الوقت- انخفاض شعبية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزيادة الاستياء الشعبي ضد أدائه منذ بداية تسلمه الرئاسة، يمكن أن يمهد لاحتجاجات ضخمة في فرنسا، كما يمكن أنّ يكون بداية الطريق لهزيمته في الانتخابات الرئاسية المقررة في العام 2022.
فالإصلاحات الاقتصادية التي أقرّها ماكرون باتت تُشكل مصدراً للاستياء الشعبي الشديد داخل هذا البلد الذي يُعتبر من أعمدة الاتحاد الأوروبي، وقد أظهر الإضراب الكبير للعمال والممرضات والمدرسين وبقيّة فئات الموظفين احتجاجاً على الإصلاحات الاقتصادية التي أجراها ماكرون عدم قدرته على إقناع الرأي العام الفرنسي بتلك الإصلاحات.
وتطمح حكومة ماكرون بإصلاحاتها المقترحة إلى خفض العجز في الميزانية الفرنسية إلى أقل من 3% من إجمالي الناتج الداخلي، وهي نسبة حددها الاتحاد الأوروبي.
العديد من المحللين في فرنسا وأوروبا أكدوا أن هناك احتمال حدوث اضطرابات واسعة النطاق احتجاجاً على الإصلاحات الاقتصادية التي قام بها ماكرون، وتتشابه هذه الاحتجاجات مع تلك التي حدثت أثناء فترة حكم الرئيسين السابقين فرانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي، حيث إنّ إجراءات الرئيس الفرنسي الحالي تتطابق مع التي قاما بها من حيث إصلاح التأمين ومحاربة البطالة، بالإضافة إلى التغييرات الكبيرة في شركة السكك الحديدية (بسبب ارتفاع الاقتراض)، وما إلى ذلك من إجراءات.
الممرضون والمعلمون وغيرهم من الموظفين في القطاعات العامة الفرنسية الأخرى وباقي فئات الشعب؛ كل أولئك وغيرهم من نقابات العمال الفرنسية لا ينظرون إلى تلك الإصلاحات الاقتصادية بعينٍ إيجابية.
وكان من المتوقع أن يتحدث ماكرون للرأي العام الفرنسي حول تلك الإصلاحات الاقتصادية وأن يُمهد للرأي العام حتى قبل البدء بإجرائها خلال العام 2017، أما النقطة الجوهرية في هذا الموضوع أنّ فرنسا وبالرغم من محاولتها الحد من نسبة البطالة ورفع مصداقيتها الاقتصادية الدولية، إلا أنّها لم تستطع الحد من حالة عدم الرضا والاستياء الشعبي وخصوصاً معارضة الخطط الاقتصادية للرئيس الفرنسي.
فالمتقاعدون الفرنسيون أيضاً لهم تأثير قوي ونظرة سلبية تجاه الإصلاحات الاقتصادية لماكرون، حيث يطالب العديد من المعترضين بالوقوف بوجه الخطط الاقتصادية لماكرون الخاصة برفع معدل الضريبة الخاص بخدمات الرعاية الاجتماعية، والتي بدورها ستؤثر على قيمة الأجور والرواتب، حيث إنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهذه الخطة، وبعبارة أخرى؛ سيضطر أصحاب المعاشات الفرنسية لدفع المزيد من الضرائب.
أحدث استطلاعات الرأي في فرنسا تظهر أن شعبية إيمانويل ماكرون قد تقلصت إلى حوالي الـ 40٪، في حين أنّ شعبية ماكرون قبل تنفيذ تلك الإصلاحات الاقتصادية بلغت أكثر من 50٪، واليوم يواجه ماكرون معارضة معظم المواطنين الفرنسيين لوجوده في السلطة، ومما لا شك فيه أن الاحتجاجات والإضرابات التي يقوم بها العمال والمدرسون والممرضون والمتقاعدون ستزيد من إضعاف شعبية رئيس فرنسا الشاب.
من ناحية أخرى؛ يمكن للاحتجاجات واسعة النطاق الحالية في فرنسا أن توفر جميع أسباب الهزيمة لماكرون في الانتخابات الرئاسية في العام 2022، حيث إنّ ماكرون وفي حال خسارته لمؤيديه من العمال والمعلمين؛ لن تكون هناك أي قوة قادرة على مساعدته على البقاء في المعادلات السياسية والتنفيذية لفرنسا.
وفي السياق ذاته؛ لا ينبغي أن ننسى أنه وفي عام 2012، كان لاتحاد المعلمين والعمال الفرنسيين القوة الأكبر والسبب الأهم لوصول الرئيس السابق أولاند إلى قصر الإليزيه، كما أنّه وفي العام 2017، كان لاعتراض ومطالب هذه الطبقات السبب الأبرز لعدم ترشح أولاند في الانتخابات الرئاسية.
وبناءً على ما سبق؛ هناك احتمال أن يصبح إيمانويل ماكرون رئيساً لدورة رئاسية واحدة للبلاد، وأن قيادة فرنسا في الانتخابات الرئاسية المقررة في العام 2022 سيتم تسليمها إلى شخص آخر.
ويرى خبراء ومراقبون أنّ استمرار اندلاع الاحتجاجات الشعبية في فرنسا قد يؤدي إلى تقويض مكانتها في الاتحاد الأوروبي، وكان ماكرون قد وعد في بداية ولايته الرئاسية بأنه سيلعب دوراً فعالاً في مواجهة الأزمة الاقتصادية في أوروبا، غير أنّ الاستياء الاقتصادي الأخير داخل فرنسا؛ سيؤدي إلى التشكيك بقدرة ماكرون في مواجهة الأزمة الاقتصادية في أوروبا، فهو وبحسب المراقبين غير قادر على مواجهتها في بلاده.
يُشار إلى أنّ فرنسا شهدت تظاهرات ضخمة ضد تعديل قانون العمل في مختلف المدن الفرنسية، وهو المشروع الذي قدمته وزارة العمل، ووصلت الاضطرابات إلى إغلاق عدد من الشوارع الرئيسية وإيقاف العمل بعدة قطاعات ووقوع صدامات بين المتظاهرين وقوات الشرطة، وشهد الخريف الماضي أيضاً خروج احتجاجات مناهضة لسياسة ماكرون الرامية إلى تعديل قانون العمل، إلا أنها باءت بالفشل، إذ سمح مجلس الشيوخ الفرنسي في أغسطس المنصرم للرئيس ماكرون وحكومته بتعديل القانون من خلال مراسيم دون العودة إلى البرلمان.