الوقت- استطاع الألمان في نهاية المطاف التوصل إلى موقف واضح وتشكيل حكومة اتحادية جديدة عن طريق إعادة انتخاب المستشارة " أنجيلا ميركل" لولاية رابعة على التوالي منذ عام 2005 وذلك بعد عملية التصويت التي أجريت في 13 آذار / مارس في البرلمان الألماني والتي ساعدت على كسر الجمود السياسي الذي عاشت فيه البلاد خلال الستة الأشهر الماضية ولقد توصل الحزب المحافظ المسيحي الذي تقوده "أنجيلا ميركل" إلى اتفاق نهائي مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي لتشكيل حكومة اتحادية. وفي هذا السياق أعلنت وكالة "أسوشيتد" برس، قائلة: "تعدّ هذه المحاولة لتشكيل الحكومة في ألمانيا هي الأطول منذ الحرب العالمية الثانية." وعلى الرغم من أن قادة هذه الأحزاب كانوا قد توصلوا إلى اتفاق أولي في أوائل الشهر الماضي، إلا أنه لا يزال هنالك الكثير من العقبات أمام تشكيل حكومة اتحادية.
وفي انتخابات سبتمبر 2017، لم يتمكن أيٌّ من هذه الأحزاب الرئيسية في ألمانيا من الحصول على أغلبية المقاعد البرلمانية، فلقد حصل الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU) على 200 مقعد والحزب الاجتماعي المسيحي (CSU) الحليف لـ"ميركل" على 46 والحزب الاجتماعي الديمقراطي على 153 مقعداً من أصل 709 مقاعد في هذه الانتخابات. ولقد بدأت المحادثات النهائية لتشكيل حكومة ائتلافية جديدة منذ الأسابيع الأولى لتلك الانتخابات ولكن للأسف الشديد لم تؤدِ تلك المحادثات إلى خلق اتفاق نهائي بين قادة تلك الأحزاب.
ووفقاً لاستطلاعات الرأي العام، فإنه إذا تم إجراء انتخابات جديدة، فإن الأحزاب المحافظة ستخسر ما يعادل 3٪ من الأصوات، كما أن الحزب الديمقراطي الاجتماعي سيخسر تقريباً 5٪ من أصواته ولهذا فلقد أصدر الرئيس الألماني "فرانك فالتر شتاينماير" قراراً بمنع إجراء انتخابات ثانية وبهذا الأمر تم إجبار هذه الأحزاب الثلاثة على تشكيل حكومة ائتلافية جديدة.
وفي هذا السياق تم الإعلان يوم الاثنين الماضي رسمياً بأن أعضاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي وافقوا بنسبة 66% على المشاركة في ذلك "الائتلاف العظيم" وبعد فرز الأصوات، أعلن "أولوف شولتز"، الزعيم المؤقت لهذا الحزب في رسالة إلى "أنجيلا ميركل"، قال فيها: "بعد خمسة أشهر من الغموض والحيرة، توصلنا في النهاية إلى موقف واضح". الجدير بالذكر هنا، أن المستشارة "ميركل كانت ستضطر إلى الاستعانة بالأحزاب الصغيرة الأخرى لتشكيل حكومة أقليات غير مستقرة أو أنها كانت ستقوم بإجراء انتخابات ثانية في ألمانيا وذلك في حالة لو كان الحزب الديمقراطي الاجتماعي قد قرر عدم التصويت لمصلحة هذا الائتلاف.
ومن الأحداث المهمة الأخرى التي حصلت في طريق تشكيل هذه الحكومة الائتلافية، تغيير زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني "مارتن شولتز" واستبداله بـ"أولاف شولز" كزعيم مؤقت لهذا الحزب خلال أيام التصويت المتوترة التي أُجريت داخل الحزب. ولقد أعلن "شولز" يوم الجمعة (9 فبراير / 20 فبراير)، بأنه:" لن يشارك بأي حقيبة وزارية في حكومة ألمانيا المقبلة وبأنه يأمل أن ينتهي هذا الجدل حول تقسيم المناصب والحقائب الوزارية داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني ". وقبل يوم من نشر هذا البيان، اتهم "سيجمار جابرييل"، الزعيم السابق للحزب الاشتراكي الديمقراطي، "مارتن شولتز" بالخيانة.
لقد أقسم "مارتن شولتز" خلال تلك الحملات الانتخابية التي أجريت في مختلف المناطق الألمانية، بأنه لن يخدم في حكومة "ميركل" ولكن قبوله الضمني بمنصب وزير الخارجية، قد سبب له الكثير من المشكلات وقد أدّى إلى زعزعة مكانته في الأوساط السياسية والاجتماعية داخل ألمانيا. بشكل عام، حيث سُتمنح وزارة المالية ووزارة الخارجية للحزب الديمقراطي الاجتماعي وسيحصل حزب المستشارة "ميركل" على وزارات الدفاع والطاقة والاقتصاد. ونظراً لأن وزارة المالية ستكون في أيدي الديمقراطيين الاشتراكيين (SPD)، فمن المتوقع أن يركز هذا الحزب على الاستثمارات العامة بدلاً من التخفيضات الضريبية ومن المتوقع أن ينخفض الدين العام كثيراً.
تتضمن الاتفاقية التي وقع عليها جميع الأحزاب من أجل تشكيل الحكومة الألمانية الجديدة عدداً من النقاط المهمة التي تتمثل فيما يلي:
1. التكنولوجيا الرقمية "الرقمنة": لقد تم الاتفاق على تحسين خدمات الانترنت وسرعته في البلاد وإيصاله إلى جميع أنحاء ألمانيا بحلول عام 2025 ومن المتوقع أيضاً أن تتعاون ألمانيا مع فرنسا وتصبح نقطة محورية للبحث والعمل في مجال الذكاء الاصطناعي في أوروبا. كما أن ذلك القرار سُيزيل الحواجز البيروقراطية من أمام الشركات الناشئة.
2. البيروقراطية: لقد تم الاتفاق على أن المواطنين الألمان سيكونون قادرين على التواصل بشكل رقمي مع الإدارات والمؤسسات الحكومية ولكن الحكومة الجديدة لا تنوي إنشاء مركز تنسيق في المكتب المستشاري وإنشاء وزارة خاصة بالشؤون الرقمية.
3. التعليم والعمل: إن السياسة التعليمية المستقبلية للأحزاب الائتلافية هي المشروع الوحيد الذي حظي بترحيب معظم الأطراف والأحزاب في الحكومة الجديدة ومن المتوقع أن يقدم هذا المشروع المكلف، الكثير من المقترحات لضمان شفافية وجودة عالية للنظام التعليمي في ألمانيا".
4. البحث والتحقيق: لقد قام الاقتصاد الألماني منذ فترة طويلة بمناقشة مواضيع تخص الإعانات الضريبية للمشاريع البحثية ومن المتوقع أن يتم اتخاذ القرار بإعطاء إعانات ضريبية للمشاريع البحثية الخاصة بالشركات الصغيرة والمتوسطة.
5. الصحة: أعلنت الحكومة الائتلافية أنها مستعدة لمحاربة الأمراض الشائعة والمنتشرة في ألمانيا وبأنها ستعمل على معالجة السكان المصابين بزيادة الوزن والاكتئاب والسكري والسرطان والخرف وستقوم وزارة الصحة أيضاً بتقديم الكثير من الدعم للباحثين لمكافحة انتشار مثل هذه الأمراض في ألمانيا.
6. الحيوانات والتغذية: لقد تطرقت أحزاب الائتلاف إلى مواضيع تتعلق بالحيوانات، كوضع قوانين صارمة على أولئك الأشخاص الذين يقومون بمعاملة تلك الحيوانات بشكل قاسٍ.
7. البيئة: لقد تطرقت أحزاب الائتلاف إلى قضية البيئة من الناحية الاقتصادية ولقد أعلنوا بأنه بحلول عام 2030، ينبغي توفير 65 ٪ من جميع الكهرباء في ألمانيا من مصادر متجددة مثل أشعة الشمس والرياح والمياه وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في الوقت الحاضر، يتم توفير 38 ٪ من إجمالي الطاقة المستهلكة في ألمانيا من مصادر متجددة ".
بشكل عام، من المتوقع أن تتبنى الحكومة الألمانية الجديدة، في ظل هذه الظروف، سياسة تجارية جديدة تعتمد على استخدام نفوذها الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي لخلق حالة من الانسجام فيه. وفي هذا السياق وبعد هذا النجاح الذي حققته الأحزاب الألمانية في الانتخابات البرلمانية، أعلن الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" بأن: "هذا خبر جيد لأوروبا". وفي بيان آخر أعرب "ماكرون"، قائلاً: "ستتعاون فرنسا وألمانيا وستعملان معاً في الأسابيع القادمة لتوسيع وتطوير مشاريع جديدة في أوروبا."
يبدو أن تلك الخلافات التي أوجدها المحافظون داخل الحكومة الأمريكية، أدّت إلى توفر فرصة ممتازة لألمانيا لمنع توسع الفجوة داخل الاتحاد الأوروبي وقريباً ستفرض الولايات المتحدة ضرائب على بعض وارداتها من الحديد الصلب والألمنيوم وهذا الأمر سيتطلب مساعدة من الحكومات الأوروبية وفي هذا السياق، أعلن "جان كلود يونكر"، رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي، بأن ذلك الإجراء المتعجل الذي قام به "ترامب" غير عادل، وتابع قائلاً: "إن الاتحاد الأوروبي سيتخذ قرارات حاسمة وملائمة وسيدافع عن جميع مصالحه".
كما أعلن وزير الخارجية الألماني "سيجمار غابرييل" بأنه ستكون هنالك حرب تجارية بين أعضاء حلف الناتو الأمريكيين والأوروبيين وهذا الأمر هو ما عززه موقف أعضاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي عندما اتخذوا العديد من القرارات الاقتصادية في ألمانيا، بالإضافة إلى التعاون الكبير بين فرنسا وألمانيا من أجل زيادة استقلالية الاتحاد الأوروبي.