الوقت- غادي إيزنكوت "58 عاماً" رجل "إسرائيل" القادم من تاريخ مليء بالعنف والقتل والإجرام ابتداءً من قمع الانتفاضة الأولى عام 1987 مروراً بقمع الانتفاضة الثانية عام 2000، وصولاً إلى المواجهة مع حزب الله في عام 2006، وما بينها من عمليات استخباراتية في سوريا ولبنان.
هذا النمط من القادة العسكريين يروي عطش الصهاينة ويجعلهم أكثر ثقة بقيادتهم، ففي "إسرائيل" كلما كنت كارهاً وحاقداً وقاتلاً للشعوب العربية في الداخل الفلسطيني والدول المجاورة ستكون محط ثقة وإعجاب الجميع، وبناءً على الظروف المأساوية التي مرّت بها "إسرائيل" من بعد حرب تموز 2006 والتي أظهرت هشاشة غير معهودة في بنية الجيش الإسرائيلي ولاسيما القوات البرية منها، كان لا بدّ من البحث عن شخص يخلف رئيس الأركان السابق "بيني غانتس" الذي واجه انتقادات لاذعة بسبب حرب تموز وعدم هجومه على حماس في قطاع غزة، وبالتالي كان لا بدّ من التغيير وإخماد القليل من غضب الإسرائيليين عبر اختيار رئيس أركان جديد يكون أهلاً لهذه المهمة وفقاً للمعايير الإسرائيلية، ولم تجد القيادة أفضل من "إيزنكوت" لذلك.
إيزنكوت حتى اللحظة لم يواجه حرباً حقيقة مع أي عدو لـ"إسرائيل" ولم يبقَ له سوى سنة واحدة في منصبه الحالي، وتحييد "إسرائيل" من التورط في أي حرب منذ توليه منصب "قيادة الأركان" قد يكون أمراً إيجابياً للكيان الإسرائيلي لأنه يتناسب مع "عقيدة الأمن الإسرائيلية" في أحد معاييرها لكن قد يكون الأمر أعقد من ذلك، ولا يمكننا فصل ما حدث في حرب تموز ونتائج هذه الحرب على الداخل الإسرائيلي عمّا تلاها، لأن المرارة التي شعر بها العدو الصهيوني حينها لا توصف وبالتالي دخوله بأي حرب مقبلة خاصة في الجبهة الشمالية دون أن تكون نتائجها مضمونة "ولن تكون كذلك" بل سيحطّم وجه "إسرائيل" إلى أبد الآبدين.
هذا الكلام أدركه إيزنكوت جيداً، لذلك قال قبل عدة أسابيع " نحن نعلم بأنه خلف الهدوء ينتظرنا تحديات كثيرة"، وتحدّث حينها أن حزب الله يشكّل أكبر تهديد لإسرائيل في الوقت الحالي، مضيفاً إن "لديه منظومة أسلحة كبيرة ويتعاظم بقدرات عسكرية كبيرة"، ولكي يرفع من معنويات جيشه في الجبهة الشمالية التي أصبحت تشكّل "كابوساً" لهم، قال ايزنكوت إنه مقتنع بتفوق جيشه، بضباطه، وجنوده، وبقدرتهم لتحقيق الانتصار وقت اندلاع الحرب لتكون نتيجة الحرب مؤلمة للعدو، على حدّ تعبيره.
ومع وصول إيزنكوت إلى قيادة الأركان أوكلت إليه مجموعة من المهام نشرتها حينها القناة العاشرة الإسرائيلية وجاءت على الشكل التالي:
- تأهيل الجيش الإسرائيلي للحرب البرية خاصة بعد الإخفاقات في بعض زوايا الحرب على غزة
- تعزيز قدرات الجيش في ظل امتلاك الحركات المناهضة لإسرائيل "حماس وحزب الله" قدرات عسكرية ضارة بأمن إسرائيل
- ترميم العلاقة بين الجيش الإسرائيلي والأمن بعد التراشق الإعلامي بينهما إثر حرب غزة، واتهامات الأمن للجيش بإغفال معلومات خطيرة عن جاهزية حماس للحرب
- إيجاد صيغة على المستوى السياسي تمنع إيران من بناء قدرة نووية تهدد بها أمن إسرائيل
- وضع سيناريوهات للأوضاع الأمنية على الجبهة الشمالية "مع لبنان وسوريا" والاستعداد لأي خيار عسكري محتمل
وما إن مضت 6 أشهر على تسلم إيزنكوت منصب رئيس الأركان، حتى قدّم للقيادة العسكرية والسياسية وثيقة استراتيجية جديدة، لكنها حملت في طياتها جدلاً واسعاً في الأوساط الإسرائيلية لكونها اقتربت من أمور حساسة مثل العقيدة الأمنية وأهداف الجيش الإسرائيلي القتالية، التي يواصل المستوى السياسي التهرب من معالجتها.
وأوضح الخبير العسكري الإسرائيلي لدى صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل أن "من بين التحديثات التي تتضمنها الوثيقة الجديدة، تقسيم المنطقة إلى "مجموعات مواجهة" (تهديدات تواجه إسرائيل)، مقابل "مجموعات التعاون" (دول صديقة أو دول يمكن التنسيق معها)؛ مع التشديد على الأهمية المتزايدة "للمعركة بين الحروب" التي تديرها إسرائيل ضدّ تعاظم قوة المنظمات الإرهابية، وتحليل طريقة استخدام القوة العسكرية، كدمج بين مقاربة الحسم في الحرب وبين مقاربة المنع والتأثير".
أما حالياً لا يستبعد إيزنكوت حصول حروب جديدة لكنه يفضّل أن تكون سرية وبالتالي لا يُلزم العدو بالرّد، وقد تمكنت "إسرائيل" منذ عدة أسابيع من إسقاط طائرة بدون طيار كانت تحلّق في أجوائها قادمة من الجانب السوري "بحسب ادعاءاتها" لكن ماذا كان الرّد ؟!، إسقاط طائرة "اف 16" وإصابة أخرى في مشهد أعاد لهم ذكريات حرب 73 وحرب تموز ومن هنا أدرك الصهيوني أن هذا الأسلوب المتبع لم ينجح، وبأن إسقاط الطائرة غيّر نظرية الردع الإسرائيلية وجعلها تتمزق أمام صواريخ سوريا التي لم يتوقع منها أحد هذا الرد بعد 7 سنوات من الحرب التي كانت "إسرائيل" أحد أهم مسبباتها.
لذك اليوم إيزنكوت يتحدث عن إدخال طائرة "إيتان" بأعداد كبيرة إلى سلاح الجو، وهي طائرة بدون طيار، تزن 5.5 أطنان وتبلغ طاقتها الاستيعابية 1.5 طن، والتي يمكن أن تشمل الكاميرات والرادارات والتكنولوجيا التي تسمح بالحصول على معلومات استخباراتية متنوعة، ما يجعلها أخطبوطاً، والأهم من هذا من وجهة نظر ايزنكوت أنها ستسهل لهم المضي قدماً في حرب سرية مع أعدائهم، ففي هذا النوع من الحروب لا تتحمل "إسرائيل" المسؤولية عنها ولكنها تحتاج إليها من أجل إحباط المؤامرات وإبقاء الحروب بعيدة.
حتى اللحظة وبالرغم من أن إيزنكوت يقول بأن "الهجوم هو فقط من يجلب النصر" لم تتمكن "إسرائيل" من اتخاذ قرار المواجهة في الجبهة الشمالية والداخلية لأنها تعرف تمام المعرفة بأن الموضوع سيكلّفها الكثير، خاصة أن النتائج لم تعد مضمونة بعد تعاظم دور محور المقاومة في المنطقة وخروج سوريا من خطر التقسيم والسقوط بفضل دعم الحلفاء وصمود الجيش.