمل في طياتها العديد من الرسائل والتي يمكن مناقشتها من بُعدين مختلفين: البعد الأول، يرتبط بالمجال النفسي والتاريخي والروح الألمانية المنتشرة بين مواطني ذلك البلد.
في الواقع، كان الألمان على مرّ التاريخ يطمحون إلى قيادة أوروبا والعالم أجمع، وهذا الأمر كان جلياً وواضحاً خلال فترة الحكم النازي في البلاد بين عامي 1933 و1945.
ومع زوال حكم "هتلر" فإن النازيين بعد الحرب العالمية الثانية أصبحوا جزءاً من التاريخ، إلا أنه في وقتنا الحاضر يمكن القول بأن روح الأفضلية الألمانية، لا تزال موجودة في أذهان المواطنين الألمان واستناداً على هذا المبدأ، يمكن اعتبار سلوك وموقف "ميركل" الأخير، تعبيراً عن روح الاستقلال من الهيمنة الأمريكية وهذا يعني بأن ألمانيا تستطيع أن تتخذ سياسة مستقلة عن أمريكا وقت ما أرادت ذلك.
وفيما يتعلق بالبعد الثاني، فيمكن أيضاً الإشارة هنا إلى العلاقة الشخصية والنهج المعارض لـ"ميركل" تجاه "دونالد ترامب" ولقد أدّى النهج المستبد والمواقف العدائية للرئيس "دونالد ترامب" التي رافقت توجيهه للعديد من الإهانات للأوروبيين، إلى قيام المستشارة الألمانية باتخاذ مواقف صارمة وقوية تجاه طموحات "ترامب" الذي يسعى للهيمنة على العالم ويمكن رؤية هذا الأمر بشكل واضح في اللقاءات التي عقدها الرئيس الأمريكي "ترامب" مع المستشارة الألمانية "ميركل" في الاجتماعات المختلفة لقادة مجموعة العشرين وحلف الناتو و ...، حيث انتقدت "ميركل" بشدة مقاربات ووجهات نظر واشنطن وفي عدة تعليقات أدانت أيضاً مواقف الرئيس "ترامب" الشخصية التي تهدد بنسف الوحدة العالمية، وبناءً على ذلك، فإن الوضع الحالي وفتح خط اتصال بين "ميركل" و"بوتين" وإمكانية اجتماع هذين الزعيمين السياسيين في المستقبل القريب، يشير إلى أن "ميركل" تعارض بشدة محاولات "ترامب" للهيمنة على العالم وفي هذا الصدد، رفضت ألمانيا رفضاً قاطعاً مشاركة أمريكا وفرنسا وبريطانيا في الهجوم الصاروخي الوحشي على سوريا الذي حدث في 17 أبريل 2018.
التعاون في مجالات نقل الطاقة وتقليل الاعتماد على الطاقة المستوردة من أمريكا
يمكن بلورت الهدف الآخر من محاولة "ميركل" للاجتماع مع "فلاديمير بوتين"، في سياق جهود برلين لتسهيل عمليات انتقال الطاقة إلى أوروبا والتخلص من الاعتماد على أمريكا.
في الواقع، ووفقاً للإحصاءات المنتشرة، فإن أمريكا هي سادس أكبر مورد للغاز الأوروبي، حيث تغطي 6 في المئة من واردات "LNG" من حيث الحصة السوقية وفي وقتنا الحالي تخطط "ميركل" لإطلاق خط أنابيب الغاز الروسي "نورد ستريم"، الذي يتكون من خطي أنابيب لنقل الغاز بين روسيا وأوروبا والذي سيعمل على نقل الغاز الروسي إلى مختلف الدول الأوروبية عبر بحر "البلطيق" وسيؤمن هذا الخط طريقاً أكثر أماناً وأكثر رخصاً لعبور الطاقة من روسيا إلى دول الاتحاد الأوروبي وقد تكون هذه الخطوة، خطوة جادة لتقليل اعتماد ألمانيا على صادرات الطاقة الأمريكية.
ترسيخ مكانة ألمانيا كقائد للاتحاد الأوروبي
من الممكن رؤية الهدف الآخر من محاولة "ميركل" للاجتماع مع "فلاديمير بوتين" في المستقبل القريب، في الجهود الألمانية الرامية إلى تثبيت وترسيخ مكانتها كقائد للاتحاد الأوروبي. في الواقع، منذ تأسيس الاتحاد الأوروبي وحتى الآن، لعبت ألمانيا دور الوطن الأم وتحمّلت الجزء الأكبر من مسؤوليات هذا الاتحاد وفي الوضع الراهن، تنوي "ميركل" الحفاظ على دور القيادة الألمانية في الاتحاد الأوروبي وتعزيزه وذلك من خلال اتخاذ قرارات مهمة وخلق تحالفات مع شركاء تجاريين واقتصاديين جدد، وعلى المستوى السياسي، تعتزم المستشارة الألمانية تعزيز قوة الاتحاد الأوروبي من خلال تبني مواقف سياسية مستقلة تجاه أمريكا.